ثقافة وفن

«هنا لنا».. محطة وفاء لآلاف الجنود المجهولين … دريد لحام: لن نسكت أبداً فالسكوت لا يفيدنا.. ومازالت الأغاني ممكنة

وائل العدس :

لم يكن حفلاً غنائياً بقدر ما كان صرخة بوجه من أراد تهجيرنا وكسر إرادتنا، بل هو تمسك بأرضنا الطاهرة، شمسنا التي لم ولن تغيب، وحكاية حياة لن تنتهي، وتأكيد أن سورية الصامدة كانت ولا تزال بلد الثقافة والفن والحب والسلام.
هنا لنا.. الأرض لنا.. ترابها لنا.. آثارها لنا.. ماؤها لنا.. سماؤها لنا.. سورية لنا من شرقها إلى غربها، ومن شمالها إلى جنوبها، ولو كره الأعداء.
وعلى خشبة المسرح الرئيسي في دار الأسد للثقافة والفنون، أقامت مبادرة «أحباب يا بلدي» حفلاً فنياً صفق له الجمهور الذي غصت به المدرجات مطولاً، وخلق ردة فعل إيجابية في روح كل من حضر.
جاء الحفل مشوقاً بعيداً عن الرتابة والملل، وحمل معه العديد من المفاجآت، أحيته كوكبة من نجوم الفن السوري بمشاركة شخصيات رياضية وسياسية واجتماعية تحت قيادة المايسترو آندريه معلولي.
وقدّمت خلال الحفل 12 أغنية وطنية وسط تفاعل حي من الجمهور، وختم بأغنية «هنا لنا» التي كتبها دريد لحام ولحنها طاهر مامللي، وقام بأدائها لحام نفسه مع مصطفى الخاني والطفل مارك معراوي وأطفال «جوقة ألوان».
وتهدف الفعالية إلى محاكاة الانتماء الوطني وتعزيزه ورفع الروح المعنوية الوطنية وتأكيد أن كل فرد هو شريك مهما بلغت إمكاناته وإسهاماته، كما سعت أن تكون محطة وفاء لعمال الإطفاء والكهرباء والإسعاف والنظافة، ممن خاطروا بحياتهم ليطفئوا الحرائق وينيروا الدروب وينقذوا الجرحى وينظفوا الشوارع.

لماذا «هنا لنا»؟

يدافع عن سورية آلاف الجنود المجهولين، كل يناضل في جبهته دون أن ينتظر شكراً أو ذكراً، وسمي المشروع «هنا لنا» ليكون محطة وفاء وثناء لبعض هؤلاء، ويهدف إلى تكريمهم بالتنسيق مع المؤسسات الرسمية، إضافة إلى إحراز أهداف غير مباشرة برفع الروح المعنوية والتشاركية والمواطنة الفعالة وحشد الطاقات الإيجابية، وتأكيد أن كل فرد في المجتمع قد يكون جندياً مجهولاً إذا أراد.

تفاصيل الحفل
«الوطن غلطان أنا معو، بردان أنا تيابو، تعبان أنا عكازتو، لك حفيان أنا صرمايتو لأنو وطني وتاج راسي» هي عبارات مستعارة من مسرحية «كاسك يا وطن» افتتح فيها الفنان الكبير دريد لحام مجريات الحفل، قبل أن يتواضع بقامته الكبيرة ويقول «أنا الفنان الصاعد دريد لحام».
وتكفل بتقديم المغنين كل من: الأب إلياس زحلاوي، ولاعب منتخب سورية السابق بكرة السلة عمر حسينو، وعضو مجلس الشعب ماريا سعادة، ورئيس غرف صناعة حلب فارس الشهابي إضافة إلى النجوم: سلمى المصري، وميسون أبو أسعد، وفادي صبيح، وعباس النوري، ومحمد حداقي، ونادين خوري.
وغنت ليندا بيطار «سنرجع يوماً»، ثم قدم وفيق حبيب أغنية «عندك بحرية»، تلاه ميس حرب «عالبال بعدك يا جبل حوران»، وغنى حسام تحسين بيك «لالي لالي»، وغنت شهد برمدا «بكتب اسمك يا بلادي»، أتبعها دريد لحام بأغنية «لو لو لو.. لو لالي» بتوزيعٍ جديد يحمل توقيع كمال سكيكر، ثم غنت همسة المنيف «خبطة قدمكن»، وباللباس التراثي الشامي صدح مصطفى الخاني «لعيونك يا شام»، تلاه شادي أسود بأغنية «اشتقنا كتير يا حبايب»، قبل أن تختمها ميادة بسيليس بأغنية «إلى حلب»، قبل أن يعود لحام والخاني للظهور بأغنية «هنا لنا».

الغناء لسورية
أكد صاحب شخصية «غوار الطوشة» الشهيرة أن الحفل ما هو بحفل غنائي وإنما حفل انتماء إلى الوطن سورية، وهو مجرد تكريم بسيط أمام الجهود التي بذلها الجنود المجهولون خلال سنوات هذه الأزمة، كما هو الخطوة الأولى التي ننتظر صدى نجاحها لكي ننطلق منها إلى خطوات أخرى.
وأضاف: ليس هدفنا أن نغنّي ليصفّق الحضور، إنما أردنا أن نغنّي جميعاً ومعاً لسورية.. وقد اخترنا أغنيات الحفل بدقة، فمنها الأغاني الوطنية، وبعضها يلمّح إلى الوطنية، وثمة أغانٍ تدعو إلى لمّ الشمل، وأردنا أن نقول إنك أيها السوريّ، كلّما غنّيت أكثر انتميت أكثر. الجميع يجب أن يغنّوا، لذلك النشيد السوري غناه الحاضرون.
في إجابةٍ عن سؤال حول ما إذا كان هذا الصوت سيصل حقاً للسوريين، قال: حتى لو لم يكن هناك من سيسمع، لن نسكت أبداً، فالسكوت لا يفيدنا، تخيّلوا سكون الكون من دون صوت زقزقة العصفور، هذه الزقزقة قد لا تعمّر بلداً، لكنّها تخترق السكون، وتجعل الحياة أجمل، وحياتنا ربمّا ستصبح أجمل.
وتوجه الفنان القدير بالشكر إلى القائمين على هذه الفعالية وكل المشاركين الذين لبوا الدعوة بحماس في محاولة بلسمة جراح الجنود المجهولين، خاتماً: رغم الظرف الصعب «لسه الأغاني ممكنه».

أكاديمية دريد لحام
بدوره أكد الخاني أن الفكرة خطرت لنا أنا والأستاذ طاهر وأستاذنا دريد منذ سنة وثمانية أشهر، وكان لدينا هاجس بأن نقدّم شيئاً لبلدنا كفنانين وكمواطنين سوريين من مكان عملنا. فكّرنا بإنجاز أغنية وطنية مشتركة لسورية. اجتمعنا مرّات عدّة، اقترحنا، عملنا، ثابرنا، إلى أن وصلنا إلى أغنية «هنا لنا» ومع مرور الوقت، تطورت الفكرة مع مجموعة «أحباب يا بلدي»، لنقدّم الأغنية ضمن حفل جماهيريّ مع باقة من الأغاني الوطنية.
وعبر عن فخره بانتمائه إلى بلد فيه أكاديميتان لتعليم الفنّ هما المعهد العالي للفنون المسرحية، ودريد لحام الذي يتعلم منه الجميع.
وأضاف: ينبغي على الإنسان أن تكون طموحاته كبيرة، لتأتي إنجازاته على قدر هذه الطموحات، ولا طموح يأتي من دون عمل، نحن لم نتكلم لأجل الكلام فقط، هذه خطوة، ولكن تحقيقها يحتاج عملياً إلى تكاتف جميع السوريين، طموحنا كبير، وبلدنا يستحق منا رؤيته بعين أكثر رحمة، والنظر بعضنا لبعض كسوريين بعين أكثر حباً.
ووجه الخاني شكره لكل الفنانين المشاركين من مقدمين ومغنين، وقال: جميعنا هنا اليوم مشارك بشكل تطوعي ودون أي مقابل مادي، وبمجرد تواصلنا معهم أنا والأستاذان دريد وطاهر تحمسوا للمشروع وأبدوا حماسهم الكبير للمشاركة، وشكراً للفنانين الذين دعوناهم ولم يشاركوا، وطبعاً بعضهم اعتذر بأسباب مقنعة وبعضهم تهرب، والأمر نفسه ينطبق على المسؤولين الذين بعضهم ساعد وقدم تسهيلاته للمشروع والبعض الآخر حاول عكس ذلك، فشكراً لكل شخص ساعدنا أو حاول أن يساعدنا، وشكراً لكل شخص لم يساعدنا أو حاول ألا يساعدنا لأنه جعلنا نعرف كم لدينا تصميم لكي نعمل ما نحبه وما نؤمن به، وشكراً لوزير السياحة الأستاذ بشر يازجي على دعمه ومتابعته اليومية لتحضيرات المشروع ومحاولته إزالة أي عقبات واجهتنا.
وتابع: الشكر الأكبر لمن ريع الحفل لهم وهم المصابون بعجز من عمال النظافة والكهرباء والإطفاء والإسعاف، وما جمع كل العاملين في هذه الفعالية هو إيماننا المطلق بأنه مهما كان الحاضر مؤلماً فستبقى سورية عبق الماضي وألق المستقبل.

المرحلة الذهبية
وأشار مامللي إلى أن الحفل ليس استعراضاً فنّياً وإنما رسالة فنية فيها أداء لممثّل محبوب، وأداء صوتي بإحساس قامة عريقة لا نستطيع سوى البكاء حين سماعها أي «دريد لحام» إضافة إلى الطفل النجم معراوي، وهي رسالة للسوريين سواء أولئك الذين يقيمون داخل البلاد أو خارجها، تفيد بأننا نحن أصحاب المكان، الذي هو لنا جميعاً، وعودوا لكي نعمّره معاً.
وأوضح أن أغاني الحفل اختيرت من المرحلة الذهبية للأغنية الوطنية، وأدّاها نجوم من الفن الحقيقي، إنهم قامات تشكل تراثنا وحاضرنا ويجب أن يكونوا ذخرنا الفني للمستقبل، فنحن نحارب من خلال هذه القامات وفنّها الحقيقي الجميل.

أفكار جماعية
أما مخرج العرض عروة العربي فقال إن المشروع يحوي أفكاراً جماعية ومشتركة بقيادة لجنة فنية، ومع الجهد الكبير الذي نفذته معنا شركة «Big Idea»، ولولاهم هناك العديد من الأفكار كانت غائبة عن الحفل، وبالنسبة للإخراج فالفكرة تفرض الحالة الإخراجية لها وبحاجة فقط إلى ترتيب وتنظيم وأناقة، وبجهودنا المشتركة حاولنا تحقيق ذلك خلال الوقت المتاح.

لقطات
أقيم يوم الثلاثاء حفل خاص للإعلاميين «بروفة جنرال»، تبعه مؤتمر صحفي حضره عدد كبير من وسائل الإعلام المحلية والعربية.
مساء الأربعاء، أقيم حفل عشاء ذهب ريعه إلى الجهات نفسها، وتم خلاله بيع أربع لوحات تحمل توقيع الفنانين المشاركين بالمزاد العلني، وجمع مبلغ مليون وسبعمئة ألف ليرة بواقع (مليون، 300 ألف، و200 ألف مرتين).
خلال حفل العشاء، تكفل وزير السياحة بشر يازجي بتسليم دروع تذكارية لكل المشاركين، وتم خلاله تقطيع قالب الحلوى الخاص بالمناسبة.
بعد اتمام المهمة، سيقوم أعضاء «أحباب يا بلدي» بتسلم الريوع إلى المصابين بعجز من عمال النظافة والكهرباء والإطفاء والإسعاف والصيانة.
وزع القائمون على الفعالية «بروشوراً» طبعت عليه كلمات جميع الأغاني لزيادة التفاعل بين المغني والجمهور.
دعم المنظمون مشروعهم ببيع بعض المواد الترويجية، كالأوشحة، والكنزات والأساور المطاطية.

أحباب يا بلدي
يشار إلى أن مبادرة «أحباب يا بلدي» تولدت لدى مجموعة من السوريين عبر مواقع التواصل الاجتماعي الذين جمعهم حس المبادرة والمسؤولية الاجتماعية مع بداية الأزمة التي حلت على سورية. وقامت بتنظيم فعاليات مختلفة في سورية والدول المجاورة تم فيها جمع أكثر من 17 مليون ليرة سورية خلال عامين أنفقت على مشاريع إغاثية وتنموية سعت للتخفيف من وطأة الأزمة على شرائح مختلفة من الشعب السوري.

أحبها
أحبها.. ليس لأنها عبق أكثر من عشرة آلاف سنة من الحضارة الإنسانية.
أحبها.. ليس لأنها أنجبت رقماً لأول أبجدية ورقماً لأول نوتة موسيقية في التاريخ.
أحبها.. ليس لأنها وطن الإنجيل والقرآن.. وطن المآذن والأجراس والياسمين.
أحبها.. ليس لأنها بيادر الخير والتين والزيتون.
أحبها.. ليس لأنها بستان الشهداء وشقائق النعمان.
أحبها.. ليس لأن في ثراها عيون الأجداد وعيون ساحرة الأحوار.
أحبها.. لأنها أمي سورية.. ومن حاول فك ضفائرها
مفقود.. مفقود.. مفقود..
أحباب يا بلدي

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن