قضايا وآراء

نعم.. إنها روسيا- بوتين العظمى

مأمون الحسيني

 

لعل الرسالة الأبرز التي وجهها العرض العسكري الروسي الأضخم في تاريخ البلاد، بمناسبة الذكرى السبعين للانتصار على النازية الذي يسميه الروس «الحرب الوطنية العظمى»، هي أن روسيا بوتين، سليلة الاتحاد السوفييتي الذي دمرت معظم مدنه وبناه التحتية، وقدم نحو 26 مليون شهيد في هذه الحرب، قبل أن يتمكن جيشه «الأحمر» من تدمير أكثر من ثلاثة أرباع الجيش الألماني واحتلال الشطر الشرقي من برلين، مصرة على مواجهة الغطرسة والتوحش العسكري والسياسي الأميركي الذي لم يكتف بتصعيد الموقف حيال الأزمة الأوكرانية، ورفع منسوب توظيفه لمنظمات الإرهاب والتكفير العابرة للحدود والقوميات، وللأنظمة والكيانات العميلة لتدمير دول وجيوش وشعوب سورية والعراق واليمن وليبيا وغيرها، وإنما تعدى ذلك إلى الإعلان عن إقامة ست قواعد عسكرية لحلف شمال الأطلسي في شرقي أوروبا، وتشكيل قوة رأس حربة في رومانيا قوامها خمسة آلاف رجل، وستة «مراكز للقيادة» في مواجهة الروس، إضافة إلى إقامة ونشر الدرع الصاروخية في عدد من البلدان المحاذية لروسيا، وفي مشيخات ومحميات الخليج العربي التي تشن حرب إبادة مباشرة ضد الشعب اليمني.
ولأن القيصر الجديد الذي شهدت سنوات حكمه ارتفاعا في مستوى المعيشة والاستقرار، وانبعاثا للعزة القومية الروسية التي تهشمت في عهد بوريس يلتسين، يدرك تماما أن هدف إضعاف بلاده يحتل موقع الصدارة في إستراتيجية إدارة أوباما وسياقات حروبها «الناعمة» في أوكرانيا والمشرق العربي وسواهما من مناطق العالم المختلفة، فقد تعمد أن تكون مناسبة دحر النازية في الحرب العالمية الثانية، والتي كانت تتعرض للسطو من قبل دول الغرب التي لم تقدم ربع ما قدم الاتحاد السوفييتي من تضحيات، فرصة استعراض وكشف حساب لمواطن القوة والإمكانات، سواء على المستوى السياسي- الدبلوماسي من خلال رصد مشاركة، أو عدم مشاركة، رؤساء الدول الأجنبية والمسؤولين السياسيين في هذه الاحتفالية، أو على المستوى العسكري عبر عرض بعض الأسلحة والعتاد الأحدث والأكثر تأثيرا في الترسانة العسكرية الروسية المرشحة للمزيد من التطور بعد ارتفاع نفقات الدفاع الوطني في ميزانية الدولة الروسية للعام الجاري بنسبة 23 بالمئة، لتصل بذلك إلى 21 بالمئة من إجمالي النفقات العامة.
في المستوى الأول، شارك في الاحتفالات الروسية 30 رئيساً من أصل 68 وجهت لهم الدعوة، إضافة إلى عدد من رؤساء الحكومات والمسؤولين الأجانب، وكان أبرز المتغيبين هم قادة الدول الغربية الذين وجه الرئيس بوتين التحية لبلدانهم لـ«مساهمتها» في الحرب العظمى، أما في المستوى الثاني، فإضافة إلى مشاركة آلاف العسكريين والمحاربين القدامى، ومشاركة جنود حرس الشرف الصيني، وجنود من أذربيجان وأرمينيا وبيلاروسيا وكازاخستان وقيرغيزستان وطاجاكستان والهند ومنغوليا وصربيا، تم استعراض أنواع مختلفة ومتعددة من معظم صنوف الأسلحة التقليدية والإستراتيجية، من بينها أسلحة تعرض للمرة الأولى، من نمط منظومة «إس 400»، والصواريخ الباليستية «ار اس-24 يارس»، وهو ما يترجم، وإن بشكل أولي، تأكيد وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو بأن روسيا، ووفقا للمهمة التي حددها الرئيس بوتين، لن تسمح لأي دولة أخرى بأن تتفوق عليها عسكريا، وكذلك تشديد رئيس أركان القوات المسلحة، الجنرال فاليري جيراسيموف، على أن ترسانة روسيا النووية ستضمن تفوقا عسكريا على الغرب مع مضي موسكو قدما في خطة تكلف عدة مليارات من الدولارات لتطوير قواتها في حلول 2020.
هذه المشهدية الروسية التي تشكل إحدى نقاط العلام المضيئة في الطريق نحو العالم المتعدد الأقطاب، رغما عن أنف الولايات المتحدة وحلفائها وأتباعها وأدواتها، كان قد استبقها الرئيسان الروسي والصيني بتوقيع نحو 40 اتفاقية للتعاون الثنائي في مجالات الطاقة والتمويل والصناعات الجوية والفضائية، بعد أن باتت الصين، صاحبة مشروع البنك الآسيوي للاستثمار في البنى التحتية AIIB، حسب الرئيس بوتين، «الشريك الإستراتيجي الأساسي» لبلاده بعيد وصول العلاقات بين البلدين إلى مستوى «عالٍ للغاية وغير مسبوق».

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن