ثقافة وفن

«بكرا إلنا».. اكتشاف المواهب الصغيرة في المدارس … غطفان حبيب: خلق نظرة إيجابية لدى الجيل الجديد.. وتوجيهه ليصبح إنساناً فعالاً ونشيطاً

وائل العدس :

في واحدة من نشاطات مشروع «بكرا إلنا».. يفترش الطلاب الساحة الخضراء داخل قلعة دمشق، ليعبر كل منهم عن مواهبه ومكنوناته الداخلية ليشكل لوحة فنية تعبر عن ذاته تحت إشراف أستاذ مختص.

جمالية بصرية
البداية مع غطفان حبيب أحد مشرفي المشروع، وهو مدرّس في المعهد التقاني للفنون التطبيقية ودكتور بالفنون الجميلة حيث قال: انطلق المشروع باكراً منذ عام 2013 برعاية محافظة دمشق لاكتشاف المواهب الصغيرة في المدارس، بهدف خلق نظرة إيجابية لدى الجيل الجديد، هذا الجيل من عمر ست السنوات حتى الخامسة عشرة ونتيجة للأزمة التي تمر بها سورية، تحول تفكيره نحو الأمور السلبية نتيجة المشاهدات والإساءات السمعية والبصرية التي يعيشها ويتعرض لها.
وأضاف في تصريحه لـ«الوطن»: من خلال مشروعنا هذا، نعمل على تصفية رؤيته بشكل عام من خلال جذبه نحو هذه الفعالية الفنية التي تتضمن الرسم والموسيقا والتمثيل والرقص إضافة للرياضة، بحيث نخرجه من حالة الطاقة السلبية ونوجهه ليصبح إنساناً فعالاً ونشيطاً وينظر للحياة بشكل إيجابي، فاللون يضفي لمحة جمالية بصرية للشخص، لذا وجهنا الطفل نحو الألوان بإيجابية بدلاً من الصور الدموية والعفنة والبشعة التي يعايشها ونعايشها من خلال التفجيرات والقذائف والأحداث التي يمر بها الوطن.

مشروع وطني
وأوضح: نجتذب هذه المواهب من المدارس ونحاول رعايتهم وتأمين كل المواد اللازمة من ألوان ودفاتر وغير ذلك، إضافة إلى مكافآت للمتميزين، وخلال هذا الشهر سنقيم مسابقات وهناك مكافآت للطلاب أصحاب المراكز الأولى، قبل الانطلاق نحو مرحلة جديدة لمواكبة الطالب وصولاً لإقامة معرضه الأول.
وعن المعايير التي يتم من خلالها انتقاء الطلاب يقول حبيب: كون العمل مشروعاً وطنياً، فمعياره حب الطالب للعمل، فأي شخص يرغب في المشاركة في هذا المشروع مرحب به حتى لو لم يكن لديه أي خلفية فنية، علماً أن لدينا مستويات متعددة من الطلاب، منهم فنانون ولديهم عملهم كمحترفين، وهناك الراغبون الذين ليس لديهم خبرة فنية جيدة نرعاهم ونصقلهم لتعزيز خبرتهم الفنية، وهناك المستوى الثالث وهم ليس لديهم أي فكرة عن الفن، لذا بدلاً من انحراف سلوكه نستقبله ونقوّم سلوكه ليصبح إنساناً إيجابياً.
طاقة إيجابية

وأكد أن قلعة دمشق هي واحدة من أصل 64 مركزاً، مؤكداً: نحن موزعون على مراكز دور الإيواء والمياتم والملاجئ التي خصصتها الحكومة لاستقبال النازحين والإسعاف الخيري وبعض المدارس المنتقاة من قبل مديرية التربية بدمشق، وقلعة دمشق هي مركز أساسي ورئيسي في هذا المشروع، وباقي المراكز سنختار منها بعد المسابقات ثلاثين مركزاً لرعايتها، والباقي سنحلها ونلحقها بأقرب مراكز تم انتقاؤها بالنسبة لهم.
وعن تقييمه لتفاعل الطلاب وردة فعلهم تجاه الملاحظات التي يوجهها إليهم، قال: رغم الظروف الحالية وتساقط القذائف فإن الحضور جيد جداً، وبرأيي لولا معرفتهم بوجود طاقة إيجابية وحبهم للتعلم لما كانوا يحضرون، وهذا يعني أننا استطعنا زرع بصمة إيجابية وجيدة في نفوس الطلبة، واستطعنا توجيههم نحو الطريق الصحيح.
وأشار أخيراً إلى أنهم سيدعون لحضور معرضهم الأول في قلعة دمشق وبعدها المعرض المشترك للمشروع في مدينة الجلاء الرياضية.

عمر متقارب
أما أحمد سواح المدرب بالمشروع، فيبدو عمره متقارباً للمتدربين لكنه يشرف عليهم، ويقول: أحب الرسم منذ صغري وبدأت بتعلمه، ولاحظت أنني أرسم بشكل جميل فتعبت على نفسي حتى وصلت لمستوى جيد، فأحببت أن أنقل ما تعلمته في مجال الرسم لغيري وأدربهم عليه.
وأكد أن أهم الملاحظات التي يبديها تتعلق بالمنظور وتحديد زاوية الظل والنور وإعطاء النسبة اللونية المناسبة لكل منهما، وكيفية تنفيذ الرسم بشكل صحيح، إضافة إلى ملاحظات تتعلق بالظل إن كان بالحبر أو بالألوان.
واختتم بالقول: تم انتقائي من قبل الأستاذ غطفان لأكون مشرفاً، وما شجعني هو تقارب العمر بيني وبين المشاركين، الأمر الذي كسر النظرة الكلاسيكية تجاه المدرب، فيتم التعامل بيننا كأصدقاء وفي الوقت نفسه أنقل خبرتي إليهم ليصلوا لمستويات أفضل من السابق.

التظليل والتلوين
وبالانتقال إلى المتدربين، التقت «الوطن» الطالبة في الصف الثاني الثانوي لين طباخة (17 عاماً) فقالت: هوايتي الرسم وأحبها كثيراً وعندما علمت بالفعالية أحببت المشاركة بها لإظهار موهبتي وتعزيز قدراتي، وأتقبل ملاحظات الأستاذ غطفان بشكل طبيعي، فأنا أرسم وهو يتابع عملي ويخبرني بأخطائي، وإن وجدت أصححها.
وأكدت أنها لم تخضع لدورات سابقة في الرسم، وهذه هي المرة الأولى التي تشارك فيها بفعاليات كهذه، وأضافت: لم يكن رسمي جيداً في السابق، ولكن بعد أن شاركت في هذه الفعالية وبمساعدة الأستاذ المشرف استطعت أن أرسم بشكل أفضل وتطورت موهبتي للأفضل، وتعلمت أموراً جديدة في مجال الرسم ومن أبرزها التظليل والتلوين.
وكشفت أنها تشارك بلوحة اختارتها بمساعدة الأستاذ وبدأت برسمها، وبدأت الرسم بقلم الرصاص ثم التحديد بالحبر ومن بعدها التظليل.

الرسم التجريدي
أما بشر الجلاد (17 عاماً) والطالب في الشهادة الثانوية فيرسم بالألوان المائية وقال: غيري يرسم بأقلام الرصاص أو الألوان، وكل منا يختار ما يريحه ويحبه للعمل، لكني أحسست أن الألوان تستطيع التعبير عني وتساعدني على الإبداع أكثر من أي نوع آخر من أنواع الرسم، وكنت محتاراً في البداية بين عدة رسومات، لكن بمساعدة الأستاذ اخترنا لوحة تناسب مستواي كبداية ومن ثم ننتقل لمجال أعمق وأفضل.
وأردف: أرسم فتاة حولها مجموعة من الألوان، وهي قريبة من الرسم التجريدي، وأنا أحب هذا النوع من الرسم، لكون الرسم الواقعي لا أستطيع أن أعبر عنه بقوة أكبر لأنني مبتدئ، فأشعر أن التجريدي أقرب لفكري، وسأشارك بهذه اللوحة في معرض المركز، وقد استفدت كثيراً من مشاركتي في هذه الفعالية وطورت خبرتي بشكل أفضل.

«بكرا إلنا»
يهدف مشروع «بكرا إلنا» إلى تنمية المواهب الفكرية والفنية والثقافية والرياضية لطلاب المدارس في دمشق وتنمية حبهم للوطن والانتماء إليه وتعزيز شعورهم بأن سورية هي الأسرة الكبيرة التي ترعى أبناء الوطن جميعاً.
كما يهدف أيضاً إلى حماية الشباب من مخاطر الانحراف والانزلاق والاستفادة من المواهب الكامنة التي يتميز بها مجتمعنا السوري والعمل على صقلها وإبرازها.
وتكمن فكرة المشروع الأساسية في انتقاء المواهب بالاختصاصات الرئيسية التالية: رياضة، موسيقا، رسم، ومن ثم تنمية مواهبهم عبر إخضاعهم لدورات مكثّفة بعد الدوام المدرسي يتم فيها تدريب كل موهبة على حدة عبر مدرسين اختصاصيين في المراكز التدريبية، ولا يقتصر المشروع على الاختصاصات السابقة الذكر بل يتعداها ليشمل موهبة التمثيل وإلقاء الشعر وكتابة القصص وأي موهبة غير تلك المواهب توجد في أي مركز من المراكز التدريبية سيتم انتقاؤها ورعايتها.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن