من دفتر الوطن

الحلم والكابوس

| حسن م. يوسف

هل عرف الكائن البشري السلام الحقيقي عبر تاريخه الطويل على هذه الأرض؟ البارحة ظل هذا السؤال يحك رأسي من الداخل بشكل مزعج، نحو ساعة، إلى أن أرغمني الإنهاك على الاستسلام للنوم.
بدأ الحكاك العقلي، عندما قرأت مقولة للفيلسوفة وعالمة الاجتماع الأميركية جين آدامز المتوفاة عام 1935: «السلام الحقيقي ليس مجرد غياب الحرب، بل هو وجود العدالة». وبعد أن قلبت هذه المقولة على مختلف وجوهها، استنتجت أن تاريخ الإنسان على هذه الأرض هو حالة حرب مستمرة، لأن الإنسان لم يحقق العدالة بمعناها الحقيقي في يوم من الأيام.
أصارحكم أنني خلال طفولتي وشبابي عرفت الفقر بأبشع وجوهه، وآمنت منذ أن وعيت على الدنيا، بأن وجود الفقر يعني انتفاء العدالة، لذا كان من الطبيعي أن تقودني هواجسي هذه، لمواصلة التفكير، حتى أثناء نومي، بحالة الفقر والفقراء في عالمنا الحالي. وعندما استيقظت كان الموضوع قد استحوذ عليَّ، وهكذا لجأت من فوري للعم غوغل، وبفضله اكتشفت منظمة (أوكسفام) Oxfam وهي منظمة دولية غير حكومية ولا ربحية انبثقت عن جمعية أوكسفورد للإغاثة من المجاعة عام 1942، مركزها في عاصمة كينيا نيروبي. وهي اتحاد عالمي يضم تسع عشرة جمعية خيرية.
يعرف القائمون على (أوكسفام) أنفسهم بقولهم: «نحن حركة عالمية لأناس يعملون معاً لإنهاء ظلم الفقر. هذا يعني أننا نعالج عدم المساواة التي تُبقي الناس فقراء. معاً، ننقذ ونحمي ونعيد بناء الأرواح عند وقوع الكوارث. معاً نساعد الناس على بناء حياة أفضل لأنفسهم ولغيرهم، ونتعامل مع قضايا مثل حقوق الأرض وتغير المناخ والتمييز ضد المرأة. ولن نتوقف حتى يتمتع كل شخص على هذا الكوكب بحياة خالية من الفقر».
لست أخفيكم أنني أنظر عادة، بشيء من التشكك، إلى المنظمات التي من هذا النوع، إلا أن شكوكي تبددت عندما انتهيت من تصفح موقع (أوكسفام)، لكونه يقدم معلومات مرعبة حول الفجوة المتزايدة بين الأغنياء والفقراء في هذا العالم، وإليكم أهم ما استوقفني.
تقول (أوكسفام) إن حالة «عدم المساواة قد خرجت عن السيطرة. فمئات الملايين من الناس يعيشون في فقر مدقع، على حين تذهب المكافآت الضخمة لمن هم في القمة. هناك مليارديرات أكثر من أي وقت مضى، وثروات هؤلاء تتضخم لمستويات قياسية. بينما أفقر الناس في هذا العالم يصبحون أكثر فقراً.
تقول (أوكسفام) أن أغنياء العالم يشكلون 1٪ من سكان كوكب الأرض، لكنهم يملكون أكثر من ضعف ما يملكه 6.9 مليارات شخص، «فالمليارديرات يملكون من الثروة الآن أكثر من 4.6 مليارات شخص يمثلون 60٪ من سكان كوكب الأرض. وفي الوقت نفسه لا يزال نحو 735 مليون شخص يعيشون في فقر مدقع. والمخيف أن العديد من العائلات قد تنزلق إلى الفقر المدقع بسبب فاتورة مستشفى واحدة أو إخفاق موسم حصاد واحد».
يفيد موقع (أوكسفام) أن الضرائب التي يدفعها أصحاب الثروات لا تشكل سوى أربعة بالمئة من العائدات الضريبية التي تجبيها الحكومات، وأن كبار الأغنياء يتهربون من الضرائب المستحقة عليهم بنسبة تزيد على ثلاثين بالمئة. وهذا ينعكس سلباً على الخدمات الحيوية مثل الرعاية الصحية والتعليم، ما يزيد من حجم أعمال الرعاية المجانية التي تقع على عاتق النساء والفتيات، والتي تقدر قيمتها بمبلغ 10.8 تريليونات دولار في السنة.
يرى العاملون في (أوكسفام) أن عدم المساواة ليس أمراً لا مفر منه بل هو خيار سياسي، وهم يطالبون حكومات العالم بأن تعمل الآن من أجل بناء اقتصاد بشري جديد يخدم القضايا التي تهم المجتمع حقاً، بدلاً من دعم الساعين وراء الربح الذي لا نهاية له، وذلك من خلال فرض ضرائب متوازنة على الأغنياء، لضمان حصول الجميع على وظائف آمنة وأجور مناسبة. وهم يطلبون من زوار موقعهم أن ينضموا إليهم قائلين: «حان الوقت لمحاربة عدم المساواة، وللتغلب على الفقر إلى الأبد».
وها أنذا أعلن انضمامي إليهم عبر هذا المقال، علَّ الحلم يستطيع يوماً التصدي للكابوس.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن