قضايا وآراء

السلطان يرقص على الحبال من دون شبكات أمان

| د. قحطان السيوفي

من المعروف، أن الرقص على الحبال يَمتحن مهارات اللاعبين وينطبق ذلك على اللاعبين من السياسيين.
القفزات سريعة، والحبال تهتز بأشد مما اعتادها الراقصون، السلطان العثماني أردوغان يلعب بلا شبكات حماية جدية تحميه إذا سقط وتقوده للنهاية.
أردوغان يلعب على حبال فوضى التوازنات المتعددة، أولها حبل فردي يهدد ويقرر فيه وحده، والحبل الثاني يسير فيه أردوغان مع الروسي والإيراني، الحبل الثالث يتعاون فيه مع التحالف الأميركي ضد المجموعات ذاتها التي كان الضامن لها وفق اتفاقات أستانا وسوتشي، وحبل رابع يؤكد فيه صداقته لإسرائيل، ويمارس النفاق مع الفلسطينيين وحبل التعاون مع الغرب، فهل سيستطيع أردوغان خلق توازن بين خطوط الحبال هذه دفعة واحدة؟
عملياً هل يمثل أردوغان شخصية رئيس جمهورية؟! أم هو زعيم عصابة؟! أم رجل بلطجي ينتهز الفرص ويقفز على الحبال؟
الرقص الأكثر إثارة اليوم هو «التانغو» المعقد الذي يرقصه أردوغان مقابل روسيا على مسرح إدلب السوري.
باعدت الأزمة السورية بين تركيا والولايات المتحدة، نتيجة دعم الأخيرة للأكراد السوريين الانفصاليين، واقتربت أنقرة من موسكو بعد أزمة إسقاط أنقرة طائرة «سوخوي» روسية في 2015. وكشفت تداعيات الحادثة حدود استعداد الغرب للدفاع عن تركيا كعضو في حلف الـ«ناتو»، وزادت شكوك أردوغان في التموضع غرباً. وتعقدت الأمور بعد محاولة الانقلاب في تركيا عام 2016، وشعور أردوغان بأن لواشنطن دوراً فيها، ما دفعه لاعتقال القس الأميركي برانسون، مستدرجاً عقوبات اقتصادية على تركيا، ثم أُرغم على إطلاق سراحه.
طور أردوغان العلاقات مع موسكو على حساب علاقاته الغربية؛ وأدخل الصواريخ الروسية «إس 400» إلى واحدة من حلف الـ«ناتو»، مضحياً بدور تركيا في تطوير بعض قطع الطائرة «إف – 35» الأميركية، أدت انتصارات الجيش العربي السوري الأخيرة في الشمال إلى إنهاء «شهر العسل» بين تركيا وروسيا، وأعاد أردوغان البحث عن طريق العودة إلى البيت الأبيض.
تتهم موسكو تركيا بأنها لم تفِ بالتزامها مكافحة «جبهة تحرير الشام» واجهة «جبهة النصرة» في منطقة خفض التصعيد في إدلب، المتفق عليها في سوتشي عام 2018.
المفارقة التي يستفيد منها الراقص التركي، هي أن واشنطن التي سبق واعترضت على مغامراته العسكرية في شمال سورية ضد الأكراد، ووصلت إلى حد فرض عقوبات على وزراء أتراك، تعبر اليوم عن تفهمها للأدوار العسكرية التركية في إدلب.
يدرك أردوغان أن دعم واشنطن له لا يتعدى الدعم اللفظي، وكانت أهم المطالب الأميركية منه؛ إلغاء اتفاق منظومة الصواريخ «إس 400» مع روسيا، والموافقة على دور سياسي للأكراد في الدستور السوري الجديد، هذا لم يتم والرقص على الحبل المشدود بين موسكو وواشنطن، يتطلب مهارات في الجغرافيا السياسية.
الواقع يشير إلى أنه رغم انتظام أردوغان في منظومة أستانا استمر باللعب على الحبال في حركة زئبقية ويبقى ملتزماً بمشروع خاص به ومضمونه احتلال أراض في سورية يخوله التأثير في القرار وواقع الحكم فيها وهو أمر مرفوض شكلاً ومضموناً وسيقاوم بقوة من الشعب والدولة السورية المتمسكة بالدفاع عن أرضها وقرارها السيادي المستقل، وسيدفن الحلم التركي بشمال سورية.
عبر يسمى المنطقة الآمنة التي يحلم أردوغان أن يقتطعها من الأرض السورية إضافة لأطماعه بإدلب عبر الإرهابيين الذين يحتضنهم، سعى أردوغان إلى عرقلة العملية العسكرية السورية الأخيرة في إدلب، ولكنه فشل ولا يزال يدفع بتعزيزات عسكرية إلى إدلب ويوجه كل العمليات الإرهابية التي تنتهك بها اتفاق خفض التصعيد في إدلب.
أردوغان أراد أن ينفس عن أحقاده محاولاً أن يثأر من انتصارات الجيش العربي السوري، يهدد، ولا يقدر إلا على التهويل والوعيد وخاصة في ظل الظروف الضاغطة الخارجية والداخلية.
وتشير بعض الشهادات إلى أنه في لقاءاته مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لا يستطيع أن يملي ويفرض شروطاً وإنما يسمع، مثلاً الرئيس بوتين يؤكد اجتثاث الإرهاب من كامل الأراضي السورية، وهو لا يستطيع أن يعارض ذلك على الرغم من أن أردوغان هو من صنع الإرهاب ودعمه في سورية.
بالمقابل أردوغان يلعب على الحبال الإسرائيلية والفلسطينية وهو متعاون مع إسرائيل عسكرياً واقتصادياً، ويدعي كذباً التضامن مع الفلسطينيين، ممثلاً ثنائية فصامية وكما يقول المثل الشعبي يأكل مع الذئب ويبكي مع الراعي.
الوزير الإسرائيلي يسرائيل كاتس، قال لصحيفة «معاريف»: إن أردوغان يلعب مع إسرائيل بمصطلح الصديق العدو، أردوغان مقتنع بتاريخ طويل من العلاقات التركية الإسرائيلية. فتركيا أول دولة إسلامية تعترف بإسرائيل وطناً قومياً لليهود 1949، تركيا تحتضن اليوم أكبر مصانع أسلحة للجيش الإسرائيلي، والمبادلات التجارية بين البلدين أكثر من 4 مليارات دولار.
أردوغان صافح الإرهابي آرييل شارون عام 2005 في القدس، والأخير رحب به قائلاً: «مرحباً بك في عاصمة إسرائيل الأبدية»، دون أن نسمع أي اعتراض من أردوغان، وآخر مسرحية افتعلها في حوار دافوس مع شمعون بيريز.
أردوغان هو القائل: «إسرائيل بحاجة إلى بلد مثل تركيا في المنطقة، وعلينا أيضاً القبول بحقيقة أننا نحن أيضاً بحاجة لإسرائيل».
الدور التركي المشبوه، والتدخل السافر في الشأن العربي وآخرها بليبيا، امتداد لأطماع استعادة العثمانية مجدداً.
مواقف أردوغان متقلبة مع واشنطن، فمرة يعلن الاتفاق على تسيير دوريات مشتركة في المنطقة الآمنة شرق الفرات، ولا يلتزم بها أردوغان، يلعب على الحبال في صفقة الصواريخ الروسية إس400، وصفقة شراء الطائرة الأميركية إف 35.
في تناقض سياسي وعسكري مثير، واشنطن غير موافقة على أن تجمع دولة لطائراتها الحديثة جداً والنظام الروسي المضاد لها. وقد ينقل سر وتصميم الطائرة إف 35 إلى روسيا عبر تركيا.
وزير الدفاع الأميركي بالوكالة، باتريك شانهان وجه رسالة إلى نظيره التركي، قال فيها إن شراء تركيا للصواريخ الروسية سيعيق تعزيز التعاون العسكري مع الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي.
إدارة ترامب طالبت أردوغان وهو المغرم بالتصرفات البهلوانية بأن يختار إما إس 400 الروسي أو صفقة طائرات إف 35.
كما حذروه من اتفاق قد يكون مفاجئاً بين موسكو وواشنطن، ينتهي بعدم حصوله على أي شيء وسقوطه تحت أقدام القوى الكبرى أردوغان يعيش حالة الارتباك والتوتر، من عادته استغلال اللعب على الحبال بهدف تحسن شعبيته إضافة إلى أن تركيا تسعى إلى استخدام القضايا الإقليمية سواء الأوضاع في سورية أم العراق أو فلسطين، من أجل إكساب تركيا دوراً.
أردوغان أصبح محاصراً في الداخل والخارج بتحديدات عسكرية وسياسية وأمنية كبيرة، انعكست على أدائه السياسي في مختلف الاتجاهات إقليمياً، وتنامي دور المعارضة السياسية في الداخل، وخسارة حزب «العدالة والتنمية» الحاكم بالانتخابات البلدية، كلها تؤكد أن مشروعه بدأ في الأفول.
يواصل أردوغان لعبه على الحبال وهو يتناسى أن الذي أسقط خططه السابقة قادر على إسقاط خطته الجديدة، والقفز على الحبال وارتكابه الحماقات سيؤديان لسقوطه وخصوصاً أنه لا توجد شبكات أمان للحماية، والمستقبل القريب سيؤكد ذلك.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن