اقتصادالأخبار البارزة

رئيس هيئة التخطيط والتعاون الدولي لـ«الوطن»: موازنة 2016 ليست انكماشية والحكومة لم تتخذ قرار تخفيض حجم الإنفاق … رفع سعر الصرف في موازنات الدولة هو مقاربة موضوعية من وجود حالة تضخم تزداد شيئاً فشيئاً

علي محمود سليمان :

«لا يمكن القول إن الموازنة العامة للدولة للعام القادم 2016 هي موازنة انكماشية لأن الحكومة لا تتعمد تخفيض حجم الإنفاق العام أو حجم الأموال التي ستضخ في السوق السورية من أجل مواجهة حالة من التضخم التي تسود البلد وهي حالة قائمة بالفعل».
بهذه العبارات استهل رئيس هيئة التخطيط والتعاون الدولي قيس خضر حديثه لـ«الوطن» موضحاً بأن الموازنة الانكماشية هي الموازنة التي تعمد فيها السياسة المالية لتخفيض نسب الإنفاق العام لمواجهة حالات التضخم التي تسود السوق، ولذلك فإن التسمية الأصح لموازنة العام 2016 ما أعلنه رئيس مجلس الوزراء الدكتور وائل الحلقي بأنها موازنة مواجهة وتحدٍّ، لأننا في وضع لا يسمح لنا بالقيام بكل ما نريده من أجل تحريك عجلة الاقتصاد، إذ بات معلوماً للجميع أن الدولة مع دخولها السنة الخامسة من أزمة عميقة وحادة جداً لم يعد لديها الإمكانات والموارد المالية الكافية للوفاء بالمتطلبات اللازمة للاقتصاد السوري، ومن هنا لا يمكن القول عن هذه الموازنة إنها موازنة انكماشية لأن الحكومة السورية لم تتخذ القرار بالذهاب إلى تخفيض حجم الإنفاق.

1980 مليار ليرة موازنة 2016
وكان الإعلان عن الموازنة العامة للعام 2016 قد كشف بأنها بشقيها الجاري والاستثماري بلغت 1980 مليار ليرة سورية، وبأن الحكومة مستمرة في سياسات الدعم الاجتماعي وعقلنة الدعم والتوسع به حيث إن كتلة الدعم للعام الحالي 984 مليار ليرة سورية على حين في العام 2016 رُصد لها 1053 ملياراً، إضافة إلى السعي إلى توفير فرص عمل جديدة في القطاعات الإنتاجية والتنموية والاهتمام بالصناعات الإستراتيجية، وقد تم الاعتماد خلال وضع وإعداد الموازنة على مراعاة متطلبات عملية التنمية الشاملة والمتوازنة، وعلى أهمية ترشيد الإنفاق والحد من الهدر واستكمال إنجاز المشروعات ذات الجدوى الاقتصادية المهمة التي وصلت نسبة الإنجاز فيها إلى مراحل متقدمة ووفق الأولويات.
وبالعودة إلى سبب اعتبار موازنة العام القادم 2016 بأنها انكماشية فقد تمت ملاحظة أن موازنة العام الجاري 2015 قد بلغت 1554 مليار ليرة سورية، وتم تقديرها بنحو 7.7 مليارات دولار أميركي، في تقرير نشرته وكالة الأنباء الرسمية (سانا)، ما يعني أن موازنة العام 2016 تزيد بنسبة 27.4 بالمئة بالليرات السورية. أما بالدولار الأميركي فلو اعتمدنا على سعر صرف الدولار الأميركي المقر بالموازنة وهو 250 ليرة، فتكون الزيادة في موازنة 2016 نحو 2.85 بالمئة فقط، بعد أن تعادل 7.92 مليارات دولار أميركي. وتتغير المعادلة مع اعتماد سعر صرف أكثر واقعية، فلو اعتمدنا على سعر صرف 300 ليرة للدولار تنخفض قيمة الموازنة إلى 6.6 مليارات دولار أميركي، ما يعني انخفاضاً عن موازنة 2015 بما يزيد على 14.2 بالمئة.
وهنا يعود رئيس هيئة التخطيط والتعاون الدولي ليوضح بأن ما يتم الحديث عنه حول أن القيمة الحقيقية لهذه الموازنة تتراجع إذا ما قيست كقوة شرائية فهو كلام صحيح ولكن هذا الكلام يندرج تحت بند معطيات الأزمة والظروف التي فرضتها الأزمة وليست سياسة اقتصادية انكماشية اتبعتها الحكومة، ومن هنا جاءت موازنة المواجهة والتحدي، كوننا في ظرف لا نستطيع التحكم فيه بمصادر الإيرادات كافة لمواجهة النفقات الإجمالية، مضيفاً: إن الموازنة قامت بالتعبير الدقيق على مقاربة احتياجات متسارعة متزايدة بشكل كبير مع إيرادات أخذة بالتضاؤل نتيجة لمفرزات الأزمة وهو ليس مجالاً للمجاملة، وإنما هو واقع يعيشه السوريون حقيقة وما الموازنة إلا انعكاس مالي لما هو موجود على أرض الواقع من إمكانات ونفقات.

تحديد الدولار بـ250 ضرورة تخطيطية
وعما يتعلق بتحديد سعر الصرف لموازنة العام القادم بسعر 250 ليرة سورية، لفت الدكتور خضر إلى أن اعتماد سعر صرف 250 ليرة سورية، لا يعني بأنه لن يكون هناك تحركات لسعر الصرف، وأن مقاربة تغير سعر الصرف ونقله من رقم إلى رقم أعلى حتى وصل إلى حدود 250 ل. س هي مقاربة موضوعية من وجود حالة تضخم تزداد شيئاً فشيئاً، ومن دون الخوض في تفاصيل تحرك سعر الصرف والتغيرات والتقلبات فيه، فإنه لا يوجد من مرتكزات موضوعية لتحديد قيم سعر الصرف وإنما هناك أبعاد سياسية واقتصادية وأمنية وعسكرية وإعلامية ومضاربات تحكم سعر الصرف.
قيام الحكومة بتحريك سعر الصرف لحدود 250 ليرة سورية، هو حاجة وضرورة تخطيطية أي إننا نحتاج لتثبت الخطة المالية للعام القادم على سعر صرف معين، فهناك حاجة لمعرفة حجم الإنفاق من القطع الأجنبي، فلا يمكن اعتماد تقلبات في سعر الصرف في ثلاثة أشهر مثلاً أو ستة أشهر، حيث إن مقتضيات الضرورة التخطيطية وفقاً لمبادئ التخطيط الاقتصادي أن تكون للسنة المالية القادمة بكاملها سعر صرف واحد.
وفعلياً فإن اعتماد سعر الصرف 250 ليرة سورية يعتبر أقل من الواقع، أي إن اعتماده تم تماشياً مع الواقع وتحركات سعر الصرف، ومع ذلك فإن السعر الذي تم اعتماده يعني أن الحكومة ما زالت في سياق الدعم، فمثلاً عندما أقدم نفقات بقيمة عشرة آلاف دولار على أن يكون سعر الصرف 250 ليرة سورية، فالحقيقية أن كمية الأموال التي ستدفع تفوق الكمية التي أقرت في هذه الخطة، حيث إنه لجهة الدعم فإن هذا الرقم يعني أن الدعم المقدم والمشمل يفوق حقيقة ما تم التصريح به من أرقام اسمية وليست حقيقة.

الحكومة لم تتخل عن الدعم
وهنا يبيّن خضر بأن عقلنة الدعم لا تعني تخفيض الدعم وإنما إعادة تخصيص الدعم وتوزيعه، بسبب وجود مسام وبعض القنوات التي يتم تسريب الدعم المقدم من الحكومة إلى المواطن، وإن ما تقوم به الحكومة هو العمل على كيفية إعادة توزيع وتخصيص المبالغ المخصصة للدعم بحيث تذهب إلى مستحقيها ضمن حدود الإمكان، والملاحظ أنه عندما يكون هناك رفع أسعار بعض المواد المدعومة فإن الحكومة تعمل على إعادة ضخ هذه الأموال إلى المستحقين ضمن أقصى حدود ممكنة من حدود استهداف شرائح أو طبقات معينة بحد ذاتها لأن السوق السورية سوق غير منضبطة، أي إن آلية السوق لا يمكن الاحتكام إليها كوسيلة لإيصال الدعم إلى مستحقيه.
ولكن الإشكالية الكبرى بحسب الخضر تكمن بسوء الفهم في التعاطي مع مسألة عدم الربط الوثيق بين قرارات الحكومة على المستوى الكلي من جهة ونصيب الفرد من تغيرات الدعم من جهة أخرى، أي أن أقول أنا كفرد عندما ارتفع سعر مادة معينة بمقدار 20 ليرة سأدفع ما يكفيني في الشهر، ألف ليرة مثلاً، ولكني كفرد لا أعلم من وجهة نظر كلية للحكومة ما هو المقدار الذي حصلت عليه، وبشكل شخصي أقول لا يعنيني أن الحكومة كسبت عشرة مليارات على حين أنا خسرت ألف ليرة، وهذه مقاربة تحتاج إلى ثقافة بالتعامل بين الكلي والجزئي.
فما تحصل عليه الحكومة من رفع أسعار بعض أنواع السلع يذهب بشكل أو بآخر ليضخ في جيوب المواطنين ولكن الأكثر استحقاقاً وهذا ما يثبته زيادة حجم الدعم في هذه الموازنة، فكيف يمكن أن يفسر المواطن أن رفع أسعار بعض المواد المدعومة ووجود زيادة في المبلغ المقدم للدعم وفي النهاية يقولون إن الحكومة تتخلى عن الدعم وهو تفسير خاطئ؟
حيث إن هذه مقاربة تحتاج إلى فهم المفصل الرابط بين ما تحصل عليه الحكومة مجتمعة وما يحصل عليه المواطن منفرداً وما يسوّق هنا أنه لا يمكن للفرد أن يكسب إذا خسر الوطن وأن الحكومة هو هذا الرأس الذي يبصر من فوق أي إن قنوات التوزيع وقنوات الخسارة تلحظ من عين الحكومة وعلى الفرد أن يكون متقبلاً في ظل الظرف الحالي لمثل هذه القرارات لأنها لا تصب في مصلحة الحكومة وإنما تصب في مصلحة الفرد بالنهاية.

الجغرافيا الاقتصادية
ويشير الخضر إلى أن الموازنة العامة تتضمن شقين شقاً جارياً وشقاً استثمارياً، وفي الشق الاستثماري تصل تكلفة المشاريع الاستثمارية التي سيعمل بها إلى ما يقارب 500 مليار ليرة سورية وهذه الموازنة الاستثمارية هدفها إعادة التشغيل والإنتاج وهذا الأمر محفوف بتطورات الميدان فلا يمكن لأحد أن يظن بأن الموازنة العامة للدولة يمكن أن تصنع في المكاتب وتطبق فيها وعلى الجداول، وإنما الخطة بشقيها الجاري والاستثماري سوف يتم إسقاطها على أرض الواقع، والسؤال المهم هنا: هل الميدان السوري جاهز لتقبل هذا الفيض من الاستثمارات؟
وإن ما دار في الأروقة الحكومية وكان الطرح الأهم هو كيفية اللعب على ما يسمى الجغرافيا الاقتصادية، أي بمعنى كيفية تحويل المشاريع الاستثمارية إلى الواقع وانتقاء تلك الجغرافيا التي تتقبل الاستثمار لأنه من المعروف بشكل جلي أن عدم الاستقرار هو عدو للاستثمار، ولذلك فإن الخطة يجب أن تتصف بالمرونة مع إمكانية توجيه حجم الإيرادات المخصصة للاستثمار نحو أكثر القطاعات إنتاجية وأكثر هذه القطاعات قدرة على إعادة تدوير دورة الإنتاج والاستهلاك.

الموازنة ركزت على الأولويات
إن أهم ما تم التركيز فيه ضمن الموازنة كان وفقاً لأولويات واضحة، فالقطاع العسكري ودعم الجيش والقوات المسلحة يحظى بالأولوية الأهم والأعلى درجة لإعادة الأمان والاستقرار للبلد، كما تم التأكيد في الموازنة دعم القطاعين الزراعي والصناعي كقاطرة للاقتصاد السورية، والبحث في كيفية دعم هذين القطاعين من أجل تأمين الأمن الغذائي والمعيشي والاجتماعي والدوائي، والمهم بالمحصلة هي جهود التنفيذ التي سيتم التركيز عليها في المرحلة اللاحقة.

المتابعة والتقييم الدوري للأداء الحكومي
استشهد الخضر بتشديد رئيس الحكومة على الكثير من الحرص في المتابعة وتقييم الأداء بشكل دوري ومستمر أي إن الخطة يجب ألا تلحظ في نهاية العام، ويجب أن نبتعد عن فكرة قطع الحسابات، وانتظار الجهات العامة لنهاية العام لنقوم بتقييم إنتاجها وأدائها، حيث أكد وشدد رئيس مجلس الوزراء على أهمية المتابعة المستمرة من أجل تقويم الخطط وتعديل البرامج الاستثمارية والإنفاقية عند الضرورة، لذلك فإن خطة الموازنة وإن كانت لمدة عام، ولكن عندما نرى ضرورة لتغيير بعض المشاريع لتعزيز مشاريع أخرى أو إيقاف الإنفاق في مشاريع أخرى نتيجة لمتغيرات الواقع، فسوف نقوم بذلك، وهو ما تمت مناقشته أثناء انعقاد جلسات المجلس الأعلى للتخطيط الاجتماعي والاقتصادي وهذا الموضوع يحكم وفق بند مرونة الخطة التي تنبع من كون خطة الموازنة قابلة للتغيير والتعديل نتيجة الرقابة المستمرة على الأداء في المرحلة اللاحقة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن