قضايا وآراء

محور الذل و«الزعاطيط»

| أحمد ضيف الله

فتح الاحتلال الأميركي والبريطاني منذ العام 2003 أبواب الحدود العراقية على مصاريعها ليتدفق الآلاف من العناصر الاستخباراتية والقتلة إلى داخله. وبسعادة غامرة يتحدث المحتلون وأعوانهم عن منح الشعب العراقي الحرية والديمقراطية، التي تبين أنها حرية منفلتة وديمقراطية فارغة، استخدمت للتطاول المقزز على الآخرين من دون أي اعتبار للقيم والتقاليد والأعراف الاجتماعية والدينية.
وفي ظل ذلك، تَشكّلت الآلاف من منظمات المجتمع المدني في العراق منذ احتلاله من القوات الأميركية والبريطانية عام 2003 وحتى اليوم، وبمسميات وتوجهات لا حصر لها، وأغلبها منظمات شكلية، كل موجوداتها موقع على شبكة الإنترنيت، ولا تدري من يديرها إن كان من داخل العراق أو من إسرائيل!، خاصة أن إجراءات تسجيلها سهلة وبسيطة!
ومن مدخل استقلالية المجتمع المدني عن سلطة الحكومة كأهم بناء للنظام الديمقراطي تغلغل عشرات الآلاف ممن لا تعرف حقيقة توجهاتهم، وانتشروا استعداداً لساعة استخدامهم، وتثويرهم بـ(الريموت كونترول) من خلال أدوات التواصل الاجتماعي كـ(الفيسبوك وتويتر وغيرها..). وهي طريقة جديدة للتواصل والتوجيه المباشر للشعوب وإدارتها باستخدام منطق «الديمقراطية». وقد برع الأميركان والإسرائيليون في إدارة رعاع الشعوب وجهلته.
لقد ابتلي العراق بأعراب أذلاء لا يشبعون من الدم العراقي والسوري واليمني والليبي، ممن كانوا قد دفعوا صدام حسين ليشن حرباً على إيران لـ8 سنوات أدت إلى تدمير كلا البلدين، الذين هم ذاتهم دفعوا أميركا وبريطانيا باتجاه احتلال العراق، ومن أراضيهم انطلقت جيوش تلك الدول وصواريخها لتدمير كل شيء في العراق. وهم نفسهم ضخوا بحثالاتهم ومرضاهم من أصحاب الفكر الوهابي إلى العراق لقتل أبنائه تحت شعار مقاومة الاحتلال الأميركي!، وإسقاط العملية السياسية الموالية لإيران!
وبدعم من هؤلاء عُقد يومي 10 و11 كانون الثاني الجاري في إسطنبول، المؤتمر الأول لـ(الميثاق الوطني العراقي) الذي شارك فيه مجموعة من تشكيلات بقايا نظام صدام حسين التي تديرها أجهزة استخباراتية أميركية وإسرائيلية وخليجية بهدف «التغيير الجذري للعملية السياسية» في العراق، ومواجهة ما سموه «التغلل الإيراني في المنطقة العربية»، بمسميات شكلية كـ(حركة التيار القومي العربي، والحزب الشيوعي، واتحاد الشعب، وهيئة علماء المسلمين في العراق، ومجلس عشائر الثورة العراقية، ومجلس عشائر العراق العربية في جنوب العراق، وممثلي مؤسسات المجتمع المدني، والكفاءات الوطنية، والمستقلين)، وطالبوا «الدول العربية والمجتمع الدولي والمنظمات الإقليمية والدولية، بالتعامل الجاد مع مطالب العراقيين، وفق المعايير الإنسانية، ولاسيما بعد تصاعد القمع للتظاهرات السلمية»، حسب بيان مؤتمرهم.
ومع تناقص عدد المتظاهرين في ساحات التظاهر في بغداد والمحافظات العراقية الوسطى والجنوبية إلى نحو بضع مئات لا أكثر. وبالتزامن مع دعوة مقتدى الصدر إلى «تظاهرة مليونية سلمية موحدة تُندد بالوجود الأميركي وانتهاكاته» في الـ24 من كانون الثاني الحالي، لدعم موقف الحكومة والمجلس النيابي الداعي إلى إخراج كل القوات الأجنبية من العراق لخرقها السيادة العراقية في تبنيها عملية قصف مواقع عسكرية عراقية، واغتيال الشهيدين قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس، خاصة بعد أن رفض المحتل الأميركي الاستجابة لمطلب خروجه.
وبشكل مفاجئ، خرج العشرات في محافظات الوسط والجنوب العراقي وبغداد، ليحرقوا المدارس والجامعات والممتلكات العامة والخاصة والأسواق، ويغلقوا أبواب الدوائر الرسمية باللحام، ويقطعوا الشوارع الرئيسة الواصلة بين بغداد وتلك المحافظات بالإطارات المشتعلة والعوارض الحديدية والإسمنتية، ويطلقوا النار على القوات الأمنية ويرموها بالقنابل اليدوية. عصابات ملثمة تبرّأ من بقي في الساحات من المتظاهرين السلميين منهم، وسموهم مندسين، على حين اعتبرهم باقي العراقيين أنهم أولاد شوارع وأطفال مأجورون، أو كما سموهم باللهجة العراقية «سرسرية وزعاطيط».
ومن الواضح للعيان، أن الغرض من التصعيد المفاجئ هذا، كان لتعطيل التظاهرات المليونية ضد المحتل الأميركي، خاصة بعد قطع الشوارع التي تربط بين المحافظات العراقية وبغداد، لمنع وعرقلة قوافل المتظاهرين من الوصول إلى بغداد للمشاركة في التظاهرة المليونية.
ومع كل ذلك، فشلوا، فالمتظاهرون الذين تجاوز عددهم المليون، شكلوا أكبر تجمع احتجاجي في تاريخ العراق، ونجحوا في إيصال رسائل غضبهم من المحتل الأميركي، حيث ارتدى بعضهم الأكفان، مطالبين بطرد المحتل الأميركي من العراق.
فليشرح رافضو خروج المحتل الأميركي من العراق، من البرزانيين، وإياد علاوي، وأسامة النجيفي، ومن معهم في محور الذل والزعاطيط للرئيس الأميركي ترامب ووزير خارجيته بومبيو معنى ارتداء المتظاهرين للأكفان، لعلهم يستوعبون ويفهمون ما الذي سيحصل، لو عاندوا الإرادة الشعبية للعراقيين.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن