من دفتر الوطن

أنا والعذاب و.. كورونا!

| عصام داري

انشغل العالم بفيروس كورونا، فساد الرعب والهلع واتخذت الإجراءات الاحترازية للتصدي له ومنعه من الوصول إلى هذه الدولة أو تلك، وأنا «ولا أنت هنا» أتابع الأخبار وكأنها تجري في كوكب يبعد عن الأرض آلاف السنوات الضوئية، وهكذا حتى وقع المحظور ووجدت نفسي وجهاً لوجه مع السيد كورونا المحترم.
بالمصادفة البحتة التقيت به وأخبرني باسمه الصريح، وعندما أردت التأكد من حقيقته أبرز لي هويته على طريقة راجح في مسرحية «بياع الخواتم» للرحابنة، فوليت الأدبار وهربت منه بسرعة الضوء، لكنه كان أسرع مني فقطع الطريق علي فتوقفت وأكاد أموت رعباً.
رجوته الابتعاد عني وأن يتركني بحالي فما زلت مثل كل الناس أعشق الحياة وأبتعد عن الموت قدر المستطاع، ، وذكرته بأغنية عازار حبيب التي يقول فيها:ما بدنا قصور ولا مال.. بدنا من الدنيا نشبع، شو قولك!.
حكيت له حكايتي، وأنني مواطن فقير و«معتّر» يحاصرني العذاب من الجهات الأربع، وحتى من البعد الخامس والسادس والسابع عشر، فجأة نطق بلغة عربية سليمة وليس مثل معظم مذيعاتنا ومذيعينا الحبابين، وقال: يا سيدي، لماذا أنت خائف مني لن أؤذيك، ولن أقترب من أي سوري معتر مثلك، بدليل أنني ابتعدت عن سورية فور معرفتي بما حدث فيها على مدى عشر سنوات ونيف!
هدأ روعي قليلاً وسألته: هل أنت فيروس من صنع البشر وتدخل في إطار الحرب الكيميائية والجرثومية، أم إنك من صنع الطبيعة الجبارة والغدارة أحياناً؟
قال: لا أستطيع الإجابة، فهذه الأمور من سر المهنة!
– يا سلام، إنك تعترف أنك تمتهن إصابة الناس بالمرض، وبالتالي بالموت مع سبق الإصرار والترصد!
– ليس بهذا التوصيف بالضبط، بل يموت الناس من جراء عملي، وأنا لا أقصد أن أساعد عزرائيل في مهمته، لكنني لا حظت أن عملي يؤدي إلى الموت وأنا أعتذر من كل الذين ماتوا بسببي!
– وما فائدة الاعتذار بعد موت الناس، وهل سيعيدهم الاعتذار للحياة؟
– المهم أنني اعتذرت لأشخاص ماتوا بسببي من دون قصد، في حين لا يعتذر الإنسان من أشخاص ماتوا بسببه بقصد وتعمد!
– المهم، كيف نبتعد عنك، الإجراءات المعلنة تقول إن أول شيء علينا أن نلتزم به للهروب منك ومن المرض والموت هو النظافة؟
– وياسيدي، النظافة أنواع، فليس بغسل اليدين بالماء والصابون وكل المطهرات نكون التزمنا بالتوصية الأولى.
لم أفهم، هل تقصد أن النظافة لها أكثر من معنى ومرادف؟
– بل النظافة هي نظافة القلب والعقل واليد.
– هل تقصد أنك ستعدي أصحاب الأيادي السوداء والقذرة.
– احتمال!!.
– وستحارب الفاسدين والمرتشين والمحتكرين وتجار الأزمة وسارقي لقمة الفقراء؟
– يمكن!!
– لكنك لم تدخل سورية بعد، فكيف ستصل إلى أعدائك وأعدائنا معاً؟
– أسجل بعض المعلومات عن هذا الجيش الصغير وسأرسل لكل فرد منهم رسالة تحذير لمرة واحدة، وبعد ذلك..
لم أتركه يكمل كلامه فقلت له قبل أن أودعه: إذا كان هؤلاء عذبونا طوال سنوات خلت، لكننا لن نقبل أن تغتالهم بجبروتك وقوتك القاهرة، فنحن ندرك أنهم سينالون عقابهم يوماً ما ولو بعد مليون سنة ضوئية!

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن