قضايا وآراء

إسرائيل وآخر سيناريو لاحتمالات حروبها

| تحسين الحلبي

ربما يتذكر معظم المتابعين لحروب إسرائيل أن عدوانها على لبنان في حزيران عام 1982 سبق وقوعه قبل عدة أسابيع أو أقل، سيناريو افتراضي عرضته القناة الإسرائيلية الأولى بالعبرية وقدم له الصحفي الإسرائيلي نيسم ميشعال وجاء فيه أن سيارة مفخخة انفجرت في أحد الأماكن المزدحمة في حيفا فتسببت بخسائر بشرية وأن إحدى المنظمات الفلسطينية أعلنت مسؤوليتها عنها، فعقد رئيس الحكومة، حينها، مناحيم بيغين اجتماعاً عاجلاً للمجلس الوزاري المصغر لشؤون الأمن وهدد لبنان والمنظمات الفلسطينية باجتياح لبنان وتصفية وجود المنظمات المسلحة قبل أن تزداد قدراتها، وبعد مرور أسبوعين تقريباً أو أقل قام ثلاثة مسلحين في 4 حزيران 1982 بإطلاق النار على السفير الإسرائيلي في لندن شلومو أغروف وهو خارج من أحد فنادق المدينة وجرى اعتقالهم بنفس لحظات المطاردة، وعلى الفور قام مناحيم بيغين بالتنديد بهذا العمل وشاركت معظم دول العالم بالتنديد به، وفي السادس من حزيران 1982 بعد يومين فقط من هذه العملية بدأ سلاح الجو الإسرائيلي بضرب أهداف كان يعدها مواقع للمنظمات الفلسطينية في قلب بيروت في المدينة الرياضية وتوالت بعد ذلك عملية الاجتياح العسكري البري الإسرائيلي من الجنوب باتجاه بقية الأراضي اللبنانية حتى بيروت.
في 25 تشرين ثاني الماضي، أعد معهد أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي ندوة سياسية اقتصرت على عدد من قادة الجيش والمخابرات سابقاً أرادوا فيها محاكاة سيناريو يفترض وقوع عملية هجوم على مستوطنات في شمال إسرائيل من جنوب لبنان وكيفية رد القيادة عليه على شكل تمرين عسكري نظري يتولى كل مشارك فيه تمثيل دور رئيس حكومة العدو بنيامين نتنياهو ورئيس الموساد ورئيس الأركان والسفير الأميركي، وقد أعطي دور رئيس الحكومة لرئيس معهد أبحاث الأمن القومي الجنرال المتقاعد عاموس يادلين، ودور رئيس الموساد لنائبة رئيس الموساد المتقاعدة سيما شاين، ودور رئيس الأركان لرئيس الأركان السابق لفريق غادي آيزنكوت، وأدار المشاركون ما يشبه جلسة حكومة نتنياهو المصغرة لشؤون الأمن مفترضين في السيناريو الذي أطلقوا عليه عنوان «حرب الشمال الأولى» ولم يطلقوا عليه «حرب لبنان الثالثة»: أن «هجوماً جرى تنفيذه من جنوب لبنان على يد حزب اللـه ضد إسرائيل تسبب بمقتل ثمانية جنود و12 مدنياً من الإسرائيليين»، فاجتمع هؤلاء لمناقشة الموضوع والرد على تطوراته، ورأى يادلين في دور رئيس حكومة أن أمام إسرائيل أربع خيارات للرد: الأول هو الرد على الطريقة التي تعاملت معها ضد حزب اللـه في أيلول الماضي وانتهى إلى العودة للأمر الواقع والهدوء، الخيار الثاني الرد بشكل أكبر لكن دون التورط بتوسيع دائرة الحرب وحصرها بجبهة لبنان وحدها، والخيار الثالث هو اتساع الحرب ودخول مقاتلين من حزب اللـه إلى داخل إسرائيل وضرب إسرائيل لأهداف إيرانية داخل لبنان فقط لمنع مبررات توسيع الحرب على جبهة سورية والمحافظة على هذه المناورة بانتظار مساعٍ روسية أميركية، والخيار الرابع هو ما سوف يتلو هذا التوسع في جبهات الحرب من مساع لوقف النار ودراسة عدد الخسائر البشرية الإسرائيلية ومدى توافقها مع أي تنازل إسرائيلي للوساطات الدولية.
الواضح مما نشر في مركز الأبحاث وفي صحيفة «يديعوت أحرونوت» عن نتائج هذا السيناريو في 29 تشرين الثاني أي بعد أربعة أيام من عقد ندوة محصورة بمثل هذا الموضوع، أن النتائج التي توصل إليها المشاركون جرى عرض جزء علني عام منها للإعلام، في حين نقل مجملها مع التوصيات إلى حكومة نتنياهو التي لا يتمتع وزير الدفاع فيها نفتالي بينيت بأي خبرة أو مؤهلات لتولي مثل هذا المنصب في ظل دوامة الأزمات الإسرائيلية الناتجة عن انعدام القدرة على تشكيل حكومة جديدة منذ العام الماضي.
يبدو بموجب تقديرات عدد من المحللين الإسرائيليين وتجارب الحروب الإسرائيلية السابقة أن ظروف أي حرب مقبلة بين إسرائيل وآخر جبهات الحرب عليها أي جبهة الشمال، ما زالت تفرض على الجيش الإسرائيلي تحديات صعبة لا يستطيع حتى الآن حسم ردوده عليها فيما إذا كانت ستنحصر بمنطقة واحدة من جبهة الشمال أم سوف تتسع لتشمل كل أطراف جبهة الشمال المعروفة باسم محور المقاومة.
ويجمع معظم المحللين لطبيعة التحالف القائم بين أطراف جبهة الشمال أن الاستفراد بأي طرف سيحمل نتائج خطيرة على مدى قدرة بقية الأطراف وأن هذا السبب هو الذي يجعل احتمالات أي حرب على طرف واحد من أطراف قوى الشمال ستؤدي إلى حرب شاملة لا تفضلها إسرائيل في هذه الأوقات وقد تتوسع لتهدد بزيادة احتمالات الصدام المسلح بين القوى الكبرى وهو ما سيثير العالم كله على إسرائيل وليس على أطراف الجبهة الشمالية.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن