قضايا وآراء

«بوتين» ومفاتيح الحلّ

صياح عزام :

زوبعة من الانتقادات والإدانات أطلقت ضد ما يوصف على لسان مطلقيها بالتدخل الروسي الأخير في سورية، وكأن روسيا احتلت بجيوشها دمشق كما احتلت الولايات المتحدة العراق عام 2003، هذه الانتقادات والإدانات تشكل أحد جوانب الصورة أو المشهد… أما الجانب الثاني، فهو مبثوث في ثنايا الخطابات والتصريحات الرسمية الصادرة عن واشنطن والعواصم الغربية الحليفة لها وعن تركيا ومحميات الخليج العربي… ويتجلى الجانب الثالث للمشهد الإقليمي فيما يدور في غرف المفاوضات والاتصالات الدولية وخلف أبوابها المغلقة وفي كواليسها.
وعلى سبيل المثال، الرئيس الأميركي «أوباما» لم يكتفِ بتوجيه الانتقادات الشديدة للخطوة الروسية الشجاعة في سورية، بل شدد على أن بلاده غير عازمة على الدخول في «حرب بالوكالة» مع روسيا في سورية، والأبعد من ذلك أنه عبَّر عن قناعته بإمكانية الوصول إلى حل سياسي في سورية مع نظيره الروسي، بالطبع روسيا ردّت على ذلك، بأن الرئيس «بوتين» واثق بأن القيادة السورية تعمل على الوصول إلى هذا الحل، بينما كشف وزير الخارجية الروسي «سيرغي لافروف» عن تحضيرات تجري لدفع أجندة التسوية السياسية إلى الأمام.
ألمانيا، تقود موقفاً أوروبياً يستعجل إشراك روسيا وإيران في الجهود السياسية الهادفة إلى الوصول إلى ضفاف الحل السياسي والوحيد للأزمة السورية وهو الحل المُلح والمطلوب كما ترى بريطانيا، ذهبت للقول بدور للرئيس الأسد في المرحلة الانتقالية.
فرنسا بعد أن سلّمت بهذا الدور، عمدت وزارة خارجيتها المعروفة بميولها الصهيونية المتشددة إلى شنّ حملة للتراجع عن تصريحاتها السابقة، وتصعيد وتيرة رفضها مشاركة الرئيس الأسد في المرحلة الانتقالية، وذلك انسجاماً مع الموقف السعودي وتساوقاً معه، بل أيضاً تبدأ في إجراءات التحقيق بتهم جرائم حرب في سورية، تدعي أن الذي ارتكبها الجيش السوري، ولكأن السنوات الخمس الماضية لم تكن كافية لإجراء مثل هذا التحقيق الذي بات ضرورياً لرفع «الثمن المقبوض» في صفقة الحل النهائي، في إعادة شبه حرفية للسيناريو الذي لجأت إليه فرنسا إبّان مفاوضات النووي مع إيران، حيث كانت أكثر المتشددين على مائدة المفاوضات، وأوّل المهرولين إلى طهران كما شاهد الجميع.
أما إيران فما زالت تعمل باتجاه إيجاد حل سياسي في سورية يحفظ وحدة الأراضي السورية واستقلال القرار الوطني السوري، وكانت قد تقدمت بمبادرة معروفة من أربع نقاط تبدأ بإجراءات بناء الثقة ومن ثم إنجاز دستور جديد وتنظيم انتخابات برلمانية ورئاسية مُبكرة.
باختصار، تبدو مفاتيح الحل السياسي للأزمة السورية أكثر من أي وقت مضى في جيب الرئيس الروسي بوتين إذ إن روسيا إلى جانب دعمها العسكري للجيش السوري، فهي تضطلع بمسؤولياتها أمام المجتمع الدولي من خلال قيادة جهود دبلوماسية مخلصة للوصول إلى حل سياسي توافقي يراعي مصالح الشعب السوري قبل كل شيء ومصالح اللاعبين الكبار على المسرح السوري.
روسيا بقيادة الرئيس بوتين جادة ومخلصة كما يبدو في محاربة الإرهاب، لأنها إذا لم تقضِ عليه اليوم في ساحاتها الخلفية، فإنها ستكون مضطرة لقتاله داخل روسيا ولا محالة في ذلك.
إن سورية حسب تقدير المحللين السياسيين والخبراء الاستراتيجيين مهمة للجميع، مهمة بالنسبة لروسيا ولإيران، وحتى لتركيا، لا لاعتبارات دور أنقرة الإقليمي فحسب، بل أيضاً لضمان وحدة تركيا واستقرارها، وهذا ما لا يفهمه أو يتجاهله أردوغان لأنه يريد تحقيق تطلعاته الشخصية وإحياء أمجاد أجداده العثمانيين كما يحلم.
أخيراً، إن معركة روسيا من أجل إيجاد حل سياسي للأزمة السورية لا تقل صعوبة وقسوة عن معركة دحر داعش واستئصال الإرهاب من المنطقة، وهذا الأمر يدركه الرئيس بوتين تمام الإدراك، وما من شك في أن النجاحات التي تحققت على الأرض خلال هذه الفترة القصيرة بعد دعم الطيران الروسي للجيش السوري، سترفع وتيرة الاستجابة للحل السياسي الذي تعمل عليه روسيا وتستجيب له سورية.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن