قضايا وآراء

محور المقاومة يحبط تقسيم العراق

| تحسين الحلبي

ربما يلاحظ كل من يتتبع تطورات المجابهة الشرسة بين الولايات المتحدة وإسرائيل وحلفائهما وبين سورية والعراق وإيران واليمن منذ عام 2011 حتى الآن، وجود تراجع وعجز في قدرة النفوذ الأميركي على تحقيق أهداف الولايات المتحدة ضد هذه الدول، لكن السؤال الذي يجب استخلاصه من هذه الحقيقة هو: هل استسلمت الإدارة الأميركية لهذا الفشل أم إنها ستعمل على المراهنة على خطط جديدة للسيطرة على المنطقة وثروات شعوبها؟
يرى رئيس تحرير المجلة الإلكترونية «ميديل إيست آي» الصحفي البريطاني الشهير ديفيد هيرست في تحليل نشره في 23 كانون الثاني الجاري تحت عنوان: «السيطرة عن طريق الخراب والمؤامرة لتقسيم العراق» أن الإدارة الأميركية كانت تحاول «منذ أشهر وبمساعدة عدد من حلفائها في المنطقة تنفيذ مخطط لتقسيم العراق في منطقة الأنبار التي تجاورها حدود سورية والأردن والتي تشكل 31 بالمئة من مساحة العراق وتحتوي على نفط وغاز واحتياط من ثروات معدنية لم تستغل بعد» لكن التطورات التي فرضها الرد الشعبي والحكومي العراقي ضد الولايات المتحدة بعد انتهاكها لسيادة العراق بواسطة العملية العسكرية لاغتيال عدد من قادة الحشد الشعبي والفريق قاسم سليماني والرد الإيراني عليها أيضاً، أوقف سيناريو المخطط الأميركي المعد منذ شهور كثيرة وفرض على إدارة ترامب إجراء تغيير على عدد من إجراءاتها.
الحقيقة التي يؤكدها الوضع العراقي هي أن الجبهة الداخلية الموحدة في العراق بين مختلف القوى والفئات المناهضة للوجود الأميركي وانتهاكه لسيادة العراق، بدأت تشكل صمام الأمان والقوة الرادعة لكل من حاول قبل شهر أو أكثر الانخراط في هذا المخطط الأميركي.
فقد كشف، هيرست، في تحليله عن اجتماعات كثيرة عقدها مسؤولون من الولايات المتحدة وبمشاركة إسرائيلية قبل شهور لتنفيذ مخطط تقسيم الأنبار وشارك في بعض الاجتماعات بعض الممثلين من منطقة الأنبار نفسها، ويبدو أن الولايات المتحدة وسياستها الخارجية المتهورة التي يعدها مايك بومبيو، بدأت تعمل على تسريع إجراءاتها التصعيدية في العراق لكي لا تسمح للمتواطئين معها بالتراجع وخاصة حين أعلن بومبيو، أن واشنطن لن تسحب قواتها من العراق وزعم أن حكومة تصريف الأعمال الحالية ليس لها صلاحية بالمطالبة بخروج القوات الأميركية، لكن الموقف الواضح والحاسم لقوات الحشد الشعبي وللحكومة العراقية وكذلك الرد العسكري الإيراني على القاعدة الأميركية العسكرية في العراق وعجز واشنطن عن الرد عليه، جعل عدداً من الدول العربية وكذلك بعض الأطراف المحلية في العراق تتردد وتتراجع عن المشاركة أو التعويل على نجاح مثل هذا المشروع الأميركي الذي بدأ يفقد كل الأوراق التي عمل بومبيو على وضعها لجدول عمل كهذا، وهذا ما تؤكده معلومات هيرست حين يذكر أن «الولايات المتحدة كانت تعد المشاركين في هذا المخطط منذ أشهر مجرد أحجار شطرنج ثم تبين لها أنها ليست مجرد أحجار بهذا الشكل».
لقد رأى الجميع أن الرئيس ترامب نفسه هدد برد يقصف فيه 52 موقعاً إيرانياً إذا ما قامت إيران بضرب أي هدف عسكري أميركي في المنطقة، ثم تراجع عن الرد بعد أن وجهت إيران أكثر من 24 صاروخاً على أهم قاعدة عسكرية أميركية في العراق وحققت ما تريد من أهداف ضدها، ومع ذلك لا أحد يشك أن واشنطن ستظل تسعى وتخطط باستخدام أدواتها المحلية والرسمية في المنطقة لتقسيم العراق وسورية واليمن بل وإيران، لكن مخططاتها هذه أصبحت تواجه قدرة ردع شاملة من كل أطراف وقوى محور المقاومة الذي يزداد في قدرته على الردع يوماً تلو آخر.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن