قضايا وآراء

سورية والعد التنازلي للتخلص من الإرهابيين

تحسين الحلبي :

لا أحد يجب أن يشك في أن موسكو اخترقت كل قواعد اللعبة الأميركية في المنطقة حين استندت في قرار إرسال سلاح جوها لدعم سورية في الحرب على المجموعات الإرهابية وفي مقدمتها (داعش) إلى الطلب السوري الرسمي الموجه للقيادة الروسية بتقديم هذا الدعم العسكري المباشر. ومن خلال هذا الإجراء لم تعد واشنطن تشكل أي مرجعية لكل من يرغب في المشاركة المباشرة في الحرب على الإرهاب في المنطقة والعالم بعد أن رفضت واشنطن مبادرة روسيا الداعية إلى الاستناد لمجلس الأمن الدولي، وفضل أوباما احتكار قواعد اللعبة له وحده… وعلى بوابة سورية ودورها الإقليمي التاريخي في هذه المنطقة بدأت أولى الأوراق الأميركية تحترق لتحترق معها تدريجياً الورقة الأميركية في العراق بعد أن أعلنت القيادة الروسية عن اتفاق سوري عراقي روسي للتنسيق المشترك في الحرب على المجموعات الإرهابية، وبدا من الواضح أن واشنطن تلقت ضربة قاسية على الساحة الإقليمية والدولية وفي توقيت اجتمع خلاله كل قادة دول العالم في الجمعية العامة للأمم المتحدة للإصغاء إلى أهم خطابين ينقلان الوضع في الشرق الأوسط من مرحلة ما قبل 30 أيلول وهو يوم أولى عمليات سلاح الجو الروسي فوق سماء سورية إلى مرحلة جديدة وهما خطاب الرئيس الروسي بوتين وخطاب سورية الذي ألقاه وليد المعلم وزير الخارجية السورية.
وبدا واضحاً أن أوباما أدرك مضاعفات هذه الضربة الشديدة على واشنطن فأعلن أنه «يستبعد أن تنسق واشنطن مع موسكو حرباً مشتركة على الإرهاب» واتهم وزير الدفاع الأميركي روسيا بشن غاراتها على المجموعات المسلحة المعارضة التي تدعمها واشنطن رغم أن هذه المجموعات لا تشكل شيئاً باعتراف الاتحاد الأوروبي.
وازداد وقع الضربة الروسية- السورية المشتركة على واشنطن حين أعلنت موسكو أنها على استعداد لشن غارات على (داعش) في العراق إذا طلبت الحكومة العراقية من موسكو المساعدة.
ويخطئ من يشك بأن بوتين لم يضع جميع الحسابات والاحتمالات المتوقعة والناجمة عن هذه التطورات في الدور الروسي فالمحللون الأميركيون يعترفون أن بوتين نجح في خرق التحالف بين دول من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة.
فقد لاحظ هؤلاء أن ألمانيا التي أصبحت من أهم الدول الأوروبية أعلنت تأييدها لدور روسي مثمر في حل الأزمة السورية إلى جانب الولايات المتحدة وترافق هذا الإعلان مع تصريحات دول أخرى بالترحيب بالدور الروسي في محاربة داعش وفي حل الأزمة السورية…
كما تبين لواشنطن أن تهديدها للصين في آسيا وقرب بحر الصين لا يشكل أي عائق أمام القيادة الصينية في إعلان دعمها لكل ما تقوم به روسيا ضد الإرهاب لأن الدولتين تدركان أن واشنطن تسعى إلى تصدير إرهاب داعش والقاعدة إلى أراضيهما التي يعيش فيها مواطنون روس وصينيون مسلمون.
ولذلك ترى المصادر الأوروبية أن موسكو انتزعت على الساحة الدولية حقها القانوني في أن تشن حرباً على المجموعات الإرهابية الإسلامية المتشددة كافة وأصبحت هذه الحرب التي يندد فيها العالم علناً في أولوية جدول العمل الروسي والصيني وبهذه الطريقة قلبت موسكو من بوابة حربها على الإرهاب في سورية جدول العمل الأميركي الذي كان يستهدف موسكو وبكين وحلفاءهما بـ«الإرهاب الإسلامي».
ويتوقع المحللون في روسيا أن تعمل موسكو خلال رئاستها الدورية لمجلس الأمن الدولي على نقل الحرب على داعش من الاحتكار الأميركي للحرب على الإرهاب إلى صلاحية الأمم المتحدة وقراراتها بمشاركة القوى العظمى الدائمة العضوية في مجلس الأمن… ولا شك أن محاصرة سياسة دعم الإرهاب الأميركية وتسخير حلفاء واشنطن في المنطقة للمجموعات الإرهابية ضد سورية والعراق ومصر وليبيا واليمن سيتحول إلى جدول عمل تتفق عليه دول كثيرة سيكون بمقدور موسكو وبكين إقناعها بالانضمام إليه.
ويرشح بعض المحللين المختصين بشؤون باكستان أن تفتح هذه التطورات الروسية في المنطقة فرصة توفر للقيادة الباكستانية الحصول على مساعدة روسيا في الحرب على مجموعات داعش وطالبان، ويتوقع المسؤولون في روسيا أن يصبح عام (2016) عام ترسيخ وجود عالم متعدد الأقطاب باعتراف أميركي وأوروبي بدلاً من اللجوء إلى سياسة حافة الهاوية النووية بين موسكو وبكين من جهة وواشنطن من الجهة الأخرى.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن