قضايا وآراء

سورية.. الأهداف المفتوحة

مازن بلال :

أظهرت العمليات العسكرية الروسية داخل الأراضي السورية خارطة سياسية إقليمية مضطربة، فقبل أيام على تلك الضربات كانت المواقف الأوروبية تشهد ليونة غير مسبوقة بشأن حل الأزمة، ورغم أن هذا التحول لم يكن كافيا لانطلاق الحل السياسي، لكنه أوجد فرزا للقوى الإقليمية؛ أبعدت عملياً السعودية خارج الدائرة المعتادة في مسألة الحل السياسي، فالموقف من الرئاسة السورية بدا وكأنه اختراق روسي سرعان ما انهار بعد الكلمات لرؤساء بعض الدول خلال انعقاد الجمعية العامة، ثم بدأت العمليات العسكرية الروسية بعد أقل من 48 ساعة على خطاب الرئيس الروسي فلادمير بوتين.
عمليا فإن التدخل الروسي المباشر حدَّ من الخيارات المفتوحة تجاه سورية، فالمعركة المعلنة ضد الإرهاب لم تعد قائمة على عمليات عسكرية انتقائية لاحتواء داعش، إنما لفرض واقع مختلف في طريقة معالجة الإرهاب والأزمة السورية بشكل متواز، ولا بد هنا من ملاحظة أمرين:
– الأول هو رفع الغطاء الدولي المفروض على العديد من التشكيلات المسلحة، فرغم كل التحركات الدولية فإن محاولات قطع طرق إمداد تلك التنظيمات بقيت مفتوحة، في وقت أصبح العديد منها يستند إلى «شرعية إقليمية»، وإلى تجاذبات دولية عرقلت أي آلية لوقف تدفق المسلحين إلى سورية.
وبغض النظر عن «الخطة العسكرية» الروسية المتبعة في انتقاء الأهداف؛ فإن الخلفية السياسية باتت واضحة وربما محرجة لبعض الدول الإقليمية والدولية، فهي وجدت نفسها أمام اختبار فقدان أوراق الضغط الخاصة بها، فخسرت حرية التحرك وترتيب الأوراق، ودفع المجموعات المسلحة باتجاه جبهات جديدة.
– الثاني إيجاد فرز على صعيد العملية السياسية، فخطورة الحل العسكري اليوم، وإمكانية التماس المباشر مع بعض الدول الإقليمية (على الأخص تركيا)، سيدفع مجدداً إلى طرح مسألة «الحل السياسي» على قاعدة التحول الإقليمي، ودخول موسكو في محاربة الإرهاب.
هناك توازن قوى مختلف تماما عن المرحلة السابقة، ورغم تمسك الجميع بمرجعية جنيف1 فإن اعتماد بنوده كإطار للحل ستبدو مختلفة في نتائجها، لأن موسكو لم تعد طرفا سياسيا راعيا، بل معنية في تحقيق رؤية مختلفة وتفسيرا خاصا لبعض بنوده، وهذا الأمر سيؤخر إلى حد ما من انعقاد أي تفاوض جديد بشأن سورية، إلا أنه في نفس الوقت يزيل الكثير من القيود التي تم فرضها سابقا على التحركات السياسية المرافقة لانطلاق التفاوض، فالضربات الروسية لم تترافق مع تصلب سياسي، وربما على العكس لأنها في النهاية لا تسعى لصدام إقليمي.
بالتأكيد لا تعني هذه الجولة الروسية نجاحا مطلقا، لكنها تفرض زوايا جديدة للتحرك بشأن سورية، فتحييد تأثير المجموعات المسلحة في القرار السياسي يبدو أساسيا، ورغم الصدمة التي خلفتها الضربات على المعارضة السورية في الخارج فإنها ستجد نفسها أمام استحقاق سياسي لا يحمل «تلويحا» بتصعيد الجبهات، أو بكسر الميزان العسكري القائم داخل الأراضي السورية.
الواقع الذي فرضته موسكو يرسم حدودا سياسية أكثر من أنه مجرد عمليات عسكرية، فسورية لم تعد هدفا مفتوحا من أجل إيجاد توازنات إقليمية، ولم تعد البنية السياسية السورية ضمن هامش الحل العسكري، بل تم فتح مسار لا يتم فيه تحديد الأدوار الإقليمية وفق توزع المجموعات المسلحة على الأرض السورية، وإنما وفق توزان عام للشرق الأوسط القادم.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن