ثقافة وفن

ندوة الترجمة واقع وآفاق.. نحو خطّة مستقبليّة جديدة … دعوة لتفعيل واقع الترجمة في حياتنا

عامر فؤاد عامر :

الترجمة، وضرورتها، ومدى حضورها في حياتنا، وعناوين كثيرة حولها، كانت محاور تمّ طرحها وتداولها في ندوة «الترجمة واقع وآفاق» فهذه المهنة هي وسيلة التقارب بين شعوب الأرض قاطبةً، وبتفعيلها في حياتنا يمكن تمازج الكثير من الثقافات، والتعرف على نتاج الحضارات في كلّ العصور، ولذلك يسعى الباحثون والعاملون في هذا الحقل إلى تسليط الضوء ما أمكن على هذه المهنة، ومحاولة تفعيلها من خلال جهود وزارة الثقافة؛ ممثلةً بمديريّة الترجمة، واتحاد الكتّاب العرب ممثلاً بجمعيّة الترجمة.

إضاءات
وقد أقيمت هذه الندوة بمناسبة اليوم العالمي للترجمة الذي أقرته منظمة اليونسكو في 30 من شهر أيلول من كلّ عام، وذلك ضمن جلستين تناولتا عدّة محاور عن وضع وحال الترجمة في سورية، وفي زمن العولمة، وعن دور الترجمة في التنمية والإستراتيجية الوطنيّة لمستقبلها في الوطن، والبحث في مزاياها، وأهميتها، وضرورتها، وآليّة تفعيلها في حياتنا.

نحو مستقبل الترجمة
شارك عدد من الباحثين، والمترجمين، والمهتمين في هذه الندوة، التي كان مكانها في القاعة الشاميّة بالمتحف الوطني في دمشق، وأيضاً بحضور عدد من وسائل الإعلام. وقد بدأ الافتتاح بالنشيد العربي السوري، تلا ذلك كلمة السيد مدير عام هيئة الكتاب «جهاد بكفلوني» الذي ذكر فيها عن أهمية الترجمة، ووعي وزارة الثقافة لها، والسعي لإقامة هذه الندوة للاستفادة من خبرات الباحثين المشاركين فيها، والذين امتلكوا مزيداً من الأفكار المهمّة التي تغني عمليّة الترجمة، وتُظهر أهمية الترجمة لكونها الوسيلة التي تغني الحضارة الإنسانية، وتواصلها. أمّا مديرة الترجمة في هيئة الكتاب «سوزان ابراهيم» فبيّنت أن الندوة تتضمن محاور متعددة، تشمل مساحات واسعة من واقع، ومشكلات الترجمة، وآفاقها المستقبليّة معربة عن أملها بأن يتمكن المشاركون من تقديم رؤى، وتوصيات لرسم خطّة عمل للعام القادم حول آفاق الترجمة في كلّ من هيئة الكتاب، واتحاد الكتاب العرب.

مهنة السلام
أمينة سرّ جمعية الترجمة في اتحاد الكتاب العرب الدكتورة «نورا أريسيان» التي شاركت في الجلسة الأولى من الندوة بمحاضرة عنوانها «رسالة الترجمة» قالت لنا في تصريحٍ خاصّ للوطن: «أصررنا في جمعية الترجمة التابعة لاتحاد الكتاب العرب على تفعيل نشاط وزارة الثقافة في إطار الترجمة، الذي هو من اختصاصنا، للتركيز على أهمية ودور الترجمة، واليوم قدّمت شخصيّاً رسالة موجّهة للمترجمين في الوطن العربي، والعالم كلّه، وهي رسالة أكدت فيها أهمية ودور المترجم في نقل الثقافات والتقارب بين الحضارات، وهي مهنة جدير بأن يقال عنها إنها مهنة السلام، فهي جسر للتلاقي بين الشعوب والدول، وهنا تكمن أهمية هذه الندوة لترسيخ جهود المترجمين العرب في مختلف الاختصاصات، فهي جسر من بلادنا للعالم وبالعكس».

الترجمة في الأدب
من المشاركين في الندوة الدكتور «راتب سكر» وكان عنوان محاضرته «الترجمة ميداناً للأدب المقارن» جاء فيها: «… يتنوع توصيف دراسات الأدب المقارن للترجمة، بوصفها ظاهرة أدبيّة، تنبثق عن الأدب متجليا في أجناسه، أو عن أحد أقسام علم الأدب: تاريخ الأدب، ونقد الأدب، ونظرية الأدب، وفروعها المتشعبة. تأسيساً على هذه الرؤية تشكّل الترجمة ظاهرة من ظواهر العلاقات الخارجيّة للأدب، وتسهم في انبثاق غيرها من الظواهر في هذا المضمار، مثل التأثّر والتأثير، واستلهام الصور والثقافات الأجنبية، وغيرها».

حديثة العهد
وفي محاضرته التي حملت عنوان «دور الترجمة في التنمية الوطنية» ذكر الأديب والمترجم «حسام الدين خضور» عدّة نقاط نذكر منها: «… مهنة الترجمة عمليّة رباعيّة الأبعاد فيها «المترجم، والمستخدم، والمادّة المترجمة، والسوق»، وتحت عنوان الترجمة مهنة مظلومة ذكر أيضاً: «إن الكتاب من غير المترجمين، ينظرون إلى الترجمة نظرة استعلائيّة وقد انعكس ذلك في تسعيرة الترجمة التي تعطى 80% من تسعيرة الكتابة، على الرغم من دخول الترجمة في صميم أعمال الجميع. وهذا إذا عنى شيئاً فإنه يعني جهل أسلافنا الذين وضعوا الأسعار بمعايير التسعير العلميّة، وهذا يعود حسب تقديري إلى أن المهنة حديثة العهد في بلادنا».

من المشاركين
أيضاً كان للمترجم «عدنان جاموس» عضو اتحاد الكتاب العرب محاضرته التي حملت عنوان «الترجمة عن لغة وسيطة.. الدكتور سامي الدروبي أنموذجا» وأشار فيها إلى تفرد الأديب والمترجم «سامي الدروبي» عن غيره من سائر المترجمين عن لغة وسيطة برع فيها، وقد ترجم أعمالاً مهمّة لأدباء من روسيا عن اللغة الفرنسية لكون ترجمته تتسم بالدقة والأمانة، وبنصاعة البيان، ونقاء الأداء، لتأتي الترجمة صورة تمثّل الأصل تمثيلاً صادقاً، ولتكون بذلك ترجمة أخيرة إليها يُرجع، وعليها يُعتمد، فلا حاجة بعد ذلك إلى إعادة ترجمتها. كما لفت المترجم «عدنان جاموس» إلى ما ذكره الباحث المصري الراحل الدكتور «طه حسين» من أن سامي الدروبي أنجز ما عجزت عن إنجازه مؤسسة كاملة، وإن أحد المستشرقين الروس المشهورين «فلاديمير كراستوفسكي» قال بعد أن اطلع على الترجمة العربية لأعمال دوستويفسكي بقلم «الدروبي»: «لو أن دوستويفسكي كتب باللغة العربية لما كتب أجمل من هذا».
المترجم «عيّاد عيد» كانت محاضرته بعنوان «نحو إستراتيجية وطنيّة للترجمة» وذكر فيها أن الترجمة ما زالت تتصف بالعشوائية لدينا، على الرغم مما يسعى إليه اتحاد الكتاب العرب، ووزارة الثقافة، لأن هناك بعض دور النشر تُغفل الجانب العلمي، وتسعى إلى إستراتيجيات أخرى، لذلك يجب أن نلتزم بالوسائل التي تجعل الترجمة في خدمة الثقافة الإنسانية والوطنية للبلاد.
ومن المشاركين في الندوة أيضاً الدكتور «نزار بني المرجة» رئيس تحرير مجلة الأسبوع الأدبي، وقد بيّن فيها أن إقامة مثل هذه الندوات هي تأكيدٌ على استمرار الحياة الأدبيّة والثقافيّة في سورية، بوتيرة عالية من الأداء الذي يعبّر عن نفسه من خلال ما يصدر من كتبٍ مترجمة في حقول الترجمة، والسياسة، والأدب والبحوث، والدراسات، على الرغم من كلّ الظروف القاسية التي تعاني منها سورية منذ خمس سنوات بسبب العدوان الجائر الذي نتعرض له.
المترجم «جعفر علّوني»، بدوره اعتبر أن الترجمة يجب أن تقدم كلّ ما هو ضروري من أجل المثاقفة، وعلى صعيد كلّ اللغات، شرط أن يكون المترجم متأهباً لاحترام لغته، ودعمها، ونقلها أيضاً إلى لغات العالم لتوازيها أو تتفوق عليها.
كما اختتمت الندوة بمحاضرة للدكتور «رضوان قضماني» بعنوان «حال الترجمة في زمن العولمة» بيّن فيها أن النهوض بالترجمة يعاني من واقع سلبي يتمثّل في ضآلة الكمّ المالي الذي يُنفق على الترجمة، وضعف الاحتفاء بها عربيّاً، مشيراً إلى أن أكثر من نصف الآداب المترجمة إلى العربيّة محصورة في الأدب الإنكليزي والأميركي، وأن أغلب الأدب العالمي يُترجم نقلاً عن لغة وسيطة لا عن لغته الأمّ. كما طالب «قضماني» بتشكيل وعي نقدي عال حيال الترجمة، وتصعيد درجات الوعي النظري بالترجمة، وحلّ المشكلات الجديدة الناشئة المتعلقة بإمكانيات الترجمة الآليّة بواسطة الحاسوب، وآفاق احتمالاتها، وتوفير المترجم المتخصص في كلّ مجال جديد من مجالات الترجمة العلميّة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن