ثقافة وفن

«الثور المجنّح… حكايات حكيمة»

| جُمان بركات

في البداية عند قراءة العنوان «الثور المجنح» -تأليف سفيتلانا سافيتسكايا، ترجمة د. إبراهيم إستنبولي وليندا إبراهيم وإصدار الهيئة العامة السورية للكتاب- المشروع الوطني للترجمة- يتخيل للقارئ الثور المجنح ذو الأرجل الخمسة، وهو أكثر رموز الآثار التي تحمل صفات قدسية لكي يتميز الرمز المقدس عن غيره من تماثيل الثيران المجنحة في الحضارة الآشورية ذات الأربع أرجل. في الأساطير البابلية كان هناك سبعة شياطين معروفة بالشر، والثور المجنح له تعويذة تستخدم كوقاية في القصور الملكية وكل الآلهة التي عُبدت في الدين البابلي والآشوري القديم كان لها مقاعد في السماء مع الأجرام السماوية والكواكب والنجوم إلى جانب عبادة الشمس والقمر. من المعتقد أن الروائية والشاعرة الروسية استخدمت العنوان نفسه لما يحمله من صفات قدسية وقدمت 129 حكاية فيها الكثير من الحكمة.

سعادة أخرى

تستعيض الكاتبة في حكمها بالطيور عوضاً عن الإنسان لتكون أقرب إلى قلب القارئ، ومن المرجح أن تكون أقرب إلى اليافعين، في حكايتها «سعادة أخرى»: عندما سألت الطيور عن معنى السعادة بشرط دون تكرار الإجابة: كانت الإجابات عبارة عن قيم معروفة للجميع وهي الحب والإخلاص والمجد والسلطة والموطن العزيز والطعام وحس الواجب، باستثناء طائر صغير الحجم جلس عابساً، وعندما اقتربت منه البومة الحكيمة هيرتسيندا قالت له أتعرف شيئاً لا أعرفه؟ فأجاب متحدثاً عن تجربته بأن السعادة هي أن تبكي بسبب سعادة ابنك.
وتقدم المؤلفة حكمة أن اللـه وحده من يمنح الحياة لأي شخص ويحرمه منها، لذلك لا يجب على أحد أن يعد نفسه أعلى من الإله. ولغز الحياة الذي تقدمه من خلال حكاية «سر الحياة» يكمن بتبديل نوعية العمل، وحفنة من تراب الوطن في «وطن غجري» أعاد الحياة لامرأة كان وضعها حرجاً في المستشفى.
والحكم بين الأم التي تعيش حالة اختبار وإزعاج من هواء السيارة، ومجموعة دروس أبطالها أشجار تحكي عن الوفاء والتضحية، وتحكي قصة «حدائق أشجار التفاح» وقصة بين الفقراء والأغنياء تتلخص في أن الثروة الأهم لا تكمن في بساتين التفاح ولا في الكتب بل في القدرة على خلقها وإبداعها.

طفولة ومشاهير

لم تخلُ هذه القصص من الطفولة حيث تقدم المؤلفة قصصاً عديدة تحمل عناوين خاصة بالأطفال مثل «أغنيات طفولية» و«أطفال من دون حب» صورتهم مرة بالغيوم ومرة بالأطفال، ولم تنس أن تذكر المشاهير من خلال قصة بعنوان «اليوبيل» التي نراها كثيراً في حياتنا اليومية، تقول فيها: «وجهت دعوة لنجوم العاصمة لحضور احتفال بمناسبة يوبيل الشاعر بيريتياتكو. كان الاحتفال صاخباً باذخاً وثرياً، أكل نجوم العاصمة وشربوا واستمعوا إلى ما يقوله الناس عن صاحب اليوبيل، حانت اللحظة التي يدلي فيها برأيه أكثر النجوم شهرة، لكن النجم الشهير لم يسمع أبداً باسم الشاعر بيريتياتكو، ولم يسبق أن قرأ أشعاراً له، حتى إنه لم يكن أحد من الجالسين مع النجم على الطاولة نفسها لا يعرف الشاعر.
ولكن النقود لقاء مداخلته كانت قد أصبحت في الجيب العلوي من بدلته السموكن الخاصة بالمناسبة، لذلك قال النجم: لقد اجتمعنا اليوم لكي نحتفل باليوبيل المجيد، كما قال بعضكم هنا للشاعر الموهوب، كما قلتم هنا، والمبدع، كما سبق وقلتم هنا، بيريتيتكو. أنا لست بيريتيتكو! بل أنا بيريتياتكو! احتجّ مستاءً بالمحتفى به.
وما الفرق؟ تساءل النجم باندهاش صادق».

الصفارة

«سفيستولكين» عند ترجمة هذه الكلمة حرفياً تكون «هاوي التصفير»، وفي الحقيقة هي شخصية أدبية رائجة ومعروفة في حكايات الفلكلور الروسي وخصوصاً عند الكاتب المعروف نيكولاي نيكولايفيتشنوسوف في ثلاثيته الشهيرة «وتعني حرفياً لا يعرف شيئاً».
تقول الحكاية «عاش في مدينة لا اسم لها تابعة لمملكة بلا اسم شخص صغير تافه أيضاً بلا اسم، عاش فقيراً لأنه من الصعب جداً أن يكسب المرء نقوداً إذا كان من دون اسم. وكانت تعيش عند ذلك الشخص الصغير قطة عمياء كانت تخرج في كل صباح للخدمة في الممر تحت الأرضي، كان الشخص الصغير يضع أمامها قصعة فارغة، فكان المارة يرمون لها في القصعة نقوداً وأحياناً يقومون بإطعام القطة وهكذا كانا يعيشان. ولكن في أحد الأيام أشفق الإنسان الصغير على طفل كان يبكي، فصمم له بسرعة شيئاً تافهاً مضحكاً ما يشبه المزمار أو الصفارة وأعطاه للطفل، توقف الطفل عن البكاء منذ تلك اللحظة، أدرك الشخص الصغير أن بإمكانه أن يفعل أكثر من أن يكون مجرد إنسان صغير تافه، وأصبح يقضي أياماً بأكملها لا يفعل شيئاً سوى صنع الزمامير والصفارات، الحق أنه لم يشترها أحد، بيد أن الأولاد كانوا يصفرون فيها بكل طيب خاطر.
كانت الزمامير مختلفة بعضها كان يصدر ألحاناً حزينة وبعضها الآخر يغني بفرح والبعض الثالث منها يصدح بانتقالات إلى أصوات عديدة، كما كان ثمة صنف منها يقوم بطرد الأرواح الشريرة وسرعان ما ملأت الزمامير والصفارات شتى أنحاء المدينة، ودخلت إلى كل بيت وعائلة. أما في المدن الكبرى فكان ثمة طلب كبير على الصفارات وكانت تباع لقاء نقود كثيرة بيد أن الإنسان الصغير لم يكن يعرف ذلك، كان يعمل من الصباح وحتى المساء في صناعة الزمامير ولهذا السبب أطلقوا عليه من خلف ظهره لقب سفيستولكين «هاوي التصفير».

انتشر مجد المدينة المليئة بالصفارات في جميع أنحاء المملكة، وأصبح اسم المدينة سفيستولكينو وبلغ الأمر حداً أن الملك بالذات أراد أن يطلب لنفسه صفارة غير عادية بالمناسبة وإنما مصنوعة من الذهب.
أسرع سكان المدينة سفيستولكينو للبحث عن الشخص الصغير ولكنهم لم يعثروا عليه، وبات يوجد مزمار وصفارة لدى كل واحد من أهل المدينة ولم يعودوا بحاجة إليه فضلاً عن أنه سئم من العيش شبه جائع، كما أن القطة تقدمت بالسن وأصبحت عجوزاً ولم يعد بمقدورها أن تجلس في الممر وتجلب له ما يسد به رمقه، فانتقل مع قطته للسكن بالقرب من النهر حيث راح يصطاد السمك لكي يقوم بإطعام القطة، كما أن الشخص الصغير اعتقد أنه سيكون من الصعب جداً عليه أن يكسب النقود طالما أنه بلا اسم إذ يخطر بباله أنه بات يملك اسماً منذ فترة طويلة.

رحلات عديدة

تنتقل بنا المؤلفة إلى مدن متعددة فبعد تقديم حكايا في مدن روسية تذهب بنا إلى مدينة الحب والرومنسية لتحكي لنا عن قصة «برج إيفل» يحكي فيها: «كان بيت باول قريباً نسبياً من برج إيفل، وكانت الحياة في باريس تبدو له مملة ورتيبة، المقاهي والأشخاص والعمل نفسها في كل يوم».
ولم تنسَ المؤلفة إعطاء حكم سريع بعناوين مختلفة مثل «المعجزة- أمر ساحر، والأعجوبة- فاتنة» وعن السعادة «نصف سعادة» و«المحترف» و«روح مفتوحة على مداها» وغيرها الكثير.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن