الأولى

أردوغان «درع الإرهاب»

| بيروت – محمد عبيد

لا يتوقف رئيس النظام التركي رجب طيب أردوغان عن التذاكي ومحاولات تقديم نفسه على أنه هو الممسك بمفاتيح السلم والحرب على أكثر من محور في المنطقة، وآخر صيحاته القديمة-الجديدة إدعاء أنه يقود عمليات قوات جيشه المحتل للأراضي السورية تحت مسمى«درع الربيع» في محاولة للإيحاء أنه يحمل إلى الشعب السوري «ربيعاً» جديداً، بعدما سقطت مفاعيل دعاياته السياسية أنه يحاصر الإرهاب ويقاتله في سورية، وخصوصاً بعد انكشاف التماهي العميق بين قوات جيشه المحتلة ومجموعات الإرهابيين المستقدمين من أرجاء الدنيا وأدواتهم من السوريين الخونة لأهلهم ووطنهم في المعارك الأخيرة على مشارف إدلب.
لقد أظهرت هذه المعارك أن أردوغان ليس مُجهِزاً ومُدرِباً ومُموِلاً للإرهابيين فحسب، بل هو الناطق باسمهم وظهيرهم السياسي والإعلامي والعسكري أيضاً إذا استوجب الأمر، وأن كل ما سبق وادعى أنه سيلتزم به من تفاهمات أستانا إلى اجتماعات سوتشي وطهران وحتى أنقرة ليس سوى مناورات لكسب الوقت، وذلك بهدف فرض وقائع عسكرية وديموغرافية على الأرض تكون هي المُلزِمة بدلاً من بنود تلك التفاهمات. وكأن القيادتين الروسية والإيرانية الشريكتين الضامنتين للتفاهمات المذكورة ليستا سوى المعبر السياسي المتاح لتكريس تلك الوقائع التي تهدف إلى إلحاق الشمال السوري وجودياً بسلطنته المرجوة.
والأخطر من ذلك كله أن أردوغان يحاول أن يكرس في أذهان الرأي العام التركي والعالمي من خلال خطابه السياسي والإعلامي أن احتلاله للشمال السوري حق مكتسب، وأنه لا يمكن توفير مظلة أمان للشعب السوري إن لم يتم اقتطاع هذه المنطقة من الجغرافيا السورية، وأن «المعتدي والمحتل» هو الجيش العربي السوري، ما يعني بالتالي أن مشروع تقسيم سورية الذي حمله وعمل أردوغان ونظامه على تنفيذه منذ بداية الحرب على سورية مازال قائماً، وأن المسايرة التي أبداها لشريكيه المفترضين في مسار أستانا كانت من أجل إضفاء شرعية من أقرب حليفين لسورية على مشروعه المستتر هذا.
وهو مشروع يتناغم ويتقاطع مع المسعى الأميركي الدائم لإنشاء مجموعة كانتونات موزعة على الخريطة السورية، أولها: «كانتون كردي» في منطقة شرق الفرات وصولاً إلى الحدود العراقية يتمتع باستقلالية إدارية وسياسية وأمنية تامة، ووفقاً لمصادر دبلوماسية مطلعة فقد أعدت دوائر الإدارة الأميركية العديد من المشاريع الإنمائية والإنتاجية لتعزيز استقرار مكونه بما يؤمن تثبيت هذه الاستقلالية، إضافة إلى إمكانية تعزيز أواصر الترابط والتواصل بين هذا الكانتون المفترض وبين إقليم «كردستان العراق» الذي يعمل أبرز مؤسسيه «مسعود البرزاني» على إنجاح مشروع إنشاء هذا الكانتون على اعتباره امتداداً «عرقياً» وسياسياً طبيعياً لمشروع البرزاني الانفصالي لتقسيم العراق.
لذلك تصرفت القوى الكردية الانفصالية وكأنها غير معنية بالمواجهة المباشرة بين الجيش العربي السوري وبين جيش الاحتلال التركي، مع العلم أن نظام أردوغان يتذرع بأن وجود هذه المجموعات الانفصالية هو أحد أهم الأسباب التي تدفعه لتكوين شريط حدودي يعزلها عن الحدود التركية!
وثانيها: كانتون جنوبي يضم مثلث: السويداء، القنيطرة، درعا وصولاً إلى الحدود الأردنية، إضافة إلى وظيفة هذا الكانتون المفترض الإمساك بخط الانتقال والنقل الإستراتيجي الذي يؤمن الربط بين سورية والبلدان العربية من البوابة الأردنية، مع ما يعنيه ذلك من تحكم بجزء أساسي من حركة تواصل الشعب السوري مع أشقائه العرب ومن سيطرة على اقتصاد هذا الشعب وبالأخص قدرته على تصدير منتجاته الصناعية والزراعية والتجارية، إلى جانب أن الخطر الإستراتيجي الأعمق الذي يفرضه إنشاء هذا الكانتون يتمثل بتكريس عازل جغرافي وديمغرافي مانع للتواصل مع الجولان السوري المحتل والتفاعل مع أهله الصامدين المتمسكين بسوريتهم وبعروبتهم، وهو أمر يندرج في إطار تهيئة الأرضية المناسبة لتكريس قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب الاعتراف بالجولان السوري كجزءٍ من «الكيان الصهيوني» واقعاً ثابتاً، كما أنه يمهد الطريق لإخراج دولة عربية قومية كسورية من معادلة المواجهة ضد ما يسمى «صفقة القرن».
بناءً على ذلك كله، تعتبر معركة تحرير الشمال السوري كاملاً محطة مفصلية في معركة مواجهة مشروع تقسيم سورية وإخراج جيوش الاحتلال الأجنبية من أراضيها، وفي مقدمهم الجيشان الأميركي والتركي وأدواتهما الانفصالية الكردية والإرهابية جميعها.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن