قضايا وآراء

قمة الأصدقاء الأعداء وتألق القطبية الثنائية

 د. قحطان السيوفي :

في عام 2006 زار الرئيس الصيني السابق «هو جينتاو» الولايات المتحدة، وكانت أول محطة له في مدينة سياتل حيث زار مصنع طائرات «بوينغ»… بعد نحو عقد زار الرئيس الصيني الحالي «تشي جينيبنج» الولايات المتحدة بدءاً من مدينة سياتل أيضاً… أظهر الرئيس الصيني أنه يملك القوة في لقائه مع أوباما الذي شارفت ولايته على الانتهاء، كما عمد إلى إبراز زيادة النفوذ الصيني في العالم، وأن الصين أكثر الدول في العالم القادرة على منافسة الولايات المتحدة على الساحة الدولية… اللقاء تضمن العلاقات التجارية بين البلدين، الجغرافية السياسية، المناخ، الإرهاب، والأمن الإلكتروني… 

تلعب الصين أدواراً دبلوماسية في العديد من القضايا على جبهات متعددة في آسيا وإفريقيا، والشرق الأوسط، وأميركا اللاتينية، إضافة إلى قضايا إقليمية في شرق آسيا ناهيك عن قضايا الشرق الأوسط، والأزمة السورية، ودعم الصين للدولة الوطنية السورية في المحافل الدولية. وإذا كانت نقاط الخلاف متعددة فإن كل طرف حاول تدارك ذلك ولو بالحد الأدنى.
الرئيس «تشي» وجد نفسه في جو سياسي مختلف، وخاصة اجتماعه مع المسؤولين التنفيذيين للتكنولوجيا الأميركية حيث كان الاجتماع محفوفاً بالرمزية السياسية، لأنه يجري في وقت تختلف فيه بكين وواشنطن حول الكثير من القضايا الجوهرية لمسيرة الرأسمالية للقرن الواحد والعشرين… بما في ذلك القطبية الثنائية والدور العالمي والإقليمي لمجموعة بريكس… ومن الأمور المهمة في اللقاء التوترات حول بحر الصين الجنوبي، والحملة الانتخابية الرئاسية الأميركية المملوءة باللغة الخطابية المناهضة للصين…
مجتمع الأعمال الأميركي رأى نفسه فيما مضى وسيطاً تقريباً في العلاقات بين واشنطن وبكين تجسيداً للمصالح الاقتصادية المتشابكة بين البلدين، ولاعباً دبلوماسياً، وكان في بعض الأحيان قادراً على التخفيف من حدة بعض الجدالات السياسية، لكن العولمة والشؤون السياسية أصبحتا متشابكتين، وأكثر حدة خلال العقد الماضي. تسريبات (ادوار سنودن) حول تجسس الحكومة الأميركية عرض الثقة مع الصين للخطر، وأثر سلباً في شركات التكنولوجيا الأميركية، ما يجعل صناعة التكنولوجيا أقرب بكثير للمعترك السياسي بين واشنطن وبكين… جاء لقاء «تشي» مع المسؤولين التنفيذيين للصناعة الأميركية وسط الأحداث السياسية المتصارعة والمتأرجحة. ورد في الفاينانشال تايمز: «عندما كانت أميركا تعطس يصاب بقية العالم بالزكام. اليوم إذا عطست الصين فإن العالم سيصاب بأنفلونزا الطيور».
الصين اليوم تشكل ثاني أكبر اقتصاد في العالم، وتمثل 16% من الإنتاج العالمي. لدى الصين وأميركا أكبر قوتين اقتصاديتين في العالم، وعلاقتاهما تشمل تعاوناً ومنافسة على المستوى العالمي… شهدت العلاقات الاقتصادية بين البلدين نمواً مذهلاً بلغ حجم التبادل التجاري 536 مليار دولار، حجم العجز التجاري 316 مليار دولار لمصلحة الصين… تنحصر المواجهة في الجانب الاقتصادي الذي يمثل أبرز الخطوط العريضة للسياسة الصينية، إضافة إلى المواقف الإقليمية المتباينة، وسبل الضغط الدولي لتمرير تلك الرؤى والمواقف.
من القضايا التي بحثها الرئيسان؛ تخفيض الصين لقيمة عملتها السوقية؛ حيث اتهمت واشنطن بكين رسمياً بذلك للزج بصادراتهما في منافسة غير عادلة رفض الرئيس الصيني هذا الادعاء. بحث الرئيسان أيضاً الاتهامات المتبادلة؛ بشأن ممارسات غير عادلة للترويج لصادراتهما من تكنولوجيا الطاقة المتجددة، الأمر الذي ينتهك قواعد التجارة الدولية.
الصين أكبر دائن للولايات المتحدة بمبلغ 1.3 تريليون دولار على شكل سندات خزانة تمول قسماً من عجز الموازنة الأميركية، وكان هذا الموضوع محط اهتمام الرئيسين ونرى أن هذه المديونية تعد مصدر نفوذ اقتصادي صيني مع الولايات المتحدة. موضوع تأثير الصين في السياسة النقدية الأميركية كان على جدول المباحثات… الرئيس (تشي) أكد أن العلاقات الاقتصادية والتجارية في صلب العلاقات الثنائية وعلى واشنطن احترام وجهات نظر الصين حول المسائل الخلافية.
من ناحية أخرى دعا الرئيس (تشي) إلى نمط جديد من العلاقات بين البلدين يقوم على تفهم وثقة أكبر ويبتعد عن الريبة، محذراً من أن أي مواجهة يمكن أن تؤدي إلى كارثة للبلدين والعالم. المتحدث باسم البيت الأبيض أكد أن المحادثات بين الرئيسين كانت بناءة… وتبادلا وجهات النظر حول رؤيتهما للعالم. ومهما تكن نتيجة القمة بين التنين الصيني وراعي البقر الأميركي، فإن المنافسة السياسية والاقتصادية ستستمر ويبدو أن الرئيس الأميركي أوباما، في العام الأخير من ولايته، غير قادر على اتخاذ قرارات كبرى… وستبقى الصين مع شريكتها روسيا المنافس الاقتصادي الأكبر… على حين تبقى روسيا المنافس الأهم للولايات المتحدة بقوتها العسكرية… وتستمر الصين، وروسيا، ومعهما دول (بريكس) في التألق كقطبية ثنائية على الساحة الدولية.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن