من دفتر الوطن

تمرد الأبجدية!

| عصام داري

كنت قد أخذت عهداً على نفسي بألا أكتب أي زاوية تحمل نقداً وانتقاداً وتلميحاً وتصريحاً للفساد والفاسدين والمفسدين في الأرض، ليس خوفاً من المحاسبة والعقاب، وعلى الأقل العتاب، بل لأن كلامي لا يغادر ورق الصحيفة، وكما تغني فيروز: ما في حدا لا تندهي ما في حدا!
ومازلت ملتزماً بهذا التعهد، ولن أشتكي من أحد أو على أي شيء يعكر مزاجي، فأنا عصي على تعكير المزاج، ومن المستحيل أن ينجح أحد في زحزحتي عن هذه القناعة، تصوروا أن ارتفاع سعر اللحمة الجنوني لم يحرك فيّ ساكناً، وأكلنا طبختنا من دون لحمة، والله لم يحدث معنا مضاعفات، كل الذي حصل «شوية» آلام في الأمعاء، و«مشي الحال».
أما بالنسبة «للمشاوي» فقد احتفظت ببعض الصور من الزمن الجميل عندما كان عندنا نظر وكنا قادرين على إقامة حفلات الشواء، فأنشر هذه الصور على حيطان بيتنا لنخزي العين، ونؤكد للحكومة المهضومة أننا صامدون معها ولو طلبت منا أن نتبرع بلحمنا وعضمنا، ويكفينا الخبز كفاف يومنا.
لم يزعجني رفع سعر البنزين، هذا أمر طبيعي للحكومة التي تريد توفير الأموال اللازمة للمشاريع الحيوية، ومع أني لا أعرف ما تلك المشاريع لكنني متأكد أنها حيوية، يكفي أن تقول السلطات المختصة إنها مشاريع ذات إنتاجية عالية حتى نصدق من دون أي تردد، فهل نشكك بتلك السلطات ومصداقيتها؟ عيب علينا أن نتجنى على السلطة التنفيذية!
وهكذا أتعامل مع كل شيء يرتفع لأنني على قناعة بأن ما طار طير وارتفع إلا كما طار وقع وانكسرت رقبته، حتى الفاسد في بلدنا يشبه الطير الذي يطير ويرتفع، وربما سيقع ذات يوم بعد أن نكون قد صرنا في الدار الآخرة، وسيصلنا فاكس من عالمكم يخبرنا بأن الطير الفاسد وقع، ولكن أين وقع؟ على صفقة جديدة تجعله فاسداً مع درجة الامتياز!
حماقة أن تغامر وتنتقد أداء أي شخص تصادفه، أو ترى أنه مقصر في أداء عمله، فأنت توجه إهانة للمسؤولين الذين وضعوه في منصبه ووضعوا ثقتهم به، في هذه الحالة تكون قد فتحت على نفسك «عش الدبابير» وتصبح أنت المقصر والخارج على قانون القبيلة وشريعة حمورابي!
أنا شخصياً امشي الحيط – الحيط وأقول: «يا رب السترة» ولا أريد أن أنام بين القبور وأرى المنامات البشعة، لذا حلفت بأغلظ الأيمان بألا أقرب من الخطوط الحمراء، وأترك ما لقيصر لقيصر، وليس لي في الأمر ناقة ولا جمل.
هذه الزاوية زاخرة بالأمثال الشعبية، وذلك كله كي أؤكد أنني فعلاً رجل مسالم ولست صدامياً، وكل ما أكتبه ليس سوى كلمات وجمل وعبارات وزوايا لا تمت لي ولا لأفكاري بصلة، فهل يعقل أن أتجرأ وأنا العبد الفقير لله الغني عن سواه وأنتقد حكومتي المحبوبة؟
يا جماعة أنا أعلنها على الملأ:أنا أعشق الحكومة المهضومة، وكل ما في الأمر أن الأبجدية وحروفها تمردت على قلمي وفكري وعقلي فخرجت هذه الزاوية وغيرها على غير إرادة مني، وها أنذا أتبرأ من كل ما كتبته وأعلن توبتي النصوح، وعليه أوقع.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن