قضايا وآراء

منذ متى كان الأميركيون حريصين على ماء وجههم؟!

| أحمد ضيف الله

ما أن أعلن رئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي في الـ9 من كانون الأول 2017، هزيمة تنظيم داعش بعد معارك استمرت نحو 3 سنوات، وقيام الطيران الأميركي بقصف رتل من قوات الشرطة الاتحادية في ناحية البغدادي بمحافظة الأنبار فجر الـ27 من كانون الثاني 2018، الذي أدى إلى استشهاد نحو 8 بينهم ضباط وعناصر شرطة ومسؤولون محليون، وجرح 20 آخرين، متذرعاً كعادته أنه كان خطأً غير مقصود، حتى طالبت قوى سياسية عدة بضرورة إنهاء وجود قوات التحالف الدولي لمحاربة تنظيم داعش الذي تشكل القوات الأميركية معظم أفراده، لانتفاء الحاجة لها.
المتحدث باسم مكتب رئيس الوزراء آنذاك سعد الحديثي، قال لصحيفة «الصباح الجديد» في الـ6 من شباط 2018: إن «مستوى وطبيعة الوجود الأميركي على الأراضي العراقية سوف يكون أقل مما كان عليه أثناء الحرب ضد الإرهاب، وخاصة بعد ما طلبت الحكومة العراقية من الجانب الأميركي ذلك لأن المتطلبات التي كانت تستدعي وجود هذا العدد لم يعد لها وجود».
وأكد في حينها المتحدث باسم وزارة الدفاع الأميركية إيريك باهون، بأن «البنتاغون متفق مع حكومة بغداد على تحويل مهمات القوات الأميركية إلى عمليات تركز على تدريب وحدات الجيش العراقي، ورفع جاهزيتها وقدراتها على محاربة الإرهاب».
وعلى الرغم من أن الاستخبارات الأميركية أبلغت الكونغرس خلال جلسة علنية في الـ13 من شباط 2018، بأن ثمة «خطراً جدياً ومتزايداً، متمثلاً في إمكانية قيام مجموعات مسلحة بهجمات على أهداف أميركية في العراق»، وبأن الوجود الأميركي لم يعد مطلوباً في العراق، ماطل الأميركيون في تخفيض عديد قواتهم وتحويل مهامها من قتالية إلى تدريبية، وزادوا عديدها من 5000 جندي إلى نحو 15000 جندي، إضافة إلى وجود أكثر من 16000 موظف في سفارتها ببغداد، ما دعا قوى سياسية وفصائل المقاومة العراقية إلى الإصرار على انسحاب القوات الأميركية من العراق، لأن بقاءها «يُعرض البلاد للانقسام الداخلي ويشكل نقطة جذب للإرهاب»، وإلا سيكون الرد «هو البندقية».
وبالتالي جاء إعلان الأمين العام للحلف الأطلسي «الناتو» ينس سوتلتنبرغ، عقب اجتماعٍ وزراء دفاع الحلف في بروكسل في الـ15 من شباط 2018، عن قرارهم بإرسال بعثة للعراق «لن تكون قتالية، وإنما ستكون ذات طابع تدريبي، بهدف المساعدة في رفع كفاءة القوات العراقية»، لأنه «من الخطر ترك العراق مبكراً، فلو فعلنا ذلك الآن قد نضطر إلى العودة مستقبلاً والانخراط في معارك، وهذا ما لا نرغب فيه». وقد جاء قرار الحلف هذا نتيجة للضغوط المكثفة التي مارستها الولايات المتحدة عليه، بهدف دفعه إلى لعب دور أكبر في العراق، كبديل احتياطي فيما لو أجبرت القوات الأميركية على سحب قواتها من العراق.
المواقف العائمة والملتبسة لرئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي، وتجاهله طلبات تقديم صورة واضحة لمبرر توسيع القواعد العسكرية الأميركية في العراق، ووجود العدد الضخم من الناقلات العسكرية والدبابات والطائرات فيها، وما دورها. وما إذا كانت القوات الأميركية ستنسحب جزئياً أم كلياً من العراق، أم أن ذلك غير وارد على الإطلاق، أوصل العراق إلى ما هو عليه الآن. وبالتالي ليس بمستغرب أن يقول رئيس كتلته النيابية «النصر» عدنان الزرفي في تغريدة له، عُقب تصويت المجلس النيابي مؤخراً على قرار إخراج القوات الأجنبية والأميركية من العراق: «لم نخسر حليفاً مفيداً فقط إنما ربحنا عدواً يخشاه الجميع»!
إن قرار الحكومة العراقية في الـ13 من شباط الحالي بالسماح لقوات حلف «الناتو» بالبقاء في العراق، وترحيب الأمين العام للناتو ينس ستولتنبرغ بهذا القرار بـ«تدريب القوات العراقية»، و«توسيع حجم جهوده في العراق»، هو تكرار لما سبق أن كان الأميركيون قد رتّبوا له فيما مضى في خداع العراقيين قبل عامين، ومحاولة ثانية للالتفاف على إصرار القوى السياسية والمقاومة العراقية على انسحاب القوات الأجنبية من العراق.
بطبيعة الحال، مهام حلف الناتو التدريبية، ستحتاج إلى قوات قتالية خاصة لحمايتها، وقوات أخرى سيجري اختراعها لاحقاً لدعم المهمة الأساس، ما يعني أن المحتل الأميركي سيبدل جلده بآخر.
وفي ظل عدم الإفصاح عن عديد قوات «الناتو» التي ستعمل في العراق وحجم القوات الأميركية فيها، فإن الادعاء بأن دخول «الناتو» إلى العراق وتوسيع مهامه، هو مخرج ليحفظ الأميركيون ماء وجههم من انسحاب مذل، حفاظاً على صورتهم، أمر مشكوك فيه، فمنذ متى كان الأميركيون يحرصون على ماء وجههم!

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن