ثقافة وفن

انطلاق «باريوتا» في رحلة الإبداع التشكيلي … إضاءةٌ على أعمال تسعة فنانين في سماء «ألف نون»

| سارة سلامة- تصوير: طارق السعدوني

كان اللقاء البحري في وادي قنديل بأحد الملتقيات الفنية كفيلاً ليخلق مشاعر المودة والتآلف بين مجموعة فنانين التقوا وخططوا واليوم حلمهم يرى النور من خلال «باريوتا» الاسم العريق الذي يعود إلى لغتنا الأم الآرامية ويعني الخلق والإبداع، مشروع فني حالم حمل أسلوب كل فنان وجمعهم من مختلف المناطق السورية ليشكلوا توليفة جميلة مبدعة، كانت أفكارهم بلا هوية لم يضعوا لها قوانين ولا أي شروط كل منهم تقدم بفكرة وموضوع خاص به بتقنياته ومشاعره وألوانه وموضوعاته ليكمل كل منهم الآخر وليجسدوا سورية بعمق نظرتهم، سورية التي تتعطش للجمال والفن والإبداع وهذا ما نادت له من يوم بُعثت.
تسعة أقمار أضاؤوا سماء صالة «ألف نون» التي أشعت بنورهم ورسمت خارطة سورية جديدة من الفن والإبداع وهم: «بشير بدوي، جان حنا، جمعة نزهان، فارتكيس بارسوميان، شادية دعبول، غسان عكل، نعمت بدوي، نهى جبارة، نور الزيلع».

قصة الخلق

وفي تصريح خاص لـ«الوطن» بين الفنان بديع جحجاح: «اليوم نشهد تظاهرة فنية من خلال تسعة فنانين قدموا نفسهم كـ «باريوتا»، التي تمتد إلى حضارتنا السريانية والآرامية وتحكي قصة الخلق والإبداع، كنوع من ترسيخ الإرث التاريخي العريق من خلال هذه التجارب، التي حمل بعضها النضوج وبعضها تجاوز فكرة الحالة لمستوى أعلى، وفي اللقاء الأول لباريوتا لا نستطيع أن نحاكمها وخاصة أن كل فنان قدم فكرته ولم يتفقوا على فكرة معينة».
وأضاف جحجاح: «نحن اليوم أمام حالة من الاتحاد تغيب عنها الفرقة التي نراها في المحيط وحالة من التوافق واللطف من أجل ابتسامة نفتقدها. لذلك كانت دائماً (ألف نون)، رحماً يجتمع فيه العشاق والطيبون والمحبون وعشاق الفن، لنقول إننا ما زلنا حاضرين في شارعنا الثقافي وقادرين على التجمع ونعرف كيف نتأثر ونؤثر في الواقع، كإشارة إلى أن السوري هو من يعطي شعلة الحياة».

الأنثى تتصدر أعمالي

بينما أوضح الفنان جان حنا: «التقيت هذه المجموعة التي تضم عدداً من الفنانين من مختلف المحافظات مرات عدة، والتقينا مصادفة لنؤسس لمعرض يحمل اسم (باريوتا)، لتكون الانطلاقة في صالة (ألف نون) ومنها إلى عدة معارض ممكنة في مختلف المحافظات، أما عن مشاركتي فهي غالباً ما تكون عبر الأنثى وتكوينها وهي غالباً ما تتصدر لوحاتي، لأنني ومن خلال وجهها أرسل برسائل تحمل معاناة وألماً وحزناً وصراعات، وفي كل عمل أحاول تقديم شيء مختلف من خلالها، وأيضاً حاولت تقديم جديد لحارات قديمة تجمع حارات دمشق وحلب بالتقنية نفسها التي أعمل بها».

الحركة والإنسان

الفنان بشير بدوي جاءت مشاركته من لوحتين بطريقة عمله الجديدة وقال: «أحب دائماً تجسيد الإنسان والأنثى وأحببت المشاركة بلوحتين بأسلوبي نفسه إضافة لبعض التجديدات التي تتعلق بالتقنية والألوان، والاختلاف الذي قدمته كان من خلال عملي وترميمي للأيقونات القديمة، ودخلت هذا العمل بلوحاتي وفكرة تعتيق اللوحات والإحساس بأنها أثرية إضافة إلى الموضوع المعاصر الذي يمثل الحركة والإنسان».

أسطورة الفرات

الفنان جمعة نزهان دائماً ما يستقي أعماله من التراث حيث قال: «تمتد اليوم أعمالنا إلى موروثنا، واللغة الآرامية هي جزء من تاريخنا السوري بدءاً من السنة السورية وانتهاء بهذا المعرض، وأشارك اليوم بهذه المجموعة الفنية التي يعتبر أجمل ما فيها أننا أصدقاء من قبل الأزمة واستمررنا بالرسم أثناءها، وجمعنا اليوم (باريوتا) بعد الأزمة ويعتبر خلاصة تجاربنا وخاصة أننا من بيئات سورية مختلفة من السهل والجبل والفرات، إضافة إلى أن أعمارنا قريبة من بعضنا، وعملي بشكل عام يدور حول الغرافيك الأبيض والأسود، وأشعر أن لديّ قدرة على التعبير أكثر بالأسود والأبيض ودائماً هاجسي الفرات ورموزه ونساؤه وعذوبته، فهو أسطورة قديمة عمرها أكثر من 10000 عام، أحاول أن أستقي من تلك السنوات شيئاً إلى المتفرج».

ابن الصحراء والشمس

الفنان غسان عكل شارك بـثلاثة أعمال قال عنها: «لوحاتي منها ما حملت روح الصوفية ودخلت إليها الحروفية، والثانية بعنوان المومس العمياء لبدر شاكر السياب، والثالثة هي عمل عن المرأة الحامل. وألواني تميزت بأسلوب أصبح معروفاً بالنسبة لي وهي البني والبيج هي سمة لوحتي كوني ابن الصحراء والشمس الحادة. رسالتي بالفن بأنه دائماً هناك شيء جميل وحياة جميلة نعمل من خلال الفن بالوصول إلى كل ما نريده».

أعمل على الوجوه والمرأة

الفنانة نهى جبارة في العموم ترسم البورتريه والحالات الإنسانية والخلجات داخل خبايا الإنسان وتقول: «ارسم كل ما يتخبط الشخصية الإنسانية من حزن وفرح وأمل وكل ما يختلج الإنسان يظهر على الشكل الخارجي لوجهه وهذا السبب الأساسي الذي جعلني أعمل على الوجوه والمرأة هي الأكثر حساسية وأكثر رهافة وكل منها يحكي عن موضوع معين بلوحاتي، واستخدامي للألوان الغامقة بشيء يمثل الحزن الذي بداخلنا والأِشياء التي تظهر ونحن ننساها لذلك أختار وأضيء على الملامح التي أرسمها إضاءة قوية جداً وأظهرها بهذه اللوحة».

الفن دائماً مخترق

كما بين الدكتور طلال معلا عند سؤالنا عن رأيه في المعرض فقال: «ما عرض اليوم نحو 80 في المئة منه ذو مستوى عالٍ ولديه إمكانيات تقنية كبيرة، إلا أن الأفكار المطروحة كجماعة غير كمجموعة. فإذا كانت جماعة فالمفترض أن تحتوي على بيان لنفهم ما الأهداف التي جمعتهم مع بعض، إذا كانوا يتطلعون أن تكون الحياة أفضل وأجمل. ويضيفون شيئاً للحياة التشكيلية في سورية، والإشكال الوحيد الذي نعانيه هو أن الفن دائماً مخترق، وإقامة المعارض يعني أن هناك شيئاً جديداً سنقدمه في المعرض، إلا أنه اليوم لم يقدم شيئاً جديداً بل كرّس الأفكار الموجودة سابقاً بالفن السوري بطريقة احترافية جيدة ومقبولة جمالياً ولكن نحن نبحث عن الجديد وهذا ما ينقص المجموعة أن يكون لديها مجال للتفكير أكثر».
الجديد يكون اليوم بالتقنيات والمواضيع أي: «التقنيات اليوم تفوقت على اللوحة وهناك مجال أن نعطي الأفكار بطريقة مختلفة، ونرى أن الفنانين السوريين وحتى الشباب منهم متعلقون بقيود اللوحة التقليدية ولا يتجاوزونها، مع العلم أن هناك محاولات بين عامي 2000 إلى 2010 بأماكن مختلفة على تقديم الجديد، وخاصة أن التغيير بالفن يؤدي إلى التغيير في المجتمع، وكان يجب أن نشاهد لفحات من الحرب في هذا المعرض أو غيره من المعارض، إلا أننا شاهدنا أشياء جميلة ووردية وكأن شيئاً لم يكن».
وفي كلمة أوجهها لهم أقول: «عليكم أن تتقربوا من الشارع والواقع وقضايا الناس والقضايا السياسية والاجتماعية وتطرحوا الأفكار بطريقة صحيحة، لأن الفصل بين الفن والمجتمع لا يؤدي إلى قبول مجتمعي للفن، وبالنهاية نحن نستمتع بالجمال مثلما نستمتع بالطبيعة لكن ليس هذا فقط المطلوب من الفن».

توليفة جميلة

بينما بيّن مدير الفنون الجميلة عماد كسحوت: أن «الفن التشكيلي في سورية يفرح القلب واليوم هناك 3 صالات عرض تفتح بأوقات مختلفة، منها صالة (ألف نون) والمعرض يضم نخبة من الفنانين السوريين الذين نفتخر بهم، تنوع جميل ضمته الصالة، حمل أسلوب كل فنان وتجربته الخاصة بأعماله، ومشهود لصالة «ألف نون» انتقاء الفنانين وتشجيع الشباب منهم، هي توليفة جميلة تقوم بها منذ انطلاقتها في هذا المجال، ونحن في وزارة الثقافة ندعم الفن التشكيلي بكل طاقتنا ضمن الإمكانات لإنجاح أي معرض، لأن الفنانين بسورية هم فنانون لهم بصمة مهمة حتى في الحركة التشكيلية العالمية».

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن