ثقافة وفن

ياسر المالح في ذكرى رحيله جهود في التعليم والفنون

| أنس تللو

بمناسبة ذكرى وفاته السادسة، توفي في 17/12/2013.
مِنَ الناس رجالٌ حين يرحلون يتركون خلفهم ظلهم منيراً…
رجال لو أتيح لهم أن يعيشوا عمراً آخرَ لربحتْ منهم البشريةُ كنوزاً جديدة، ولأضافوا إلى الحياة مواقف فريدة وإلى المكتبة العربية مجلدات عديدة تزخر بالفوائد والفرائد.
رجالٌ يخلِّفون وراءهم آثاراً لا تُمحى ويتركون مواقف لا تُنسى.
من هؤلاء ذلك الرجل الفريد ياسر المالح.
ياسر المالح رجلٌ ذو عبقرية مجنَّحة؛ طغت عبقريته على مجالات ثلاثة في هذه الحياة، فنهل منها واغتنى ثم أعطى وبذخ؛ فكان من ذلك إبداع أيُّما إبداع.
لم يكن ياسر الأول في دراسته… لكنه كان الأول في فضاءات أخرى، فقد أحسن كثيراً في سلك التعليم، وأجادَ جداً في حقل الإعلام في الإذاعة والتلفزيون وأبدع مطلقاً في بحر الموسيقا والأدب.
غاص في التعليم فكان مدرساً للغة العربية في دار المعلمات وفي ثانويات سورية والكويت وكان مديراً لإعدادية بدمشق، ومديراً للامتحانات في وزارة التربية ورئيساً لإدارة البرامج التعليمية ومؤسساً للتلفزيون التربوي وكاتباً من كتاب برنامج «افتح يا سمسم» فضلاً عن المناصب الأخرى.
وأما في الإعلام فقد كان ياسر المالح أول من قدم برنامجاً تلفزيونياً تعليمياً موجهاً إلى طلاب الثانوية العامة بعنوان «أدب الثانوية» عام 1967 قبل حرب حزيران.
وكان أول من صاغ قصص الأمثال الشعبية في تمثيليات إذاعية عام 1956، كما كان أول من كتب للإذاعة برنامجاً صباحياً لتفسير الأحلام.
كان برنامجه التلفزيوني الأول «أبجد هوز» عام 1967 يهدف إلى نشر الثقافة في مجال اللغة العربية وكان يعتمد على المشاهد الفكاهية، وذلك حين جعل القواميس والمعاجم التي تتربع اليوم على رفوف المكتبة العربية وتعشش فوقها أعشاش الحمام… جعلها آنذاك أشخاصاً تنطق فكان الممثل رياض نحاس يمثل دور القاموس المحيط والفنان سليم الكلاس يمثل دور القاموس المنجد، وقد أشرك في هذا البرنامج نخبة من الممثلين منهم الفنانون منى واصف وهالة شوكت وعبد الرحمن آل رشي، ولا يمكن أن ننسى برنامجه الأثير على نفوسنا «افتح يا سمسم»، ذاك الذي كنا نطرب على سماع أغنيته الشهيرة «افتح يا سمسم أبوابك نحن الأطفال، افتح واستقبل أصحابك…» كان هذا البرنامج الرائع يعلمنا اللغة العربية بأسلوب بديع راق محبب إلى نفوس الأطفال.
وفي الصحافة كان أول من كتب ما يسمى بـ«المقال الدرامي»؛ ذاك المقال الذي كان يروي حكاية من الواقع بطريقة الجمل المتلاحقة بعيداً عن السرد والإنشاء والحوار.
وأما في مجال الموسيقا فكان المالح أول من لحَّن قطعة موسيقية عنوانها ميلاد بمناسبة ولادة ابنته سمر في 10/2/1955، وكان أيضاً أول من كتب ولحن وغنى أغنية في استقبال الرئيس جمال عبد الناصر بمناسبة إعلان الجمهورية العربية المتحدة في شباط عام 1958 وعنوانها «يا هلا بالناصر في بلادنا». كذلك كان أول من كتب ولحن أغنية بمناسبة عيد الأم، وكان أول من ألف فرقة موسيقية جامعية من طلبة الجامعة الهواة عام 1953، وكانت هذه الفرقة تعزف في الحفلات الجامعية في دمشق وحلب وفي الأردن وتقدم بعض المسرحيات الفكاهية والوطنية، وكان من بين أعضائها الفنان الكبير دريد لحام.
أول من اقترح أن تقام الحفلات الموسيقية والمسرحية في الهواء الطلق في ملعب كرة السلة المجاور لنادي الجامعة، ولم يؤخذ بهذا الاقتراح لغرابته آنذاك.
وأخيراً فإن ياسر المالح أول من أنشأ «نادي الاستماع الموسيقي» في المركز الثقافي العربي بدمشق أبو رمانة تحت شعار «أنصت تدخل عالم الحقيقة»… كان ذلك في 1/3/2001 وكان النادي يقدم جلساته مساء كل يوم خميس، وكان هدفه كما يقول الأستاذ المالح الإحساس بما يسمع وفهم ما يسمع.
ولد ياسر المالح في 19/5/1933، وتوفي في 17/12/2013.
ولا يفوتني أن أزجي ببعض الفضل إلى أصحابه فأردد كلمته التي كان يقولها إنه وراء كل رجل عظيم امرأة عظيمة تدفعه نحو الأمام، إذ كان يشير دوماً إلى زوجته السيدة الفاضلة أمل خضركي التي كان لها الفضل الكبير في نجاحاته، وكان قد ألف بالمشاركة معها العديد من الأعمال منها كتاب «سهرة في بيتنا»، ويذكر أن السيدة أمل أكملت المسيرة من بعده فقامت بطبع كتبه التي لم تصدر في حياته وقامت مؤخراً بإكمال كتاب «النغم والكلمة في حياة الموسيقار سهيل عرفة» عام 2015، كما قامت بجمع شعره الغزلي وراجعته وأعدته ونشرته بعنوان «عودة إلى الحب» و«أغانٍ من القلب».
وأنا شخصياً لا أذكر أبداً متى تعرفتُ على ياسر المالح وكيف وأين، لكني أذكر أننا حين تساءلنا عن ذلك في إحدى المحادثات قال لي: أنا أعرفك منذ عشرين عاماً… ذلك أنه رجل نادر حين تلتقي به لأول مرة تشعر أنك تعرفه منذ زمن بعيد… لذلك لا يمكن تحديد موعد اللقاء الأول.
رحم اللـه الأستاذ ياسر وأفادنا من تجاربه الغنية.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن