قضايا وآراء

سعادة نتنياهو بالمطبّعين ومِنَحْ ترامب لن تدوم

| يوسف جاد الحق

لا شيء يثير الحنق والغضب والألم، ومزيجاً من مشاعر أخرى مزعجة، أكثر من رؤية المدعو بنيامين نتنياهو في مواقف تبدو فيها على قسمات وجهه البغيض، وفي عينيه الحاقدتين معالم البهجة والانشراح تعبر عنها ابتسامة لئيمة صفراء، خادعة ماكرة، ويمكنك أن تضيف إليها الكثير من هذا النوع الوضيع، الذي قلما يلمح المرء مثله إلا على وجوه كبار إرهابيي هذا الزمن ومجرميه.
يحدث هذا في حالات محددة تترافق مع أحداث تجري لمصلحة كيانه، ولاسيما عند التقائه بصنوه الرئيس الأميركي دونالد ترامب هنا أو هناك، يشنف سمعه بقراراته العشوائية غير المسؤولة، المستهترة بالأعراف والقوانين الدولية وسائر البشر، وتقديم هداياه المجانية التي لا يملك من أمرها شيئاً، كإعلان «قدسنا» عاصمة «أبدية» لكيانه الصهيوني، متبعاً ذلك بنقل سفارة بلاده إليها، الأمر الذي لم يجرؤ رئيس أميركي قبله على الإقدام عليه. وما بالك إذا ما قام فوق ذلك بمنحه أرض الجولان العربي السوري المحتل، بل ذهابه إلى اعترافه بحق نتنياهو في تهويد فلسطين وفق قرار خرج به الكنيست «السارق لفلسطين» يقول بحق إسرائيل في إعلانها يهودية، لا مكان فيها لغير بني صهيون!
مواقف ترامب المنافقة هذه لا تقف عند حد، فهو لا يتورع ولا يتردد في إقرار هذا النتنياهو على أي مطلب أو قرار يريد، متناسياً ومتجاهلاً تماماً أن هناك شعباً هو صاحب البلاد في الأصل، اسمه الشعب الفلسطيني، وكأن هذا الشعب لا وجود له، وأن للرجلين الحق في تغييبه وتجاهل وجوده ناهيك عن حقوقه الطبيعية والقانونية والتاريخية والوجودية عملية تبادل للنفاق بين الرجلين مثيرة للضحك والسخرية.
تبدو حالة الانشراح والسرور الهستيري، المشار إليها آنفاً، على السيد نتنياهو أيضاً كلما التقى عربياً أو تحدث مع عربي من أولئك الخارجين على أمتهم، يلتمسون وده ورضاه، معلنين ولاءهم له ولكيانه الهجين في خنوع مهين، متناسين عداءه لأقدس أقداسهم، ولشعب عربي يمت إليهم بصلة إن كانوا عرباً واغتصابه لفلسطين، قلب الأمة العربية، والاستيلاء عليها بعد أن هجّر منها أهلها في عمليات قتل ومذابح فاقت في هولها وفظاعتها أكثر ما عرفت البشرية في تاريخها كله، وهو لم يقدم على ذلك بغير التواطؤ والتآمر والدعم من أعداء الأمة العربية، وفي مقدمتهم بريطانيا والولايات المتحدة الأميركية على مدى أكثر من قرن من الزمن.
يتباهى نتنياهو، في كل مناسبة، أمام ناخبيه بما استطاع إنجازه من تحويل «عرب» إلى أصدقاء لكيانه، أعداء لإيران لمناصرتها عرب فلسطين وعموم العرب. من ثم لا يفتأ نتنياهو عن تحريض ترامب على مهاجمة إيران – لمصلحة كيانه ونيابة عنه – في تصريحات شبه يومية، مدعياً بأنها هي السبب فيما يجري في المنطقة من اضطرابات و«عدم استقرار»..! وهو لا يحجم عن إعلانه – بمناسبة وغير مناسبة – أن ما يجري في السر بينه وبين المطبعين الضالعين من أولئك العرب أكبر بكثير مما يتصورون مما لا يستطيع التصريح به راهناً. لم لا يكون حاله هو هذا ومنهم من استقبله بالأحضان والقبلات في بهو قصره الأميري أو السلطاني، يمشي على السجاد الأحمر احتفاءً وتكريماً.
الأدهى من هذا كله أن نتنياهو يعد يهوده بالعمل على إقامة حلف مع هذه الدول يقف معه في خندق واحد إذا ما قامت حرب مع «محور المقاومة»، على اعتبار أن محور المقاومة هذا «إرهابي» أبناء غزة والضفة إرهابيون..! وأن باقي محور المقاومة في سورية ولبنان واليمن وإيران «إرهابيون».. وهم الخطر في هذه المنطقة، وهم من يهدد أمنها.. بل هم خطر على أمن العالم برمته..!
ناهيكم عن اعتداد نتنياهو بإنجازاته مع بلدان عربية عديدة أصبح التطبيع معها من باب «تحصيل الحاصل»، فها هو يبيعهم الغاز المسروق من شواطئ غزة لكي يدخل إلى كل بيت هناك الأمر الأخطر، في مسألة التطبيع، من أي شيء آخر. يكفي أن نرى سيدة البيت العربية وهي تستخدم الغاز وعلى «أسطوانته» كلمة «إنتاج إسرائيل»..! ولنتصور أبناءها، وهم جيل شبابنا القادم، يرون الغاز في بيوتهم ويستعملونه في إنضاج طعامهم. نتنياهو نفسه، وفي معرض مباهاته وتعداد مفاخر إنجازاته اليومية – صرح في مرات كثيرة بأن ما استطاع التوصل إليه في هذا المضمار – الانحياز المهين لبعض العرب إلى كيانه – لم يكن ليحلم بمثله في يوم من أيام حياته..!
بالأمس استطاع نتنياهو الوصول إلى قيادة الحكم العسكري الجديد في السودان، حيث التقى عبد الفتاح البرهان وعقد اتفاقات اقتصادية معه، منها الزراعة، ومنها التنقيب عن النفط، والذهب، ومنها التبادل الدبلوماسي بحيث يرفرف علم «إسرائيل» في سماء الخرطوم.. ناهيك عن مسألة المياه والسدود، التي سوف تسهم إسرائيل ببنائها هناك، والحصول على مياه نهر النيل، الأمر الذي سوف يشكل الخطر الوجودي على حياة الشعب المصري عند الاقتضاء، عندما تتحكم إسرائيل في شريان الحياة لمصر «هبة النيل» منذ أقدم العصور.
ولم يتردد نتنياهو عن إعلان ما في دخيلته في هذا الشأن عندما يقول إنه الآن وعن طريق السودان يمسك بمفاتيح القارة الإفريقية، كما أعلن أن الطائرات الإسرائيلية المدنية «شركة العال» سوف تشرع برحلاتها إلى السودان قريباً، والمرور في أجوائه إلى سائر أقطار أفريقيا، مضيفاً إن هذه العلاقة من شأنها أن تغير مجرى التاريخ في الإقليم كله لمصلحة إسرائيل!
إن الذين يفاجئهم نتنياهو بالكشف عن أشخاصهم وأدوارهم إنما يحرجهم، إذ يرغب أولئك الإبقاء على ما حدث سراً خفياً حفاظاً على مراكزهم أمام شعوبهم، وللحيلولة دون الثورة عليهم لكنه من جانبه إنما يتعمد ذلك، غير مبالٍ بردود أفعالهم، خشية تراجعهم عما توصل إليه معهم من مكتسبات هائلة لم تكن تخطر له على بال.
على أي حال لا ينبغي لنا أخذ مواقف نتنياهو هذه، ورؤاه على هذه الحال من الابتهاج على أنها ناجمة عن حقيقة يطمئن إليها. حقيقة الأمر أن الرجل خائف ترتعد فرائصه فهو يعرف جيداً أن كيانه يعيش أيامه الأخيرة، التي لن تتعدى عاماً أو عامين، إزاء المتغيرات الإقليمية والدولية، ولاسيما تصاعد قوة محور المقاومة التي بلغ بأحد أطرافها وهي إيران أن تضرب قواعد أميركا في عين الأسد بالعراق من دون أن تجرؤ أميركا ترامب «بجلالة قدرها» على الرد عليها، وهي، أي أميركا، لن تندفع إلى حرب تشنها على إيران من أجل نتنياهو..! أو غيره، وهو ما صرح به غير مرة ترامب نفسه. من ثم فهو يحاول طمأنة نفسه، ومن معه، بالهروب إلى حالة من الوهم المتخيل كمعادل موضوعي للحقيقة الآزفة التي تقض مضجعه اليوم في حسابات العد العكسي لوجود كيانه الهجين في أيامه الأخيرة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن