قضايا وآراء

واشنطن بين خيارين تجاه الدور الروسي المتعاظم «أحلاهما مر»

تحسين الحلبي :

هل فقدت واشنطن جزءاً كبيراً من زمام المبادرة في الشرق الأوسط أم إن ارتباكاً ساد لدى أصحاب القرار في الخارجية الأميركية ووزارة الدفاع، وما زال أوباما ينتظر خطة استعادة الجزء الذي فقده في زمام المبادرة؟ إن الإجابة عن هذا السؤال أصبحت هي الموضوع الرئيس لدى عدد من المحللين المختصين بالشؤون الإستراتيجية الدولية، فالدكتور (ايغور سوتياجين) نشر دراسة قبل أيام في موقع مركز أبحاث روسي (Rusi) البريطاني الملكي يحذر فيه واشنطن من مضاعفات الارتباك الذي وقعت فيه وأفقدها زمام المبادرة أمام الاختراق الروسي للشرق الأوسط وإرسال الدعم الجوي وغير الجوي للجيش السوري والمشاركة العسكرية الروسية من السماء في الحرب على المجموعات الإرهابية في سورية.
ورأى (سوتياجين) أن موسكو وطهران ودمشق وضعوا خطة مشتركة في آب الماضي حين اجتمع عدد من قادة الجيش الإيراني بنظرائهم الروس واتفقوا على تنفيذ خطة روسية مباشرة وعسكرية في سورية، وهو ما حدث في 30 أيلول الماضي حين بدأ سلاح الجو الروسي بضرب أهداف للمجموعات الإرهابية بهدف استئصال جميع المجموعات الإرهابية وتخليص سورية منها نهائياً قبل أن يزداد عددها. ويحاول (راي ماكغوفيرن) في دراسة نشرها في الموقع الإلكتروني (كونسورتيوم نيوز) تحليل أسباب إخفاق واشنطن في تحقيق أهدافها داخل سورية، وكشف أن واشنطن فشلت في إنشاء جيش من المعارضة السورية الإسلامية وغير الإسلامية المعتدلة أو غير المعتدلة رغم النفقات المالية الضخمة التي وظفتها واشنطن والرياض وقطر، فلم تجد أمامها سوى المراهنة على مجموعات (داعش) و(القاعدة) أي (النصرة) للاعتماد عليها في استمرار الحرب على الجيش السوري والحكومة السورية من دون أن يكون في مقدورها التحالف العلني معها.
وهنا جاء دور روسيا أمام العالم لتعلن أن جميع دول العالم تندد بداعش والقاعدة وتؤيد الحرب عليهما، وهذا ما يدفع روسيا للقيام به بسلاحها الجوي وبذخائرها ودعمها للجيش السوري فكسبت روسيا الجولة الأولى في حلبة الصراع مع واشنطن وحلفائها المحليين.
وهذا ما يقود إلى طرح السؤال الثاني وهو ماذا يمكن أن تخبئ واشنطن ضد روسيا وسورية في الجولة الثانية؟.
نشرت بعض مراكز الأبحاث الغربية سيناريوهات متعددة لمرحلة ما بعد الانتصار الروسي في الجولة الأولى، يقول الكاتب نفسه (ماكغوفيرن) إن واشنطن ترى نفسها أمام خيارين: إما التسليم بدور روسي- صيني فعال بمشاركة أوروبية- أميركية في حل الأزمة السورية والعراقية بشكل خاص، وإما السير نحو زيادة وضع العراقيل في وجه الدور الروسي وزيادة إرسال السلاح والمتطوعين الإسلاميين إلى داخل سورية بأي طريقة ممكنة لإشغال الروس أكثر فأكثر.
وإذا اتجهت واشنطن نحو الخيار الثاني فهذا يعني أنها ستستخدم وكلاءها المحليين مثل الرياض وقطر في الاستمرار في تمويل وإرسال المجموعات الإرهابية إلى سورية على غرار ما فعلته أثناء حرب الإسلاميين الأفغان ضد الحكم الأفغاني المتحالف مع الاتحاد السوفييتي في الثمانينيات.
لكن موسكو في هذه الظروف الدولية ليست موسكو في الظروف السابقة في الثمانينيات، كما أن أوروبا ليست أوروبا نفسها، ولا المنطقة بوجود إيران كقوة إقليمية كبرى في المنطقة نفسها، وهذا ما يؤكده المحللون الروس أن روسيا لا يمكن أن تتراجع عن تنفيذ خطتها المحكمة مدعومة من القانون الدولي والمجتمع الدولي ضد داعش وأمثالها من مجموعات الإرهاب الإسلامي التكفيري لأنها حرب شرعية على غرار مشاركتها في الحرب على النازية في الحرب العالمية الثانية، وكان «فيل باتلير» المحلل الأميركي الشهير الذي يعمل من ألمانيا قد ذكر أن السيطرة الإعلامية الأميركية في الساحة العالمية لا يمكن أن تنجح في «شيطنة» الدور الروسي في محاربة داعش في سورية والعراق بل في أي مكان مادام العالم كله وخصوصاً الرأي العام ومعظم حكومات الدول لا تجرؤ على انتقاد كل من يحارب داعش وإرهابها المكشوف والمعلن. ويلاحظ الجميع أن الانتقاد الأميركي والغربي الموجه ضد روسيا يبدو سخيفاً حين يتهمون سلاح الجو الروسي باستهداف مسلحين تدعمهم واشنطن رغم أن واشنطن لا تستطيع تحديد مواقع وجودهم ولا عددهم لأنهم تحولوا إلى وهم بعد انضمامهم لداعش أمام العالم كله.. ولذلك يرى أحد السيناريوهات أن واشنطن لن تجرؤ على تحدي روسيا في هذا الموضوع لكي لا تظهر بمظهر الحليف العلني للإرهاب التكفيري وستحاول إيجاد نقطة تواصل توفيقية مع موسكو لإبعاد تهمة دعمها للإرهاب التكفيري، وخصوصاً بعد أن أدرك العالم أن مخزون الإرهاب التكفيري المالي والبشري هو في أرض السعودية الحليف التقليدي لواشنطن؟!

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن