ثقافة وفن

الرقم الصعب

| د. اسكندر لوقا

مهما يكن من أمر، فإن تقصّي أبعاد التباين في وجهات النظر حول وظيفة المرأة والرجل في المجتمع متعة بحدّ ذاتها، فالمرأة أم الرجل وأخته وزوجته وابنته إنها شريكته على أي حال.
لقد كان الأمر في الماضي على هذا النمط وسوف يبقى كذلك إلى أبد الآبدين وما دامت الشراكة بينهما تحدّها هذه العلاقة، على مختلف مستوياتها، فهي تبقى دائماً موضوع الساعة.
إن النظر إلى المرأة يقيم بصورة أو بأخرى، طبقاً للمعايير الاجتماعية السائدة في بيئتها. فهي تابعة في بيئة ومتبوعة في بيئة أخرى ومساوية للرجل في بيئة ثالثة وهكذا، والمرأة في المجتمعات الناهضة تحتل مكانتها بالتأكيد، فهي عندئذ الصدر الدافئ الذي يحتضن رأس الرجل المتعب، واليد الحانية التي تخفف من وطـأة الألم، والفكر الناضج الذي يبحث عن الحل في الأزمات التي تواجه كل أسرة، وهي الطاقة التي تستنفر في حالات الخطر الداهم دفاعاً عن أسرتها بشكل عفوي. باختصار، إنها الرقم الصعب الذي لا يمكن ولا يصح أن يمحى من سجلات الحساب.
ونحن نعلم أن مجتمعات عدّة رزحت، في وقت من الأوقات، تحت أثقال مفاهيم معينة كانت خلالها المرأة رمزاً للمتعة، وفقدت بذلك قسماً كبيراً من الطاقات التي أثبت الزمن فيما بعد أنها شرط لا غنى عنه للارتقاء بالحضارة وذلك حين دخولها عالم الفكر والفنون والعلوم وتحقق بنتيجة ذلك كسباً لا يقدر بثمن للمجتمعات التي ارتقت بنظرتها إلى المرأة، وبالتالي لم يعد ينظر إليها بوصفها مصدراً للمتعة فحسب، بل أصبحت مصدر دفع رجلها لتفهم المزيد من قيمة الارتباط بين الجنسين، وكان الفضل لها في إبعاده عن غريزة الأنانية كما كان الحال عليه قبل دخولها عالم العمل والإنتاج والمعرفة بكل أبعادها المعروفة.
وفي أعماق الرجل إلى اليوم، نعلم، ما تزال بعض الرواسب التي نمت معه كبقايا الجذور التي ترى تحت تراب الحقل بعد اقتلاع ثماره، بمعنى أن المرأة في هذا السياق، لا تزال، في بعض المجتمعات العربية تعاني قناعات البعض من الرجال بأنها باقية في مرتبة التابع لا المتبوع، وأنها لهذا الاعتبار، غير مؤهلة لتخطي مرحلة الجهل بحقوقها المستحقة.
عندما تغدو المرأة في تقديرنا كيانا وجد ليعيش بكل ما تعنيه كلمة العيش نكون قد غدونا مجتمعاً يليق بأن يكون عادلاً في مسألة التباين بين وجهات النظر بين من ينظر إليها على أنها متعة، وبين من ينظر إليها على أنها حقاً الرقم الصعب، لأن العيش لا يختصر بالطعام والشراب والإنجاب. إنه أمر يستحق أن يكون قضية مبدئية تحترم الإنسان بغض النظر عن جنسه ودوره في الحياة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن