رياضة

زراعة الرياضة

| مالك حمود

فيما بدأت الرياضة تفرض نفسها كصناعة في المفاهيم المعاصرة، تبدو من زاوية أخرى زراعة وبامتياز، زراعة تختلف عن كل الزرع من الجذر إلى الفرع، فالعمل فيها يتطلب النفس الطويل، والصبر الجميل، والحصاد عندها ليس بآخر الموسم، ولن يأتي إلا بعد مواسم عديدة، وعمل ومتابعة وسقاية ورعاية، ورحلة الآمال، تبدأ في بناء الأجيال، وبقدر ما يكون العمل جاداً ودؤوباً وصادقاً ومتواصلاً، بقدر ما تكون النتائج ملبية وقادرة على تحقيق الطموحات، فالقصة هي زراعة المستقبل.
زراعة المستقبل وجدنا إحدى صورها الجميلة خلال الأيام الأخيرة، وللأسف مرت مرور الكرام وقلائل من توقفوا عندها ولفتوا الأنظار إليها، على اعتبار أن الجميع كان منهمكاً في غمار مشاركة المنتخب في دورة الأردن، وقبلها دورة دبي الدولي، وبين انفعال وافتعال كانت الأنظار محصورة في مشروع المنتخب، وتقديم الحلول البديلة، بعيداً عن الحل الأساسي والإستراتيجي للمسألة، رغم ما تعيشه سلتنا في نفس الوقت من خطوة إستراتيجية بأحد أهم وأكبر أنديتنا والاستفادة من هذه المبادرة.
بهدوء ودون ضجيج إعلامي كان نادي الجلاء يبادر للتوجه لبعض المدارس الابتدائية في حلب من خلال عدد من نجومه ونجماته السابقين لتعريفهم أولاً بأهمية الرياضة لهم بشكل عام، ونكهة كرة السلة بعنوانها الإعلامي المعروف (لعبة المثقفين) والمتعة التي تحققها لممارسها بجمعها بين المهارة والجماعية والسرعة والقوة والفكر والذكاء، والمستقبل الجميل الذي ينتظر مواهبها، بهدف جذبهم كغراس يانعة في ملاعب السلة.
ما فعله نادي الجلاء من خلال نجومه ومدربيه تكرار لزراعة حصلت منذ عشرات السنين حينما كان يعتمد على جذب طلبة (معهد شمبانيا) بحلب والذي يعتبر من أكبر وأهم المدارس الخاصة في الخمسينيات والستينيات، وكم رفد نادي الشبيبة آنذاك بمواهب كثيرة ومنها من شق طريقه على مستوى النادي والمنتخب وحتى المستوى العربي والدولي، ومنهم من احترف في أوروبا كالنجم السوري جوزيف ذكر.
العملية هي مسألة استكشاف واكتشاف، وما يقوم به الكشافون يمثل الخطوة الأهم والأساس في البناء الرياضي، والذهاب إلى المستقبل أجدر من انتظاره، والدخول إلى المدارس هو الحكمة بحد ذاتها لأنه سيعود على النادي بمئات اللاعبين واللاعبات في سن البراعم، وخامات تبدو كالعجينة يمكن أن يتشكل منها أشياء متعددة ومواهب رائعة مع تعليمهم ألف باء اللعبة، وتنشئتهم الرياضية ضمن مناخات صحيحة، وبإشراف مدربين مؤهلين للقيام بذلك الدور المهم، في وقت أصبحنا نرى فيه لاعبين في فرق الرجال وما زالت لديهم بعض الأخطاء في التكنيك الحركي!
مرحى لنادي الجلاء هذه المبادرة الجريئة مؤكدة أنها أكاديمية حقيقية لكرة السلة، بعدما نجح باستعادة صالتيه الرئيسية والتدريبية وتأهيلهما بالشكل المطلوب.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن