قضايا وآراء

الخطر الحقيقي الذي يهدد الخليج العربي

| د. قحطان السيوفي

من المعلوم أن إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب تقوم بإيهام حكام دول الخليج العربي النفطية بالخطر الإيراني ليكون مبرراً لشفط أموال هذه الدول بدعوى حمايتها من هذا الخطر المزعوم على حين الخطر الحقيقي الذي يهدد دول الخليج يكمن في سياسات حكوماتها القائمة على إيرادات أحادية من النفط والغاز.
حذر صندوق النقد الدولي بتاريخ 6 شباط 2020 في دراسة حول «مستقبل النفط والاستدامة المالية» من أن التغييرات الكبيرة في سوق النفط، وانخفاض أسعاره، ولاسيما عقب المخاوف على البيئة، والتي أفضت للحد من استخدام النفط تدريجياً، تمثل تحدياً كبيراً للبلدان النفطية، وأنه يجب على دول الخليج القيام بإصلاحات أو المخاطرة برؤية ثرواتها تتلاشى خلال 15 عاماً، وحسب التقرير ارتبطت الطفرة النفطية منذ ستينيات القرن الماضي في منطقة الخليج العربي بإنشاء كيانات سياسية لاستغلال هذه الثروات وإدارتها، معتمدةً على النظام القبائلي فاعتمدت هذه الدول على «الذهب الأسود» الذي كان له الفضل في إثرائها لعقود مُهددة بأن تصبح مقترضة، ذلك لأن اقتصاداتها ونُظمها السياسية تتشكل جوهرياً بفعل الاعتماد القوي على تدفق الإيرادات النفطية، ما يُشكل علاقة عكسية بين الاعتماد المفرط لهذه البلدان على الثروات الطبيعة، وبين معدلاتِ النمو الاقتصادي، والتي تُعرف باسم لعنة الموارد النفطية.
وتضخ دول الخليج؛ البحرين والكويت وسلطنة عمان وقطر والسعودية والإمارات، خمس إجمالي إمدادات النفط الخام في العالم، ويشكل دخل النفط ما يتراوح بين 70 إلى 90 بالمئة من الإيرادات العامة، وجمعت الدول الست خلال عقدين نحو 2.5 تريليون دولار من الأصول المالية.
مع انهيار أسعار النفط عام 2014، عانت دول الخليج بما في ذلك السعودية أكبر مصدر للنفط بالعالم، عجزاً مستمراً في الموازنة وتراجعاً في النمو الاقتصادي وتدفق الاستثمارات الأجنبية ما دفعها إلى اللجوء للاقتراض الداخلي والخارجي، وانخفض الناتج المحلي الإجمالي لهذه الدول بنسبة 7 بالألف عام 2019 مقارنة مع 2 بالألف عام 2018 بالمقابل يشهد سوق الطاقة العالمي تغييراً كبيراً مع قيام التقنيات الحديثة بزيادة العرض، على حين دفعت المخاوف المتعلقة بالتغير المناخي العالم إلى الانتقال إلى مصادر الطاقة المتجددة وتشير التوقعات إلى أن صافي الثروة المالية لدول الخليج في طريقه ليصبح سلبياً بحلول عام 2034 وهذا الاستنتاج بني على زيادة إمدادات النفط من المصادر القديمة والجديدة، وسيبتعد العالم تدريجياً عن النفط، نتيجة المخاوف بشأن البيئة، ما يُشكل تحدياً كبيراً للدول المصدرة للنفط، ومنها دول الخليج.
يقول أحد مؤسسي منظمة أوبك خوان بابلو بيريز ألفونسو «ما النفط سوى فضلات الشيطان، ونحن نغرق فيها» قد تشكل هذه المقولة السمة المشتركة لدول الخليج العربي النفطية.
وقد أدى العجز الناجم عن انخفاض إيرادات النفط والغاز إلى تخفيض صافي الثروات المالية في الفترة بين 2014-2018، بقرابة 300 مليار دولار لتصبح 2 تريليون دولار، حسب تقديرات صندوق النقد الدولي، وبالمقابل ديون حكومات دول الخليج ارتفعت من 100 مليار دولار عام 2014 إلى 400 مليار دولار في عام 2018 فراحت أغلبية دول الخليج تحاول خفض الدعم الحكومي وحتى فرض ضريبة القيمة المضافة وضرائب أخرى ويفكر البعض بتخفيض الرواتب العامة.
تعتبر دول الخليج هذه الإجراءات حساسة وخطرة سياسياً لتأثيرها السلبي المحتمل في المواطنين الذين اعتادوا الضرائب المنخفضة والإعانات الحكومية وقد يكون لها في الأجل الطويل عواقب اجتماعية واقتصادية مؤثرة في دول الخليج العربي، فالتنمية والاقتصاد عانيا كثيراً طوال نصف قرن مضى، والتحديات المستقبلية كثيرة جداً، وقد أوجدت تشوهات هيكلية بالغة الضرر.
إن ثروة الخليج المقدرة بنحو تريليوني دولار أميركي، مهددة بالاندثار تباعاً، بدايةً من البحرين عام 2024، ثم سلطنة عمان عام 2029 فالسعودية عام 2035 والكويت عام 2052.
ويرجّح الصندوق أن يصل الطلب العالمي للنفط إلى الذروة عام 2040 تقريباً، لافتاً إلى أن زيادة الاعتماد على بدائل الطاقة قد يعجّل بهذا، ويجعل عام 2032 الأعلى طلباً للنفط.
كما أن فرض دول العالم ضرائب على المنتجات البترولية قد يجعل عام 2028 الأعلى طلباً، ويشير تقرير الصندوق إلى أن هذا التعجيل يضر مباشرةً بمصالح دول الخليج.
وقدّر الصندوق الدولي نمو اقتصاديات الدول الست بنحو 6 بالألف خلال عام 2019، على حين لم يتعدَّ 2 بالمئة عام 2018، وكان متوسط النمو يعادل 4 بالمئة قبل انهيار أسعار النفط.
المتوقع أن تزداد التحديات المالية التي ستواجه دول الخليج في المستقبل، ولاسيما بعدما أفقد تراجع أسعاره هذه الدول نحو 300 مليار دولار من ثرواتها المالية بين عامي 2014 و2018، وفق بيانات الصندوق. كما أن استمرار أوضاعها المالية على هذا الشكل يعني أنها ستتحوّل عام 2034 من دول ثرية إلى دول مستدينة، وتبعاً لذلك لدى دول الخليج خياران، الأول أن تجري إصلاحات مالية عميقة وهذا الخيار يبدو صعباً وقد تنجم عنه تبعات اجتماعية خطيرة في بلدان اعتاد مواطنوها الدعم الحكومي والضرائب المخفضة.
والخيار الثاني أن تخاطر برؤية ثرواتها تتلاشى شيئاً فشيئاً خلال الأعوام الـ15 المقبلة وهذا هو الخطر الحقيقي الذي يهدد هذه الدول.
من الناحية العملية برز مفهوم مفارقة الوفرة ليفسر تلك العلاقة المتلازمة، بل أيضاً يعلل تنامي احتمالات وقوع تلك الدول في أزمات اقتصادية وسياسية طاحنة أكثر من غيرها.
نشوء اقتصاد ريعي يكون شديد المركزية، يقوي النزعات الاستهلاكية لدى مواطنيه، ويقلّل معدلات الضرائب المحلية، ومن ثم يكون المورد الرئيسي لخزانة الدولة هو العوائد النفطية وليس الضرائب المستمدة من الدخل.
ونظراً إلى الطبيعة المتقلبة لأسواق النفط، غالباً ما تقع هذه الدول ضحية انهيارات مفاجئة في حجم العوائد تُدخلها في نفق أزمات حادة، وفي جحيم الفوضى العارمة.
يقول ناصر زهير، الباحث بمركز جنيف للدراسات السياسية، TRT عربي، «إن شيوخ قبائل هذه الدول ومواطنيها مرتبطون بعلاقات وثيقة برأس السلطة، ومن ثم لا توجد حركة مدنية أو سياسية على غرار تلك الموجودة في الدول النفطية الأخرى.
الاقتصادات النفطية في منطقة الخليج لها خصوصية من ناحية نُظمها السياسية. هذه الأخيرة تشكّلت بفعل التدفقات المالية الناتجة عن إيرادات النفط، التي ظلّت عنصراً أساسياً في بقاء النظم السياسية في دول الخليج العربي النفطية، عكس باقي الدول النامية، لا تمتلك سياسات هيكلية مستدامة، وتضطرّ بذلك للجوء إلى سياساتٍ ترقيعية كلّما كشفت مؤشراتها الاقتصادية عن مشاكل.
وهكذا فإن الخطر الحقيقي الذي يهدد دول الخليج العربي النفطية وثرواتها ليس جمهورية إيران، كما تدعي زوراً وبهتاناً إدارة ترامب الأميركية، وإنما يكمن الخطر الفعلي في سياسات حكومات هذه الدول المعتمدة اقتصادات ريعية وعلى إيرادات النفط الأحادية التي تتآكل وستتلاشى عام 2034 حسب تقرير صندوق النقد الدولي.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن