قضايا وآراء

اللجنة الدستورية.. انعكاسات إقليمية

| مازن بلال

فشلت اللجنة الدستورية في الاجتماع وقدم هذا الأمر صورة عن المسار الصعب لعملها، وظهر تعثرها ضمن ظاهرة التعثر في الإمساك بعوامل الأزمة السورية عموماً، فمسألة عدم التوافق على جدول الأعمال وتحميل مسؤوليات مختلفة للأطراف هي الجانب المباشر، لكن اللجنة المصغرة عبرت عن الاشتباك الإقليمي في شمال شرق سورية، ففي هذه المنطقة يتم تجميع التناقضات من جديد قبل توزيعها على القنوات السياسية التي تصل إلى اللجنة الدستورية.
هناك خلاف في إدارة الأزمة داخل منطقة الجزيرة السورية، ونتائج «الانسحاب» الأميركي تظهر اليوم من خلال عدم تحديد الأدوار، فالتركي الذي احتل مساحة من الشمال السوري؛ ما زال عالقاً عند نقطة إزاحة قوات قسد، على حين أتاحت مفاوضات موسكو مع الطرفين السوري و«قسد» الحد من انتشار المعارك من دون أن توقفها، وهذا الاتفاق غير المعلن لم يستند بعد إلى معادلة سياسية واضحة، ما أدى إلى استمرار المعارك ومحاولات لتوسيع رقعة انتشار الميليشيات المدعومة تركياً.
عملياً فإن العمل العسكري التركي ورغم عناوينه المرتبطة بالمنطقة الآمنة، يتعامل وفق المؤشرات مع مساحة سياسية مختلفة تماماً عما هو معلن، فهو يريد:
1- ترتيبات نهائية لمناطق الشمال السوري، ومهما كان الحديث عن أطماع تركية، لكن السياسة تتجه للإمساك بأشكال التطبيع الذي يمكن أن يحدث بين أنقرة ودمشق، وهو تطبيع تحاول موسكو تأسيسه رغم عمق الخلاف السوري التركي.
قوة أنقرة الحالية لا تقتصر على عدد الأوراق التي تحاول زجها اليوم، فمن مناصريها في اللجنة الدستورية، وصولاً إلى الميليشيات التي تستخدمها في الشمال السوري، لكن الأهم طريقة النظر الأميركية إليها كبوابة للإمساك بمفاصل الإرهاب، وهو ما يفسر عدم التعامل الجدي معها في العديد من القضايا، وعلى الأخص توجهها للتسلح من روسيا رغم أنه جزء من حلف الناتو، فتركيا تدرك أن الحاجة الأميركية لبوابة شرقة أوسطية لـ«ضبط» الإرهاب ستمر حتماً من تركيا، وهذا ما يجعلها اللاعب الأكثر فاعلية بالنسبة للغرب على أقل تقدير، ويدفع أيضاً لرسم سيناريو يكون فيه الدستور السوري المدخل لإعادة ترتيب علاقة أنقرة بدمشق، وتعطيل الجلسة الأخيرة كان لضبط إيقاع ما هو مسموح أو غير مسموح بالنسبة لتركيا.
2- إيجاد مشروعية للميليشيات المدعومة من قبلها، وهذه المسألة مرتبطة مع عملية تحويل الشكل العسكري للميليشيات إلى حالة إدارية تحل عوضاً عن «الإدارة الذاتية»، فهي تملك الشكل والآليات نفسها لكنها ترتبط أكثر بتركيا وتشكل «حديقتها الخلفية».
تريد تركيا من الدستور السوري تبديل الكثير من أشكال السيادة والتنظيم، وأن تتضمن الشرعية الجديدة إمكانية تعامل أنقرة مع التكوين السوري على أنه «ولاية» ولكن ضمن وضع خاص، مثلما كانت مصر في مرحلة ما بعد حكم محمد علي، فهي تتعامل مع التوازنات القادمة على أن الشرق الأوسط يبدأ وينتهي في أنقرة!
اللجنة الدستورية هي صراع سوري في النهاية، ومهما بدت الحالة القائمة متعثرة لكنها ترسم الموقع السوري، فالاستحقاق الذي نواجهه ليس في وضع الدستور ومواده بل في انسجامه مع قدرة السوريين على بناء واقعهم الجديد.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن