قضايا وآراء

الرقص على جليد المستنقعات

د. قحطان السيوفي :

المتابع لتطورات الأزمة السورية يرى أن الأدوار التي لعبها بعض الدول العربية والإقليمية الحليفة للولايات المتحدة الأميركية في الشرق الأوسط كانت بمجملها تؤيد وتدعم وتمول وتسهل نمو وانتشار الإرهاب في المنطقة العربية. اليوم وبعد أربع سنوات ونصف السنة على الحرب في سورية… يلاحظ أن الدول الإقليمية الداعمة للإرهاب تعيش حالة عدم استقرار، وبدأ السحر ينقلب على الساحر ويذوق السم الذي صنعه ؛ ليستمر رقص حكام هذه الدول، بغرائزهم المتوحشة، على وقع تداعيات الأزمة السورية؛ تشريداً، وقتلاً، وذبحاً للسوريين… ولكن الراقصين هذه المرة…، بدؤوا يتدحرجون من مسرح أرضه صلبة إلى مسرح أرضه جليد هش لمستنقعات سيجدون أنفسهم غرقى في أوحالها الآسنة… مشاهد سيناريوهات مسرح الرقص تتبدل… وتتغير أرض المسرح وتتغير معها قوة الراقصين وطاقاتهم وغرائزهم الهمجية في مقدمتهم السلطان العثماني الجديد أردوغان الديكتاتور المهوس بالثأر من السوريين… والذي يعيش آخر مسلسل سيناريوهات مسرحيته.
 تركيا أردوغان العثماني… كانت أول من افتتح حفلات الرقص ابتهاجاً بسفك دماء السوريين… تسهيلاً وتشجيعاً لمرور آلاف المرتزقة القتلة إلى سورية.
 بعد أن جرّد الناخبون أردوغان وحزبه من أغلبيته في حزيران (يونيو) الماضي، تراجع أردوغان، المعروف بكثرة تصريحاته وبإلقاء المواعظ على الأتراك، وراء ستار من الصمت غير العادي إلى درجة أن المُهرّجين المحليين، وضعوا ساعة توقيت على الإنترنت لمعرفة الفترة التي سيبقى فيها صامتاً.
أخيراً، اتضح أنها لن تكون فترة طويلة. كان أردوغان يحلم بأن يمنح الناخبون حزب العدالة والتنمية أغلبية من شأنها السماح له بأن يستبدل الحكومة البرلمانية برئاسة تنفيذية. علماً أن استطلاعات الرأي لا تُظهر ما يُشير إلى أن الناخبين يريدون عكس النتيجة في الأول من تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل، ما يشير إلى إمكانية السقوط في الفوضى.
 القتال بين قوات الأمن التركية وحزب العمال الكردستاني تجدّد بعد أكثر من عامين من وقف إطلاق النار، الأمر الذي يمتحن تماسك تركيا ويُحيي ذكريات تمرد حزب العمال الكردستاني، الذي احتدم لمدة 30 عاماً وأسفر عن مقتل 40 ألف شخص. استئناف النزاع الكردي يأتي في الوقت الذي تُصبح فيه تركيا مُستقطبة بسبب طموحات أردوغان، وركود اقتصادها وانخفاض عملتها التي باتت عُرضة للصدمات الخارجية، كما أن المنطقة المُحيطة بها مُشتعلة.
 يقول محللون «إن هذا الحليف لحلف الناتو والعضو المُرشح للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، هو في خطر أن يُصبح رهينة طموح رجل واحد».
أردوغان المهووس بالسلطة يعيش وهم التفوّق على مصطفى كمال أتاتورك، مؤسس الجمهورية العلمانية، التي ترفضها جماعة أردوغان باعتبارها مجرد فترة فاصلة، تفصّل «تركيا الجديدة» الخاصة به، بعيداً عن ماضيها العثماني.
 أردوغان الذي تم تحدّيه في العامين الماضيين من قِبل احتجاجات على نطاق واسع بسبب استبداده وسياساته التدخلية، وبسبب تحقيقات الفساد التي وصلت إلى أعماق دائرته الداخلية، يحتاج إلى البقاء في السلطة بإحكام أو أن يُخاطر بمواجهة المحاكم.
 بالمقابل فإن تنظيم داعش الذي دعمه أردوغان سابقاً أصبح خطراً على تركيا، ويقول مختص أمن إقليمي في أنقرة «إن جماعة داعش تملك القدرة داخل تركيا».
 من ناحية أخرى فإن نهج أردوغان هذا، يُمكن أن يضع تركيا على خلاف مع الولايات المتحدة وحلفائها في حلف الناتو، الذين يرون قوات حزب الاتحاد الديمقراطي والبشمركة الكردية العراقية، على أنها قوى برّية موثوق بها ضد «داعش»، حتى إن البعض يرى الحركة الكردية؛ كأنها قوة علمانية ناشئة في منطقة غارقة بالتطرّف الديني والطائفية الوحشية.
 يقول سفير حلف الناتو «إن أنقرة تتصرّف بدافع من مزيج من المخاوف الأمنية القومية الحقيقية، مع كثير من جنون الشك والاضطهاد. حيث يعتقدون أن الأميركيين وحدهم هم القادرون على وقف مزيد من التقدّم (الكردي)، لذلك سنمنحهم بعض ما يريدونه.
 منذ صعوده إلى الرئاسة في آب (أغسطس) العام الماضي، استمر أردوغان في توسيع سلطته على حساب سيادة القانون والحريات الأساسية للتعبير والتجمّع. (الرئيس يُصدر قرارات حول السب والقذف مثل قصاصات الورق الملونة).
 كما أن هناك أيضاً استجابة سلبية من مؤسسات مثل المحكمة الدستورية، التي ألغت محاولات الرئيس الدورية لحظر وسائل الإعلام الاجتماعية.
 وكالة الاستخبارات الوطنية، التي تمرر تقاريرها إلى الصحافة التركية ذكرت تفاصيل تورط الحزب في توريد شحنات أسلحة إلى المُتمرّدين السوريين، التي تم تكوينها لمحاربة حزب العمال الكردستاني، لكن ليس بالضرورة لمحاربة «داعش»، يقول سنان أولجين، رئيس الوكالة الاستشارية EDAM، الليبرالية في إسطنبول «هناك أيديولوجية إسلامية تعمل، لكن قبل كل شيء هناك شهوة للسلطة وللهيبة والمكانة وللنفوذ».
 المعارضة الوطنية التركية وجهت انتقادات حادة لأردوغان بسبب التخبط في السياسة الخارجية التي تنتهجها تركيا… كما حمل (حزب الشعب الجمهوري) أردوغان مسؤولية (سوء إدارة ملف الأزمة السورية، وتحميل تركيا تبعات ذلك، من تعرضها لعمليات إرهابية) وتُركّز المعارضة على أن كل ما تعرّضت له تركيا من تهميش وعزلة، وحتى هجمات بسبب سياستها الخارجية، كان سببه فرض أردوغان رأيه الخاص على أجهزة الدولة التي عارضنه في البداية ثم استسلمت له.
 في الشأن المصري تراجع موقف أنقرة، من رفض للاعتراف بحكم الرئيس السيسي وإصرار على «شرعية الرئيس محمد مرسي»، إلى طلب لاستئناف العلاقات في مقابل «إطلاق الرئيس السابق محمد مرسي». وفي ليبيا، اختفى صوت أنقرة أخيراً، بعد ضبط سفنية تركية واتهامها بمحاولة تهريب سلاح لتنظيمات متطرفة.
مسلسل السيناريوهات هذه لمسيرة العثماني الجديد أردوغان قادته إلى مسرح للرقص على أرض من جليد هش لمستنقع مياهه آسنة… إنها نهاية راقص على جليد مستنقع.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن