من دفتر الوطن

درامانا قوتنا الناعمة

| حسن م. يوسف

قبل قرون قال أرسطو: «الذين يروون القصص يحكمون المجتمعات»، بهذا يكون أرسطو هو أول من بشر بالقوة الناعمة كسلاح مؤثر يحقق أهداف مستخدميه عن طريق الجذب والإقناع بدلاً من الإرغام والإغراء بالمال، من المعروف أن الفن والثقافة هما أهم موارد القوة الناعمة، وقد تمكنت أميركا خلال القرن العشرين من استخدام أفلامها وثقافتها لنشر قيمها ومبادئها، بغية بسط هيمنتها على العالم، وقد انتبهت بعض الدول الصغيرة لأهمية القوة الناعمة بحيث صار تأثيرها أكبر من حجمها بمئات المرات، كما حصل مع دويلة قطر بعد تأسيس قناة الجزيرة.
تمكنت الدراما السورية خلال ربع القرن الماضي من فرض نفسها كقوة ناعمة على امتداد الوطن العربي، فبفضلها بات إخوتنا العرب يفهمون لهجتنا في مشارق الوطن العربي ومغاربه، ومن خلال درامانا بات التعاطف الشعبي مع فكرنا ومعاناتنا أكبر وأعمق من أي وقت مضى.
دعونا نعترف أن درامانا السورية قد تراجعت إلى حد ما خلال الحرب التي تشنها الفاشية العالمية وأذيالها على سورية، بل يمكن القول إن درامانا الآن باتت مأزومة إلى هذا الحد أو ذاك بسبب مشاكل التسويق والتمويل، فقد سرقت المسلسلات التركية صوت الدراما السورية، فوصلت من خلاله إلى بيوت العرب في كل مكان، كما فقدت درامانا العديد من فنانيها وفنييها، ولكن وبالرغم من كل ما سبق أستطيع القول إن الدراما السورية لا تزال قادرة على المنافسة، فلدينا كنوز حقيقية من الكتاب والفنانين والفنيين، والأهم من ذلك لدينا المناخ المعتدل الذي يمكن التصوير فيه طوال عشرة أشهر من العام، كما لدينا مختلف البيئات الطبيعية؛ الجبل والسهل، البحر والنهر، الغابة والبادية والصحراء، لكن ظروف الإنتاج الحالية باتت تشكل عائقاً دون تطور درامانا، وقد تَحول تلك الظروفُ في حال استفحالها، دون استمرارها.
عندما طالبنا بإنشاء المؤسسة العامة للإنتاج التلفزيوني والإذاعي في تسعينيات القرن الماضي، كان المأمول أن تتصدى تلك المؤسسة لتقديم الموضوعات النوعية، والتعبير عن وجهة نظر المجتمع والدولة بمختلف القضايا. لكن المؤسسة لم تنجز المأمول منها وتحولت إلى جهة إنتاجية لاتختلف كثيراً عن شركات القطاع الخاص، بل إن التعاون معها أكثر مشقة، فموقف المتعامل معها من الناحية القانونية أضعفُ من موقف المتعامل مع القطاع الخاص، فهي توقع اتفاقاتٍ بدلاً من العقود، ولا تعطي المتعامل نسخةً من نصوص تلك الاتفاقات، بحيث يجد المتعامل نفسه غير قادر على رفع دعوى على المؤسسة فيما لو اختلف معها، وقد صارحني المحامي بهذه الحقيقة المرة، عندما جئته لرفع دعوى على المؤسسة التي نامت على حقوقي عن مسلسل «حارس القدس» نحو عام!
إن الدراما كائن حساس، كما العصفور، إن شددت يدك عليه أكثر مما يجب خنقته، وإن أرخيتَها أكثر مما يجب طار منك، وحرصاً مني على درامانا كقوة ناعمة، تحارِب إلى جانب الجندي العربي السوري، أتقدم ببضع مقترحات آمل أن تكون بداية لنقاش موسع يسهم فيه كل السوريين لما فيه خيرنا جميعاً.
أرى أنه من واجب الدولة السورية أن تحمي هذه الصناعة المهمة، لا من أعدائها وحسب بل من شطط أبنائها أيضاً، لقد ثبت بالتجربة الفعلية أن الإبداع الفني من الصعب أن يزدهر في ظلال البيروقراطية، كما ثبت أن أسلوبنا في الرقابة على النصوص قد تجاوزه الزمن وبات عبئاً على الكتاب والمنتجين والفنانين، لذا أقترح اعتماد الأساليب الجديدة المرنة في دعم الإنتاج، كأن تقدم الدولة دعماً مالياً لا يسترد، للمسلسلات والأفلام التي تنسجم مع توجهاتها وتعزز قوتها الناعمة، فهذا من شأنه أن يشجع الشركات الخاصة على الإنتاج النوعي والنهوض بفن الدراما وصناعتها بشكل عام.
أقترح قوننة عمل شركات الدراما السورية الجادة العابرة للحدود، وتسهيل عملها بدلاً من سجن أصحابها لأنهم يتعاملون بالدولار، والتمييز بين الظروف المختلفة، فما قد يكون دواءً هنا قد يكون سبباً للداء هناك.
ككاتب سيناريو أجد أن من واجبي أن أقول إننا جميعاً من كتاب وفنانين وفنيين ومنتجين سوريين، نعمل في ظروفٍ بالغة الصعوبة، ونحن مع ذلك نحقق نتائج أفضل من ظروفنا بما لا يقاس، في الختام أوصي نفسي وزملائي بأن نقاوم أكثر، وأن نشتغل مع بعضنا أكثر مما نشتغل ببعضنا، فعداوات الكار هي أقصر الطرق إلى الدمار.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن