قضايا وآراء

التأزم السياسي.. اقتصادياً

| مازن بلال

يدفع الوضع الاقتصادي السوري وربما الإقليمي أيضاً لقراءة مساحة الأزمة السورية في أبعادها الجديدة، فالمسألة تجاوزت أثر الحرب المباشر لتنتقل إلى تصعيد مختلف وجديد، وتقترب التداعيات الاقتصادية ضمن الجوار الجغرافي لسورية بشكل غير مسبوق، ليتشكل مشهد مترابط على المستوى الاقتصادي ضمن شرق المتوسط، وبالتأكيد فإن العوامل الداخلية لكل بلد ربما مختلفة لكنها تتلاقى في النهاية مكونة صورة واحدة، تؤكدها العقوبات المالية وعدم القدرة على عزل الأزمة السياسية عن مساحة السوق الدولية التي تحاول واشنطن محاصرتها.
عملياً فإن قضايا سوء الإدارة أو الفساد تشكل أثراً لا يمكن تجاهله، لكن بيئة تطور هذه العوامل موجودة في طبيعة العلاقات التي فرضتها العقوبات في سورية على أقل تقدير، فنحن ننظر اليوم إلى تشكيلة مختلفة للاقتصاد في علاقاته مع العالم الخارجي، وهي علاقة محكومة بمحاولات «الالتفاف» على العقوبات، وبتجاوز الكثير من الأشكال التي يمكن مراقبتها، فالحرب أنتجت سوية من «الوسطاء» تعمل خارج الأطر المعهودة اقتصادياً.
ضمن هذا الشكل الذي أنتجته الحرب فإن التفاصيل المعيشية للمواطن تصبح محاصرة، وبالتأكيد فإن هذا الأمر ليس تبريراً لما يجري إنما محاولة لقراءة طبيعة التأزم السياسي والتصعيد ضمن مستوى جديد، فهناك مواجهة مختلفة ضمن إطارين:
– الأول تلخصه منظومة العقوبات التي تبدل الكثير من أشكال الاقتصاد، وتدفع نحو تأسيس علاقات اقتصادية لا يمكن التحكم بها، إضافة لدفع نخب اقتصادية جديدة تتعامل مع الهوامش المتاحة ضمن العقوبات.
– الإطار الثاني نلاحظه في الشكل الاقتصادي غير المنتج على المستوى الداخلي الذي يعتمد أساساً على عمليات المضاربة بالأسعار؛ مستفيداً من عدم قدرة المؤسسات المالية على التحكم بالوضع الاقتصادي العام.
في المقابل فإن ما يحدث في لبنان يشكل جزءاً من هذا المشهد، فأزمة المصارف كسرت إحدى حلقات التعامل التجاري السوري مع العالم، كما أنها ابتلعت كتلة نقدية سورية كانت تدخل في دورة رأس المال السوري بشكل غير مباشر، وهذا التأزم من المفترض أن يشكل عامل ضغط سياسي على المنطقة عموماً، وعلى طبيعة الحل السياسي في سورية على وجه التحديد.
ما يحدث هو وضع المجتمع ضمن مواجهة اقتصادية يتضخم فيها الفساد؛ لأنه المساحة المتاحة بعد أن خنقت العقوبات الكثير من الممكنات الاقتصادية الذاتية، وبالتأكيد فإن الحلول الاقتصادية لا تزال ممكنة، لكن الأهم هو ما يستطيع المجتمع بعلاقاته الداخلية فعله لتحقيق توازن يختل يومياً نتيجة الضائقة المالية.
الرهان المطروح على الحل السياسي أصبح أسير الاضطراب الاقتصادي، وهو يحتاج إلى التفكير بعيداً عن علاقات الإنتاج التي تشتتت نتيجة الحرب، واستهلكتها العقوبات بحصار غير مألوف، فالاستحقاق الذي يواجهه المجتمع هو التعامل بواقعية مع مسألة الحصار، والتعامل لتحقيق إنتاج لا يصل إلى «التماس» مع بيئة الفساد، ومهما بدا هذا الأمر مستحيلاً لكنه مسؤولية تتحملها اليوم النخب السياسية المطالبة بدفع المجتمع لواقع إنتاج جديد.
ربما من المؤسف ألا نرى أي فعل للقوى الاجتماعية والسياسية للتعامل مع ما يحدث، رغم أنها كانت الأكثر تحركاً عندما يتعلق الأمر بالمؤتمرات السياسية أو بالوجود كشريك في الحل السياسي، فالبحث عن جميع الممكنات التي يمكن التعامل معها هو اختبار جديد لهذه القوة، وهو في النهاية محاولة لتشكيل منظومة إنتاج ستطرح علاقات مؤثرة سياسياً واقتصادياً في آن.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن