قضايا وآراء

الحقيقة بين الاحتكار والاحتقار

| رفعت إبراهيم البدوي

من دون مقدمات واحتراماً لوقت القارئ اسمح لنفسي بالولوج في صلب الحدث الذي يقودنا لاكتشاف حقيقة الفوضى التي تعصف لبنان وبعض بلادنا العربية.
في منتصف العام 2002 وصل إلى مكتب فخامة رئيس الجمهورية اللبنانية حينها العماد إميل لحود تقرير مفصل صادر عن مخابرات البحرية في الجيش اللبناني مفاده أن سفينة تابعة للبحرية الفرنسية رُصدت وهي تجوب المياه الإقليمية اللبنانية الممتدة بين منطقة الناقورة وصولاً إلى الحدود المشتركة مع الجمهورية العربية السورية وجمهورية قبرص وذلك من دون الحصول على إذن مسبق من السلطات الرسمية اللبنانية.
على الأثر بادر الرئيس اللبناني السابق بطلب الاجتماع مع السفير الفرنسي في لبنان الذي حضر على الفور إلى قصر بعبدا مع طاقم السفينة الفرنسية المؤلف من اختصاصيين في دراسة واستكشاف جيولوجيا أعماق البحار وهو مزود بخرائط هندسية بحرية.
منذ بداية الاجتماع مع سفير فرنسا وطاقم السفينة والاختصاصيين توجه الرئيس لحود صوب السفير الفرنسي مستفسراً عن الأسباب والأهداف الحقيقية لوجود السفينة في المياه اللبنانية من دون الحصول على إذن مسبق من السلطات اللبنانية؟
في البداية حاول الطاقم الفرنسي إخفاء حقيقة أهداف المهمة الموكلة إليهم والإيحاء بأنه طاقم متخصص بعلم الهزات الأرضية التي تضرب عمق البحار، لكن فخامة الرئيس لحود وبعد مراجعة دقيقة للخرائط اكتشف سريعاً أن السفير والطاقم الفرنسي يتعمدون الكذب وإخفاء الحقيقة خصوصاً بعد ملاحظة وجود علامات مسح بحري بحثاً عن آبار الغاز في عمق البحر اللبناني.
عندها أدرك الرئيس لحود أن حقيقة الأمر هي في مكان آخر ثم قرر مواجهة السفير والطاقم بحقيقة المهمة الموكلة إليهم ليقول لهم لقد فاتكم أنني ضابط مهندس بحري وما أراه أمامي هو أن مهمتكم الرئيسية هي التنقيب عن آبار الغاز الموجودة في مياهنا اللبنانية وبعدها توجه بالسؤال للسفير الفرنسي كيف لكم ذلك من دون إذن مسبق من السلطات اللبنانية.
حينها لم يجد السفير الفرنسي حرجاً بالاعتراف أن الأمر تم بناء على اتفاق مسبق بين رئيس الوزراء اللبناني آنذاك رفيق الحريري والرئيس الفرنسي جاك شيراك.
انتهى الاجتماع فوراً بعد طلب الرئيس لحود وقف أعمال السفينة ومغادرتها المياه اللبنانية.
على الفور أرسل الرئيس لحود بطلب رفيق الحريري للاستفسار عن موضوع الاتفاق مع الرئيس شيراك من دون علم رئاسة الجمهورية، وكالعادة فإن مبرر الحريري لاحتكار الحقيقة بينه وبين شيراك كان جاهزاً متحججاً بالخوف من عرقلة لعملية التنقيب قد يقدم عليها العدو الإسرائيلي، وحين انتفض الرئيس لحود رافضاً هذا التبرير السخيف واصفاً إياه بالهراء لطالما علمت فرنسا شيراك بالأمر، حينها لم يجد الحريري حرجاً بالقول أريد مهلة شهرين لإكمال المهمة مع الفرنسيين لأن الإدارة الأميركية اتخذت قراراً بوضع اليد على كل منابع النفط والغاز في منطقتنا، لكن الرئيس لحود رفض طلب الحريري قبل عرضه على مجلس الوزراء والحصول على الموافقة بإجماع الوزراء وصدور بيان لبناني رسمي بالأمر.
كشفت الحقيقة وأوقف مشروع التنقيب والمسح من قبل السفينة الفرنسية التي غادرت مياه لبنان بناء لطلب من الرئيس لحود نفسه وهكذا نستطيع القول إن الرئيس لحود حمى ثروة لبنان في النفط والغاز من السرقة تماماً كما حمى وحافظ على ثروة لبنان من مردود ملف الاتصالات في لبنان بعد سعي دؤوب من قبل الرئيس رفيق الحريري لبيع قطاع الاتصالات أو تخصيصه.
بناء لموقف الرئيس لحود الرافض لوضع اليد على مقدرات لبنان من النفط والغاز، شنت حملة أميركية فرنسية عنيفة للتشهير بالرئيس لحود ومنع قرار تمديد الفترة الرئاسية بعد إصدار القرار الأممي رقم 1559 والتهديد بوضع لبنان تحت الفصل السابع.
إنها الحقيقة التي أحببت إظهارها بعد محاولات متكررة لاحتكارها من قبل منظومة الفساد اللبنانية والعربية المرتبطة بالمنظومة العالمية المتخصصة بنهب ثروات ومقدرات بلادنا.
هنا لابد لي من إنصاف الرجل القائد حافظ الأسد الذي حافظ على استقلالية القرار السيادي السوري رغم المغريات الدولية حين رفض عرضاً سخياً جرى تقديمه من البنك الدولي بتسليف الدولة السورية مبالغ ضخمة بفائدة صفرية ولآجال مريحة بحجة تحقيق الازدهار الاقتصادي للشعب السوري حينها قال حافظ الأسد: إن مجرد ارتهان القرار السوري فهذا يعني خسارة سورية لسيادتها ولكل مقومات المقاومة والتحرر وهذا لن يكون في حياتي.
ولكي نتعرف على حقيقة الأحداث التي تعصف في منطقتنا وحتى لا تكون الحقيقة محتكرة لأي طرف يجب إدراك الأهداف الرئيسية لتلك الأحداث الدامية الجارية ونتائجها المنتظرة في منطقتنا وهي قائمة على تحقيق محورين:
1- إعطاء العدو الإسرائيلي صك براءة من احتلال فلسطين والأرض العربية وإعطاء العدو صلاحيات استثنائية لضرب كل حركات المقاومة في المنطقة التي تهدد أمن العدو الإسرائيلي وبالتالي المقاومة التي تهدد مصالح الغرب الأميركي في منطقتنا.
2- الغلو الأميركي في السيطرة على منابع الطاقة في كل المنطقة العربية وإبقاء شعوب المنطقة في حال من العوز والفقر والتقوقع ومنعهم من الحصول على علوم التكنولوجيا وإبقاؤهم في حال من التخلف والانغماس في حروب طائفية مذهبية دائمة ضماناً لاستمرار التردي والفوضى والانهيار الاقتصادي والخوف على المستقبل الذي يستوجب طلب النجدة الأميركية كمدخل للتدخل في سياسات حكومات وأنظمة المنطقة وجعلها حكومات طيعة لمصلحة الغرب الأميركي عكس رغبات الشعوب.
إن مجرد الاعتقاد بحسن نية الدول الغنية أو المانحة لدولنا بفوائد متدنية ولأجال طويلة بهدف تحسين المستوى المعيشي والاقتصادي لشعوبنا فهو اعتقاد خاطئ ومجاف للحقيقة فغاية تلك الدول الغنية والمانحة هو السيطرة على القرار السياسي والاقتصادي لدول المنطقة والسطو على مقدرات وثروات دولنا لنهبها وسرقة خيراتها لذلك نراها تستميت في حماية منظومة الفساد والمفسدين في بلادنا العربية أولئك الذين رهنوا أنفسهم لصالح المطبعين مع العدو الإسرائيلي وبالتالي لصالح تحقيق الأهداف الأميركية فهم غالباً يتلطون خلف عناوين الازدهار الاقتصادي للشعوب وتحقيق الديمقراطية.
إما الرضوخ لرغبات أميركا وإسرائيل وإما الفوضى، تلك هي المعادلة الأميركية الإسرائيلية القائمة في بلادنا العربية فمن اسلم لأميركا سلم من الخراب والفوضى ومن إقالة أو استبدال الأنظمة أما من رفض الاستسلام وقرر المقاومة دفاعاً عن أرضه وعن ثروات ومقدرات وطنه واستمر في تحصيل العلم والتكنولوجيا خارج العباءة الأميركية والتوجه شرقاً نحو الصين وروسيا مثل سورية وإيران ولبنان واليمن وليبيا والعراق فما عليه إلا اتخاذ القرار التاريخي بالمواجهة التاريخية حتى يتحقق لشعبنا العربي تحرير الحقيقة من الاحتكار ومنعها من الاحتقار.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن