ثقافة وفن

تاريخ مجلس الدولة السوري من المهد وحتى إصدار القانون رقم 32 لعام 2019 … خالد العظم يطلب تعديل قانون المجلس بسبب تجار الطحين

| المحامي أحمد وليد منصور

مجلس الشورى في عهد حكومة المديرين
قلنا في الحلقة السابقة إن رئاسة هاشم الأتاسي تعرضت لعدد من الانتكاسات، ترافقت مع معارضة شديدة لها ترأسها الشيخ كامل القصاب والدكتور عبد الرحمن الشهبندر اضطر على إثرها الرئيس هاشم الأتاسي إلى تقديم استقالته في 7 تموز 1939 إلى المجلس النيابي وفي 8 تموز تم قبول هذه الاستقالة. لينتهي الحكم الوطني الذي قامت به الكتلة الوطنية مدة ثلاث سنوات وقام مقامه حكومة مديرين اختارها المفوض السامي وفق رغبات ممثليه في سورية وتم تسمية بهيج الخطيب رئيساً لها ومديراً للداخلية فيها.
وكان إصدار القرارات في هذه الفترة محصوراً بيد المفوض السامي الفرنسي (دانتز) الذي أصدر القرار رقم 72/ ل.ر وتاريخ 2 نيسان 1941 أعاد بموجبه العمل بمجلس الشورى مرة أخرى، حيث إن إلغاء هذا المجلس أثبت إخفاقه الكبير حتى إنه لم يوفر أي مبلغ يذكر من نفقات الدولة. بالإضافة إلى أن التجارب التي مرت على سورية أثبتت أنه لا يمكن الاستغناء عن النظام الإداري بعد أن تجذر في بنية النظام القضائي السوري للتصدي إلى الفصل في المنازعات الإدارية وإسداء الاستشارة إلى رجال الإدارة.
وقد نص القرار رقم 72/ ل.ر في المادة الأولى منه على أن: «مجلس شورى الدولة هو هيئة إدارية تقوم بوضع النصوص التشريعية والنظامية وبممارسة القضاء الإداري».
لقد أعاد التشريع الجديد إلى مجلس شورى الدولة اختصاصاته الاستشارية على غرار التشريع /10/ لعام 1934، كما نص على أنه المحكمة الأصلية التي تمارس الفصل في جميع المنازعات الإدارية وما يصدر عنه من أحكام واجب التنفيذ بعد أن يكتسب قوة الأمر المقضي.
وأضاف التشريع الجديد إلى اختصاص مجلس الشورى القضائي ولاية البت في الطعون التي تقدم فيه في القرارات الصادرة عن مجالس ولجان تأديب الموظفين العامين باستثناء القضاة والمساعدين العدليين، إلى جانب ولاية الفصل في الطعون ضد قرارات ديوان المحاسبات ومن أهم ما جاء في هذا القرار هو إنهاء حجب ولاية الفصل في المنازعات التي فيها صالح أجنبي عن مجلس الشورى، حيث نص في المادة /37/ على أنه: «توضع قواعد في قرار خاص للنظر في الدعاوى الإدارية التي فيها صالح أجنبي» وقد صدر هذا القرار بتاريخ 9 نيسان 1941 وفيه نص على أن جميع القضايا الإدارية ترفع إلى مجلس شورى الدولة ولو كان فيها صالح أجنبي حقيقي، فإذا رفعت يترأس الهيئة الحاكمة عندئذ رئيس محكمة النقض المختلطة، ويمكن أن تكون أكثرية أعضائها من القضاة الفرنسيين.
كما أن القرار 72/ ل. ر قد حدد أصول المحاكمة لدى مجلس الشورى بشكل واضح لا لبس فيه ولا غموض، ولم يغفل عن ذكر طرق المراجعة ضد قرارات مجلس الشورى، فذكر الاعتراض واعتراض الغير وإعادة المحاكمة وطلب التصحيح، كما أنه أوجد أصولاً موجزة لبعض الدعاوي.

خالد العظم وتجار الطحين

تشكلت حكومة جديدة برئاسة خالد العظم، الذي رغب بمراقبة الاحتكار الذي شكله تجار الطحين وعلى رأسهم أنطون الجلاد ومنير المهايني، وتأثير ذلك على أسعار الخبز والطحين، وقد شكل هؤلاء التجار تحالفاً وألفوا «سنديكا» فيما بينهم، فأغلقوا أكثر المطاحن لقاء مبلغ مقطوع، واستولوا على بقية المطاحن، وصاروا يفرضون سعر القمح بالشراء وسعر الطحين لدى بيعه للمخابز.
ولما كان الشعب قد تململ من الارتفاع المتزايد لمادة أساسية كالخبز، فقد كان لابد من وضع حد لأطماع هؤلاء التجار وكسر احتكارهم.

إلا أن جميع الإجراءات التي قامت بها الحكومة باءت بالفشل، وذلك بسبب عدم وجود تشريع خاص يقضي بمحاسبة هؤلاء المحتكرين، فقرر رئيس الحكومة خالد العظم، أن يسعى لاستصدار مرسوم ينظم عملية بيع الطحين.
وبالفعل تم إعداد مشروع خاص يجيز للحكومة أن تضع يدها على الطحين، لقاء أجر مقطوع تعينه لجنة من الخبراء، ولما كان يمتنع صدور أي مشروع عن الحكومة قبل إقراره من قبل مجلس الشورى، فقد تم عرض هذا المشروع على ذلك المجلس لإقراره، إلا أن مديري «السنديكا» علموا بأمر هذا المشروع، فسعوا جاهدين إلى محاولة عرقلته، من خلال إقناع أعضاء مجلس الشورى بعدم أحقية الحكومة بفرض هكذا قانون.

وقد شعر رئيس الحكومة أن هؤلاء التجار ربما استطاعوا إقناع المجلس بالعدول عن إقرار المشروع، وذلك نتيجة تأخره الكبير بإقراره، فطلب العظم لقاء رئيس المجلس وسأله عن ذلك المشروع، فأخبره بأنه لا يزال قيد الدراسة، وقد وضع لدى مستشار فرنسي من ضمن ملاك المجلس ليدرسه، ولم يحله على الهيئة بعد.
ولما كان قرار تأسيس مجلس الشورى، لا ينص على تحديد مدة معينة لإعطاء قرارها بمشروع معروض على الحكومة، ما يترك المجال مفتوحاً لذلك المجلس بالمماطلة بالقرار قدر المستطاع.

لأنه وإن كان هناك إلزاماً على رئيس الحكومة عرض مشروع القانون على مجلس الشورى لإقراره، إلا أن قرار المجلس بهذا الشأن غير ملزم لرئيس الحكومة، الذي بإمكانه إصدار القانون ولو كان قرار المجلس يقضي بعدم ذلك، ولهذا تعمد المستشار بتأخير إعطاء قراره بمشروع القانون سلباً أم إيجاباً.

ولما كان قد مضى شهر آخر، من دون أن يصدر المجلس أي قرار بخصوص هذا القانون، فقد ذهب العظم إلى مكتب المفوض السامي (دانتز)، وقال له:« إن مستشار مجلس الشورى يعرقل عملي ويحول دون تنفيذ خطتي بتخفيض سعر الخبز، وأنت تعلم أن حوادث آذار الماضي نشبت بسبب ذلك، وأني لا أستطيع على الدوام ممارسة الحكم إذا كنت أجد لدى أحد مستشاري المجلس هذه المعارضات» فأجاب المفوض السامي: «وماذا تريد مني أن أفعل» فقال له العظم: «أن تصدر قراراً بتحديد المدة التي يستطيع مجلس الشورى الاحتفاظ بها بمشاريع رئيس الحكومة قيد الدراسة، حتى إذا انتهت اعتبر ذلك استنكافاً يجيز لرئيس الحكومة اتخاذ التدبير اللازم وإصدار المرسوم التشريعي في القضايا العاجلة والهامة»، قال: «ومن يحق له تقدير الاستعجال» فأجاب العظم: «أنا»: فسأل: «أو لا تترك لي حق المصادقة على هذا التقدير؟» فقال العظم: «بلا». وأصدر المفوض السامي في اليوم نفسه القرار رقم 118 – ل. ر والذي جاء فيه:
«المادة الأولى- تتمم المادة السادسة والعشرون من القرار/72- ل. ر/ كما يلي:

إذا رأى رئيس الحكومة السورية أن هنالك شؤوناً تستوجب العجلة وإذا وافق المفوض السامي على هذا الرأي يقتضي على مجلس الشورى خلال أربعة أيام تلي إحالة المشروع إليه أن يعطي رأيه. في حال نشوب خلاف فيما بين الحكومة وبين مجلس الشورى على مشروع عاجل، لرئيس الحكومة أن يثير حالا المذاكرة ثانية وعلى مجلس الشورى أن يتم المذاكرة خلال أربع وعشرين ساعة تلي إحالة المشروع من جديد إليه».
وتبعاً لذلك أعطى مجلس الشورى قراره بالموافقة على مشروع رئيس الحكومة وصدر المرسوم التشريعي فخضع أصحاب المطاحن وطلبوا من رئيس الحكومة عدم تنفيذه وأعلنوا موافقتهم على سعر الطحين الذي تفرضه الحكومة عليهم، فتم انتخاب لجنة خاصة درست أسعار ونفقات الطحن وحددت سعر الكيلو بأقل من سعره النافذ. فنزلت أسعار الخبز إلى ما يتوافق معها، وانتهت المشكلة بما يعود على المواطن بالخير.

مجلس الشورى بعهد الاستقلال

لم يخب نضال الرئيس شكري القوتلي ورفاقه في الكتلة الوطنية وآخرين من الوطنيين من مختلف المناطق السورية، فقد انتهى هذا النضال باستقلال سورية وجلاء آخر جندي فرنسي من على أرضها في 17 نيسان 1946 أما الرئيس شكري القوتلي الذي كان حينها رئيساً منتخباً للجمهورية منذ عام 1943، فرأى أن من واجبه متابعة السير بتطوير التشريعات بما يتناسب مع الحالة الجديدة للجمهورية السورية بمرحلة الاستقلال وبتاريخ 4 حزيران 1946، خول المجلس النيابي السوري السلطة التنفيذية حق إصدار مراسيم اشتراعية، من أجل وضع ملاكات جديدة لمختلف الوزارات والإدارات العامة في الدولة، فأصدرت الحكومة مرسوماً اشتراعياً برقم 46 وتاريخ 7 تشرين الأول 1946 يتضمن إلى جانب ملاك مجلس الشورى اختصاصاته وأصول المحاكمة لديه.

ان أحكام هذا المرسوم التشريعي مأخوذة عن القرار ذي الرقم 72/ ل. ر لعام 1941 ولا يختلف عنه إلا من ناحية الصياغة وفي النقاط التالية:

1- أن المرسوم التشريعي ذا الرقم 46 أوجد في مجلس الشورى ثلاث شعب:
شعبة القضاء الإداري – شعبة التشريع وهي تقوم بوضع مشاريع القوانين وشعبة الرأي وهي تبدي رأيها في جميع الأمور التي تحيلها إليها مختلف الإدارات العامة في الدولة.

2- لا يمارس مجلس الشورى اختصاصه الاستشاري إلا بناء على طلب الدوائر الحكومية.

3- أما من الناحية القضائية فإن المرسوم الاشتراعي ذي الرقم /46/

أ‌- أقصى عن اختصاص مجلس الشورى القضايا والأحكام والمقررات الإدارية التي نصت القوانين صراحة على أنها غير قابلة لطريق من طرق المراجعة.

ب‌- أقصى عن اختصاصه ما استثناه القانون ذو الرقم 272 المؤرخ في 6 حزيران 1946 المتعلق بالاستملاك.

ت‌- لم يعد مجلس الشورى يفصل تمييزاً بالمقررات الصادرة عن لجان الموظفين التأديبية إذ إنه أصبح يقوم بوظائف هذه اللجان ويحاكم بالدرجة الأولى والأخيرة الموظفين ذوي المراتب الثانية فما دون من الناحية المسلكية أما الموظفون ذوو المراتب الأولى والممتازة فيحاكمون مسلكياً أمام مجلس القضاء الأعلى.
غير أن هذا المرسوم التشريعي لم يدم طويلاً فقد ألغي بتاريخ 30 حزيران 1947 وحل محله المرسومان التشريعيان الصادران برقم 71 و72 اللذان تضمنا ملاك مجلس الشورى وحددا اختصاصاته وأصول المحاكمات لديه.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن