قضايا وآراء

للإنصاف: من قائد التحول الحقيقي؟!!

د. بسام أبو عبد الله :

كثرت التحليلات، والتقارير التي تتحدث عن تحولات قادمة في سورية إثر انخراط موسكو القوي في الحرب على الإرهاب بالتنسيق مع الجيش العربي السوري، وبطلب من الحكومة السورية، أغلبية هذه التحليلات تشير إلى الدور الحاسم للرئيس بوتين في قلب الطاولة، وخلط الأوراق لإعادة ترتيبها بما يخدم سورية، ووحدتها، ويجتث الإرهاب الأممي لأنه أصبح خطراً للغاية ليس فقط على أمن، واستقرار سورية، والمنطقة، بل على أمن روسيا وفضائها الجيوسياسي، وكذلك الصين، وهو ما يعني تدمير إمكانية قيام عالم متعدد الأقطاب.
لم يخطئ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عندما اعتبر أنه بناء على ما سيحدث في سورية سوف يتحدد شكل العالم الجديد، وتوازناته، ولا شك أن موسكو تعلم علم اليقين أن دخولها القوي لمكافحة الإرهاب يستند إلى أرضية صلبة متمثلة بقيادة الرئيس بشار الأسد، وبالجيش العربي السوري الذي يراه الروس، وهو كذلك، القوة الوحيدة القادرة على مكافحة الإرهاب.
أنا لن أكتب هنا عن مبررات، وخلفيات القرار الروسي، ولا تداعياته التي بدأنا نتلمسها، ولكني سأشير إلى نقطة مهمة، وأطرح سؤالاً أساسياً: ماذا لو لم يكن الرئيس بشار الأسد بهذه الصلابة، والقوة، والحكمة، والمرونة؟ وماذا لو لم يصمد الرئيس مع جيشه، وشعبه طوال أربع سنوات، ونصف السنة في وجه أعتى، وأقذر قوى الهيمنة، والرجعية، والهمجية؟
لذلك أعتقد أن قائد التحول الحقيقي الذي جعل الرئيس بوتين يقدم على هذه الخطوة التاريخية هو صمود، وإرادة الرئيس بشار الأسد الجبارة طوال السنوات الماضية، وإدراك بوتين أنه أمام قائد فذٍ، وحقيقي، وأمام رئيس منتخب شرعياً، وشخصية نادرة في عالم اليوم، العالم الذي تحكمه قلة الأخلاق، والمبادئ، ودناءة المصالح الضيقة، وسياسة البيع والشراء في ظل العولمة، وقلة الأصدقاء، والأوفياء.
نقول للإنصاف: إنه منذ نهاية الحرب العالمية الثانية نادراً ما تعرض رئيس لمثل ما تعرض له الرئيس بشار الأسد من محاولات للشيطنة، والتشويه، والتضليل، والكذب من آلات إعلامية ضخمة، وسياسيين، ودبلوماسيين ومراكز بحوث، ومرتزقة شاشات، وشتامين، وشيوخ من مختلف المذاهب، واستخدام حتى المسجد الحرام للتحريض ضده، وتشكيل جيوش الإرهابيين، والقتلة، وتدريبهم لإسقاطه..
ونقول للإنصاف: إنه نادراً ما تلقت شخصية سياسية وطنية سورية طعنات في الظهر كما حال الرئيس الأسد، فقد طعنه أصدقاء أكلوا، وشربوا معه، وشخصيات كانت تنافق في لحظة الرخاء وعندما توهمت أن السفينة ستغرق قفزت منها كما هو حال الجرذان معتقدة أن المنافع في القادم أكثر، ومسؤولون سابقون، ممن أدمنوا الحنث في اليمين بعد أدائه، كما اصطدم بسياسيين عرب، وأجانب اعتقدوا أن بإمكانهم تغيير مبادئه، وإيمانه بوطنه عبر العلاقة الشخصية.
واجه الحملات الإعلامية الشرسة بهدوء قل نظيره، وبأدب جم ورفيع، وبدبلوماسية ذكية، ومرنة، لكنها لا تحيد عن مبادئها، وثوابتها، وتحمل الضغط النفسي كأي سوري لفقدان الأقارب، والأحبة، والأصدقاء ولفقدان كل سوري، وسورية، انفتح على الحوار منذ الأيام الأولى مع كل فئات الشعب، واستمع إلى البسطاء منهم، والعلماء، وأصحاب الرأي، ورجال الدين، والتجار، والصناعيين، والنخب، وواجه بفكر متنور مسائل خطرة مثل محاولات زرع الفتنة الطائفية، ودعا إلى دور لرجال الدين في مواجهة ما يستهدف الوطن، والأمة.
سامح الكثيرين عما اقترفوه بحقه، حتى من سب وشتم وطالب النائب العام بإطلاق سراحهم فوراً، ولكنه لم يسامح الخونة والجواسيس بحق الوطن لأنه يدرك أن هذا الأمر من حق الشعب أن يقرره، وهو من أدخل عامل الرأي العام، والاستفتاء الشعبي في قضايا سورية المصيرية.
يدرك الرئيس الأسد أن مُحبيه كُثُر، ويؤمن أن هناك من يعارضه ولا يتفق معه، لكنه لا يتعاطى إلا كرئيس لكل السوريين ويعترف في نفس الوقت أن هناك أخطاء، وثغرات كثيرة في بنية النظام السياسي السوري، وأن سورية بحاجة للإصلاح أسوة بكل بلدان العالم… والمعارضة برأيه هي تلك التي تنتمي إلى قضايا الشعب، والوطن، وتعمل تحت سقف الدستور، والقوانين، ولا تكون تابعة للخارج إنما تُمثل المصالح الوطنية.
يقدر كثيراً الشهداء وتضحياتهم، والجرحى وآلامهم، ويرى فيهم وبعائلاتهم سبب صمودنا، وبقائنا، واستمراريتنا، ويؤمن إيماناً قاطعاً بقدرة الجيش العربي السوري، وكفاءته، وحتمية انتصاره، وفي نفس الوقت يتعاطى مع هذه المسألة بعقلية القائد العلمية والواقعية.
يؤمن أن الكرسي، والمنصب مكانان لخدمة الناس وأن الرئيس استمر بإرادة الشعب، ويذهب فوراً عندما يقرر الشعب ذلك، وبالمناسبة هو الذي أيد وجود فترتين رئاسيتين فقط في الدستور السوري الجديد الذي أُقر في حزيران 2012 باستفتاء شعبي.
لأنه ببساطة كل ذلك، ويتمتع بكل هذه الصفات، فإنني أعتقد أنه أحد الأسباب الاستراتيجية للتحول الحقيقي في قرار موسكو، فالرئيس بوتين وجد في الرئيس الأسد القائد السوري الصلب المتمسك بقراره المستقل، والصامد مع شعبه، وجيشه في معركة شرسة، وقاسية لتشكيل عالم متعدد الأقطاب ستكون دمشق مركز ولادته بعد عصر الهيمنة الأحادية للولايات المتحدة، وعجائز الاستعمار القديم.
سيكتب التاريخ مطولاً عن الزعيم الوطني السوري بشار الأسد الذي ساهم بتواضع في تحويل مجرى الأحداث في هذا العالم، وصمد من أجل قضية سورية العادلة، ومن أجل الاستقلال الوطني.
أكتب هذا الكلام ليس من باب النفاق كما اعتاد البعض، ولا من باب عبادة الفرد كما قد يعتقد غلمان السلاطين، وملوك النفط، والكاز، بل من باب الإنصاف لرئيس نُحبه، ولكننا نحترم عقله، ووطنيته العالية وتمسكه بالحق ورؤاه الاستراتيجية التي أتمنى من كل القوى السياسية السورية أن تتوحد حولها لبناء سورية المستقبل التي ستكون أقوى، وأمنع، وبما يؤسس لحياة سياسية جديدة قائمة على التنافس من أجل خدمة الوطن، والشعب، وليس أجندات من يدفعون أكثر- مثل ائتلافات (الشحاذين- والجواسيس)!!!

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن