ثقافة وفن

موسوعة الآثار في سورية إنجاز سوري لسورية … الخبراء يوثقون تاريخ الأرض ..مما قبل التاريخ وحتى نهاية الأعصر الإسلامية

إسماعيل مروة :

تلك هي الكنوز، بين ما يطلق عليه اسم الأثر المادي، والأخرى الأثر اللامادي، وبعيداً عن المصطلحات ودلالاتها وضروراتها تمثل الآثار السورية منجماً من القيمة الحضارية والإنسانية، وقد لا يتنبه أكثر السوريين إلى ما لديهم من آثار وكنوز، ولكن الأحداث التي تعصف بسورية عرفت السوريين أهمية تراثهم وآثارهم، وكشفت جوانب لم تكن قد كشفت لكثيرين من قبل، وخاصة أن الظروف المعيشية قد حالت في مراحل سابقة من دون أن يتعرف السوريون على آثارهم، وكثيرون لم تتهيأ لهم الفرصة للدوران في أرجاء سورية، والآثار ليست تلك المطمورة داخل الأرض، أو الرقم والفخاريات، ففوق الأرض السورية آلاف الآثار الباقية من قصور ومعاهد ومدارس ومستشفيات، حتى الدور الخاصة، وربما احتاجت هذه الآثار عناية أكثر لما لها من دلالات مهمة على الحضارة السورية وعمقها واستمراريتها، إضافة إلى أن هذه الآثار توضح الهوية السورية المتعددة، فمن تعدد الآلهة إلى التوحيد، ومن منحوتات إلى مقامات وأولياء وقديسين، تلك هي سورية.

الحاجة إلى موسوعة آثارية
حظيت الآثار السورية ببعض عناية من الباحثين في الداخل والخارج، ولكنها بقيت جهوداً فردية تقوم على حب أصحابها وتجاربهم وخبراتهم، وقد انقسمت جهود التأليف في الآثار السورية إلى قسمين اثنين، الأول كان من باحثين متخصصين، لم يرافقوا الكشوف وحسب، بل كانوا أصحاب رأي وخبرة ومعرفة وتخصص في الآثار وصل هذا التخصص مرحلة العالمية، وشهد لهم الآخر، واعتمد مؤلفاتهم من أمثال ما قدمه الراحل عدنان البني في دراسات قد تكون وحيدة في مجالها، والقسم الثاني هو مجرد انطباعات ومشاهدات عاطفية لا تقدم ولا تؤخر، وإن كانت قد عرفت القراء بالآثار، وقدمت لهم معلومات عامة مهمة، لكنها لم تدخل في صميم الآثار ومخططاتها ودراساتها، وذلك لقلة بضاعة هؤلاء اللهم إلا إذا رأينا الاندفاع والحب خبرة! وللحقيقة فإن القسم الثاني استنفد الغرض من وجوده، وربما وصل حداً من المبالغة أبعد الناس من رؤية الأثر ومتابعته ومعرفته، والقسم الأول وحده لا يمكن أن يكون كافياً، وقلما يأتي متخصص يملك القدرة على مغادرة الآثار للتأليف والتصنيف والتوثيق، ومن هنا برزت الحاجة الملحة إلى وجود موسوعة آثارية تحفظ آثار سورية وتقدمها بطرائق علمية بحثية عالية المستوى، وازدادت الحاجة ونحن نرى آثار سورية تتعرض للدمار، وآلهتها بتعدد وظائفها تتهاوى أمام معاول الأيديولوجية، والإهمال، وقلة الدراية بأهميتها لسورية الإنسان والتاريخ والأرض، وللحق فإنني بمعلوماتي القليلة كنت أظن أن الأمر لا يحتاج، أكثر من مجلد يحفظ هذه الآثار إلى أن زرت استاذي الدكتور محمود السيد مدير عام هيئة الموسوعة العربية وبالمصادفة البحتة لفت انتباهي عنوان (موسوعة الآثار في سورية) وسألته، فقدّم لي نسخة منه، ووجدتها تحمل عنوان الجزء الأول، وبالحروف لم تصل إلى منتصف الحرف (الألف)، وحين سألته عرفت أن الموسوعة قد تتجاوز المجلدات العشرة، وتحفظ آثار سورية بالكامل.

الموسوعة والمنهج
هيئة الموسوعة أصدرت من (الموسوعة العربية) وكانت مثالاً حياً وطيباً ومشرقاً للموسوعات العربية لاعتمادها الاستقصاء والعلمية والخبرات المتخصصة، وبحق فقد كانت الموسوعة العربية من أرقى الموسوعات العربية شكلاً ومضموناً، وحين اطلعت على موسوعة الآثار وجدت أن المنهج ذاته اتبع فيها، فنحن أمام هيئة تحرير خبيرة، وعدد من أفرادها ليس معروفاً على المستوى العام لاقتصارها على العلم والبحث والعمل الميداني الأصيل في الآثار، وهيئة التحرير توزعت بين عصور ما قبل التاريخ، والعصور التاريخية، والعصور الكلاسيكية والعصور الإسلامية، وهذا التوزع يعطي صورة عن الآثار التي سيتم التعامل معها، فنحن أمام لجنة عريضة المهام غايتها حفظ آثار سورية لا الاقتصار على عصر والانحياز له، فنحن لسنا أمام سورية قبل الأديان وحدها، ولسنا أمام هوية إسلامية فقط، ومن ثم نحن أمام مجموعة من خبراء التقويم للأبحاث، وهم من خيرة خبراء التاريخ والآثار، وثمة لجان أخرى، أما المنهج فيقوم على اختيار الخبير في المجال وتكليفه ببحث علمي يخضع للتقويم، ثم يتم اعتماده ونشره، ولكل بحث تم تصنيفه على حروف الهجاء مؤلف، وينتهي كل بحث بقائمة لأهم المصادر والمراجع بالعربية وغيرها من اللغات، لتقديم معلومة موثقة ليست من بنات خيال الكاتب وأمنياته، وفي كثير من المواد نرى مخططات ومساقط إنشائية ومعمارية نفتقدها في الكتب الأخرى.
الأقلام التي كتبت المواد بعضها غير معروف لدى كثير من القراء، وهذه ميزة للموسوعات التي لا تعتمد على الأسماء المعروفة قدر اعتمادها على الخبرة الحقيقية التي على تماس مع المادة المكتوبة.

الإخراج والهيئة
اعتمدت هيئة الموسوعة إخراج الموسوعة بالشكل اللائق الذي يحاكي الموسوعة العربية المنشورة سابقاً، وقد جاءت ملونة حين أمكن التلوين، ومخططة وبالأبيض والأسود وبدقة عالية في كل رسم أو شكل أو أثر، وهذا الشكل يليق بسورية وآثارها، وكل ما أرجوه أن تصدر الأجزاء الأخرى تباعاً وبسرعة لتكتمل موسوعة آثار سورية، وتكتمل صورة سورية لدى المهتم، ولدى السوري، وكل الشكر لهيئة الموسوعة العربية لعملها الجليل هذا الذي يحتاج إلى فرق عمل حقاً ولا يمكن إنجازه حجماً وتكاليف من أشخاص أو فرق صغيرة، ويا لها من مهمة سامية ندبت الهيئة نفسها لها.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن