ثقافة وفن

العملة السورية تحمل حضارة وإرث وطن

| يارا عشي

لا يوجد شعب لا يعتزّ بعملته الوطنية تماماً كاعتزازه بعَلمه وأرضه، فالعملة الوطنية تعتبر هوية الشعوب. حتى إن الدول تولي عناية عظمى بنماذج عملاتها القديمة، ذلك لأن كل واحدة منها تحمل حكاية تاريخ شعب وحضارته في أبعادها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والعلمية والصناعية.
ورغم أن الغالبية لا ينتبهون أو يهتمون بمضامين العملات، غير أن البعض يستهويهم جمعها بدافع الشغف، هذه الهواية التي تفتح أبواباً على التاريخ، ترتبط بعلم المسكوكات (numismatics) الذي يَدرس العملات وكلّ ما يرتبط بها. كما تعتبر طريقة للحفاظ على العملات من الاندثار.
وسورية مثل غيرها من الدول تمتلك الكثير من العملات التي سُكّت في غابر الأزمان وتظهر الآن، بين حين وآخر، في ثنايا الأوابد. كما أنها تهتم بصيانة عملاتها المعاصرة التي ولدت في عصر الاحتلال الفرنسي وفي بواكير زمن التحرر من الاستعمار وبناء الدولة الحديثة.
وإذا عدنا إلى تاريخ العملة السورية في بدايات القرن الماضي، نجد أنه تم إصدار أول ليرة سورية من قبل (البنك السوري) عام 1919. بعد الانتداب الفرنسي على سورية ولبنان أعطى المفوض السامي الفرنسي للمصرف الفرنسي في سورية امتياز اصدار النقد، حينها ولدت لأول مرّة الليرة السورية – اللبنانية. ومنذ العام 1924 وحتى العام 1939 أوكل أمر إصدار العملة الورقية لبنك سورية ولبنان الكبير الذي باشر بطباعة الليرة السورية – اللبنانية.
في العام 1941 ارتبطت الليرة السورية بالجنيه الاسترليني نتيجة لهيمنة البريطانيين والفرنسيين على سورية، ثم رُبطت الليرة في العام 1947 بالدولار الأمريكي. وكان آخر إصدار ورقي لليرة السورية – اللبنانية بعد استقلال سورية في العام 1949. ومنذ العام 1953 باشرت مؤسسة إصدار النقد السوري بإصدار العملات السورية واستمرت حتى عام 1955، بعدها بدأ مصرف سورية المركزي بالإشراف على إصدار العملات تحديدا في العام 1957 وإلى يومنا هذا.
هنا أستعرض بعض فئات العملة السورية الورقية التي طبعت من سبعينيات القرن الماضي إلى الحديثة منها. ويتذكرّها من السوريين من عاصر تلك السنوات، عدا الأجيال اللاحقة التي ولدت بعد أن أبطل تداولها. فكلّ ورقة من فئات العملة السورية تحكي قصة عن تاريخ سورية القديم أو المعاصر. وتتضمن الإرث الغني من آثار الممالك التي عاشت على أرضها وأثرت الانسانية بحضارات بعضها غيّر تاريخ العالم.

ورقة 2000 ليرة إصدار 2017 م.

يظهر على وجه الورقة النقدية صورة الرئيس السوري بشار الأسد. كما تظهر صورة الواجهة الخارجية الرئيسية لحرم الجامع الأموي وهو من أهم وأقدم الجوامع الأثرية في العالم بعد المسجد الأقصى والحرمين الشريفين. تمثل اللوحة الجدارية الفسيفسائية والأكبر في المسجد منظراً طبيعياً لأشجار باسقة الارتفاع وقصور، يقال أنها ترمز للجنة. وتعكس اللوحة الزخرفة الإسلامية التي رافقت بناء المسجد في عهد الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك بين عامي 705- 717 للميلاد . وفي خلفية العملة تظهر صورة القاعة الرئيسية للبرلمان السوري الذي تأسس عام 1973م.

ورقة 1000 ليرة إصدار 2013 م.

تظهر صورة لمدرّج أو مسرح بصرى، الذي يقع ضمن قلعة بصرى الأثرية في مدينة بصرى الشام. وهو من المسارح الرومانية القليلة التي حُفظت إلى اليوم. أغلب الدراسات تشير إلى أنه بنيَ ما بين عاميّ 117 – 118 للميلاد في عهد الامبراطور الروماني تراجان. وبُدأ بتحويل المسرح إلى قلعة في العصر العباسي.
وعلى خلفية الورقة توجد صورة للوحة فسيفساء تمثل مشهد قطاف العنب في سورية. اللوحة تعود لعام 227 ميلادية، وكانت محفوظة ضمن قلعة بصرى.

ورقة من فئة ال 500 إصدار 2013م.

يوجد فيها صورة لدار الأسد للثقافة والفنون أو أوبرا دمشق التي افتتحت في العام 2004 . وعلى الوجه الخلفي للورقة صورة للوحة «العازفات» وهي واحدة من أجمل وأندر اللوحات الفسيفسائية والفنية في العالم. اكتشفت في إحد بيوت قرية ميرمين في محافظة حمص. يعود عمرها إلى القرن الثالث الميلادي. وتعرض ستاً من النساء يعزفن على آلات موسيقية مختلفة. كما تتضمن الورقة النقدية صورة لرقيم منقوش عليه أبجدية أوغاريت. وأبجدية أوغاريت هي أكمل وأغنى الأبجديات في العالم تحتوي 30 حرفاً وكانت من أهم اللغات قديماً.

فئة 200 ليرة إصدار 2009 م.

تظهر ناعورة من مدينة حماة، التي اشتهرت عالمياً بنواعيرها المرتكزة على نهر العاصي من جنوب شرق حماة وحتى الشمال الغربي منها. هذه النواعير التي بناها الآراميون منذ حوالي 4000 عام بقيَ منها في مدينة حماة حالياً 17 ناعورة.
وتظهر أيضاً على العملة الورقية صورة لجامع النوري الأثري في حماة، الذي بناه نور الدين الزنكي في العام 1162 للميلاد كما هو منقوش على واجهته الشمالية، يقع على الضفة الغربية لنهر العاصي. يتميّز بمئذنته التي تتناوب حجارتها بين الأبيض والأسود، وأيضاً بقبابه الخمس المتنوعة الأشكال. كما يعد محراب الجامع تحفة فنية، فهو مصنوع من خشب الأبنوس ومزخرف بأشكال هندسية ونباتية ومحفوظ بمتحف حماة الوطني.

ورقة فئة 50 ليرة إصدار 2009 م.

تبدو على وجهها رقم فخارية منقوش عليها باللغة المسمارية، أبجدية أوغاريت. التي تعتبر أكمل أبجدية قديمة في العالم تحتوي 30 حرفاً. عثر عليها بين لقى مدينة أوغاريت التي ازدهرت بين القرنين 15-13 قبل الميلاد. وعلى خلفيتها تظهر صورة لمكتبة الأسد الوطنية وتمثال الرئيس الراحل حافظ الأسد.

ورقة 500 ليرة إصدار 1992 م.

هذه الورقة بالذات ذاع صيتها بين السوريين وقد أطلقوا عليها تسمية «أم الطربوش» وسبب هذه التسمية هو صورة لرأس تمثال يعود لأمير كنعاني من مدينة أوغاريت الأثرية المكتشفة في رأس شمرا التي تعود للقرن 14 قبل الميلاد. وفي الوسط تتربع صورة تمثال الربّة عشتار وهي ترضّع طفلين ملكيين.
وعلى خلفية العملة تبدو رُقم نُقش عليها باللغة الأوغاريتية. وصورة طاسة ذهبية نُقش عليها رسوم لمشاهد صيد، وفي مركزها زهرة أقحوان من آثار حضارة أوغاريت أيضاً. صدرت الطبعة الأولى من هذه الفئة في العام 1958 وطبعت بعدها أكثر من مرّة، آخرها كان في العام 1992، كما أن بعض المواقع المتخصصة بالأوراق النقدية صنّفوا ورقة الخمسمائة ليرة هذه ضمن أجمل أوراق النقد في العالم.

ورقة فئة 500 ليرة إصدار عام 1998م

فيها رسم للملكة السورية العظيمة زنوبيا، التي أعلنت استقلال المملكة التدمرية عام 271 ميلادي. ويظهر الشارع الرئيسي، للمدينة الأثرية، والمدرّج اللذان لا يزالان شاخصين بين أوابد تدمر. ازدهرت تدمر في عهد ملكتها زنوبيا أقوى ملكات الشرق، والتي قادت مع زوجها أذينة عصياناً على الامبراطورية الرومانية وتمكنت من السيطرة على معظم المدن السورية. ويبدو أيضا تمثال نصفيّ من البرونز لأميرة بانياس التي عاشت في القرن الثاني قبل الميلاد. وعلى خلفية الورقة تبدو صورة لسد الفرات وهو أعظم سدود سورية، تم تدشينه عام 1978 بعد عشر سنوات من البناء والعمل.

ورقة فئة 100 ليرة إصدار 1998م

يظهر عليها مدرج بصرى الأثري العظيم، وهو مسرح روماني شيّد بين عامي 117 – 138م ، من الحجر البازلتي المحلي، حينها كانت مدينة بصرى عاصمة للولاية العربية التابعة للإمبراطورية الرومانية، ويتسع لحوالي 15 ألف مشاهد.
كما تظهر على ورقة العملة صورة الامبراطور الروماني فيليب العربي، الذي وُلدَ في شهبا السورية، وعرفت فيما بعد فيليبوبولس نسبةً إليه. صعد نجمه في الولاية العربية، واهتم ببناء مدينته شهبا لتصبح أهم مدن الإمبراطورية.
وعلى الوجه الخلفي تظهر صورة لمبنى محطة الحجاز، حيث انطلقت أول رحلة قطار للخط الحديدي الحجازي التاريخي في العام 1908 وصولاّ إلى المدينة المنورة بهدف الحج. وتوقف العمل به في العام 1917 م.

ورقة فئة 50 ليرة إصدار 1998م

تتضمن صورة لقلعة حلب إحدى أقدم وأكبر القلاع العسكرية في العالم. بدئ ببنائها في القرن الثالث قبل الميلاد كما أظهراكتشاف معبد إله العاصفة هدد المكتشف بالقلعة، واستكمل بناؤها في الفترة الأيوبية. وللقلعة تاريخ غنيّ بحكم الحضارات المتعاقبة التي مرت عليها. أدرجتها منظمة اليونيسكو على قائمة مواقع التراث العالمي في العام 1986. كما تظهر صورة للناعورة المحمدية أكبر نواعير حماة التي بنيّت على يد الآراميين 2500 قبل الميلاد. كما تظهر صورة الأسطرلاب العربي وهو آلة فلكية قديمة، كان يستخدم في تطبيق القياسات الفلكية والملاحة العربية. يرصد ارتفاعات الشمس والنجوم، والمسافات بين الكواكب وتحديد الوقت والاتجاهات والقبلة. يعتقد أن مخترع هذه الآلة هو الفلكي إبراهيم الفزاري في القرن الثامن ميلادي.

وفي خلفية الورقة تظهر صورة لمكتبة الأسد التي افتتحت عام 1984، لتمثال الرئيس الراحل حافظ الأسد أمام البناء الخارجي للمكتبة. وأيضاً صورة لملعب العباسيين وطلاب سوريين.

ورقة 1000 ليرة إصدار 1997م

هذه الورقة تحمل صورة الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد. كما تظهر صورة للدينار العربي الأول من الذهب الخاص، الذي سُكّ في عهد الخليفة عبد الملك بن مروان 685- 705 للميلاد. وتبدو أيضاً صورة الجامع الأموي في دمشق الذي بناه، في حلّته الاسلامية، الخليفة الوليد بن عبد الملك عام 705 ميلادي. ويتميّز كأول مسجد ظهر فيه المحراب. كان معبداَ آرامياً للإله حدد ثم تحوّل في عهد الرومان إلى كنيسة يوحنا المعمدان، أو النبي يحيى، وما زال رفاته مسجى في حرم الجامع.
كما تظهر أيضاً صورة لرُقم فخارية كتب عليها باللغة المسمارية، تعود لمملكة ايبلا التي ازدهرت في القرن الثالث قبل الميلاد. وعلى خلفية الورقة تظهر صور من سورية المعاصرة تتضمن منشآت النفط والكهرباء وحصادة القمح وسفينة لنقل البضائع.

ورقة فئة 200 ليرة إصدار 1997م

نجد في هذه الورقة صورة لتمثال الناصر صلاح الدين الأيوبي، ذلك القائد والرمز الذي حرر القدس ودحر جيوش الفرنجة واستسلم للموت قبل 817 عاماً، بعد أن ترك لنا قيم العزة والكرامة والدفاع عن الأرض والوطن ضد الغزاة. كما يوجد فيها صورة لضريح الجندي المجهول في جبل قاسيون الذي افتتح في العام 1990. وتظهر أيضاً صورة الدرهم العربي الأول الذي أمر بسكه في دمشق الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان سنة 77 هجرية، كتعريب للدرهم الساساني. هذا الدرهم الأموي مسكوك من الذهب الخالص عيار 22 قيراط، وحُفر عليه بالخط الكوفي. وعلى الوجه الخلفي لورقة العملة تظهر حقول القطن، ومعمل الغزول القطنية التي تشتهر سورية بإنتاجها، وأيضاً صورة لمحطة الطاقة الكهربائية.

ورقة فئة 50 ليرة إصدار 1991 م.

يظهر على وجه العملة تمثال «ربة الينبوع» الذي عثر عليه في مدينة ماري في (تل الحريري) ويعود للألف الثاني قبل الميلاد. وتبدو فيه الآلهة وهي تحمل على جبهتها قرني ثور، رمز الألوهية، مزيّنة بالحليّ وبنقوش على ثوبها لصور أسماك تسبح في المياه، وتحمل بين يديها وعاء كروياً يرمز للمياه المتدفقة. كما تظهر صورة لسد الفرات العظيم. وفي الخلفية تظهر صورة لقلعة حلب.

ورقة فئة 10 ليرات إصدار 1977م

يظهر عليها رسم قصر العظم، وهو من أهم وأجمل القصور التاريخية في دمشق القديمة، بنيَ في الفترة العثمانية، ويعتبر نموذجاً للبيوت الكبيرة الدمشقية والفن المعماري العربي المتطوّر. بناه والي دمشق الوزير أسعد العظم في العام 1749م على مساحة 6400 م. أعيد ترميمه وفي العام 1953 ، وافتتح كمتحف للتقاليد الشعبية والصناعات اليدوية. وفي خلفية الورقة تظهر صورة لإحدى مصافي النفط.
هذه الورقة النقدية طبعت أيضاً في الأعوام 1978 و1988 و1991 .

ورقة فئة 25 ليرة إصدار 1991م.

تظهر قلعة الحصن وهي من أهم القلاع وأكبرها في القرون الوسطى. تعود القلعة لفترة الحروب الصليبية، وقد بنيت على مراحل منذ العام 1031 م. وتعد نموذجاً فريداً للقلاع العسكرية المحصّنة. مساحتها ثلاث هكتارات وتتسع لجيش يتكوّن من 3000 جندي مع العدّة والعتاد. كما تظهر صورة للقائد صلاح الدين الأيوبي محرر القدس. وفي الخلف صورة لبنك سورية المركزي الذي تأسس عام 1953م. هذه الفئة من العملة طبعت أيضاً في العام 1988.

ورقة فئة الخمس ليرات إصدار 1991م

تظهر صورة لتمثال مينيرفا، ربة الحكمة والنصر عند الرومان. وتبدو الربة وهي تعتلي خوذة على رأسها وتحمل درعاً في يدها. التمثال من حجر البازلت من السويداء، مرجّح أنه يعود للقرن الثاني الميلادي. وهو من مقتنيات متحف دمشق الوطني. وتظهر أيضاً صورة لمسرح بصرى الروماني الأثري. وعلى خلفية الورقة يظهر رسم لحقول القطن في سورية وصورة لمعمل غزل الخيوط القطنية.

ورقة فئة 100 ليرة إصدار 1982م

تظهر على واجهة العملة أعمدة مدينة تدمر الأثرية الخالدة وصورة للملكة زنوبيا. وكانت تدمر تعتبر من أهم الممالك السورية القديمة ومن أهم المدن التجارية وأكثرها تطوراً. علماً أن زنوبيا ولدت عام 240 م في تدمر وترعرعت في الاسكندرية. امتد حكمها بين عاميّ 267 و 272 للميلاد. وعلى الوجه الخلفي للورقة نجد صورة لصوامع الحبوب في مدينة اللاذقية. طبعت أيضاً في عام 1990.

ورقة فئة ليرة واحدة إصدار 1982 م.

تظهر على وجه الورقة النقدية صورة دياب عبد الله فارس، حرفيّ من دمشق، اختيرت صورته باعتباره بطل إنتاج في معمل الزجاج في القدم. ولهذا الحرفيّ قصة طريفة، عندما أوقفه في أحد الأيام شرطي وطلب منه بطاقته الشخصية، فرد عليه دياب: إنها في جيبك. وأخرج له الليرة الورقية السورية وقال: «هذه هويتي». وكانت صورة دياب طبعت أيضاً على ورقة العشر ليرات التي صدرت في العام 1973م. وعلى الخلفية تبدو صورة للناعورة المحمدية،الأكبر، في مدينة حماة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن