قضايا وآراء

بين «مقلاع داؤود» و«جواليت» العصر: الدفاع عن سورية، ما بدأ ليتوقف..

فرنسا – فراس عزيز ديب :

(ماذا بعد ألا يبقى لديها ما تَخلعه)…
هي ترجمةٌ لعبارةٍ تُقال بالفرنسية عن بائعة الهوى التي لا تجد ما تقدم به نفسها للراغبين إلا المزيد من التعري، لكن ماذا لو وصلت للنهاية ولم يكترث بها أحد؟!
في السياسة وبعد لقاء «عادل الجبير» مع «معاريف» في الرياض والحديث عن شراء منظومة «مقلاع داؤود» العسكرية، نتساءل: (ماذا بقي لديكم لتخلعوه… عذراً لتفعلوه)؟
عندما مات سيئ الذكر «سعود الفيصل»؛ وتم تعيين «عادل الجبير» مكانه، كان السؤال المطروح:
ما معنى أن يتم تعيين وزير للخارجية من خارجِ الأسرة الحاكمة؟ تحديداً إن هذا المنصب وبعيداً عن كونه ينفِّذ السياسات الخارجية، لكنه كذلك الأمر يسيطر على تقارير سفارات مملكة العائلة في العالم.
يومها قُدم الكثير من التحليلات، لكن بمجملها تحليلات سطحية، كأن يُقال مثلاً عن سبب تعيينه إنه يمثل التطلعات الأميركية لهذا المنصب، وكأنهم يريدون إقناعنا بأن «سعود الفيصل» كان أساساً يمثل تطلعات الشباب العربي!
في الوقائع، فإن وفاة الفيصل تصادفت مع سعي (أميركي – إيراني) بمباركةٍ روسية لإيجاد تفاهماتٍ في المنطقة، كانت الولايات المتحدة تسعى فعلياً لنوعٍ من التراجعات التي تساهم لحدٍّ ما بإطفاء النيران المشتعلة والتي بدأت تلتهمُ حلفاءها. كان اختيار الجبير من خارج الأسرة الحاكمة هو نوعاً من العملية الانتقالية التي تريح الأسرة الحاكمة من إرث «سعود الفيصل»، من دون أن يمسَّ ذلك بهيبتها إذا ما تراجعت عن مواقفها تجاه القيادة السورية، وعليه تعود الحقيبة الدبلوماسية للأسرة الحاكمة بعد أن يتم تنقية الأجواء العربية، تمهيداً للمصالحة الكبرى وعودة سورية للجامعة العربية التي تحدث عنها يوماً «نبيل العربي».
حقائق كثيرة يجري تسريبها الآن على استحياءٍ، وحقائقٍ أخرى يجري التحفظ عليها حتى يحين وقتها، جميعها تفسر الدرك الذي وصل إليه «آل سعود» وأوصلوا الأمة بالكامل لهذا البحر من الدماء.
في منتصف أيار الماضي وبعد أسبوعين من تعيين الجبير وزيراً للخارجية زار بروجردي دمشق، قال كلاماً مهماً، عن ضرورة العودة للعقل بما يجري في المنطقة، يومها وبمقالٍ بعنوان (رسائل إيرانية من المنابر الدمشقية: هل ينقذ أوباما أتباعه قبل 2017؟)، قلنا على «آل سعود» تلقف الكلام جيداً قبل فوات الأوان، والنظر بواقعيةٍ.
أرادت الولايات المتحدة الاستفادة من الأجواء الإيجابية لمفاوضات الملف النووي، وبذات الوقت كانت تنظر بارتيابٍ لسعي كل من «إسرائيل» وتركيا للمزيد من إغراق «آل سعود» بالملف السوري، وتوسيع الجبهة الرافضة للاتفاق. هذا الأمر تجسد في الزيارة التي قام بها أردوغان للرياض بداية آذار الماضي، يومها قلنا إنه كان ينقصها حضور نتنياهو ليكتمل المشهد.
لكن ومع اقتراب التوقيع على الاتفاق النووي، أدرك «آل سعود» يومها أن الأميركيين باعوهم لمصيرهم بعد إنجاز الاتفاق، فطلبوا مهلةً في محاولةٍ منهم لتدارك ما يمكن تداركه في الشأن السوري وتحديداً فيما يتعلق بإسقاط النظام.
بدأ تنفيذ الاتفاق (التركي – السعودي – الإسرائيلي)، ليس صحيحاً أن هناك دوراً لقطر بكل ما جرى، كان دورها ينحصر في التمويل فقط، بل يمكننا القول إن هذا الأمر كان شرطاً لـ«آل سعود». بدأ الأمر باستقبال تركيا للمجرم «زهران علوش»، واستقبال الرياض لوفدٍ من ائتلاف إسطنبول، خرجت بعدها لقاءات «أنور عشقي» مع «الإسرائيليين» في عمان ونيويورك للعلن، يومها لم يكن الرجل يتكلم كمواطنٍ يحمل جنسية «آل سعود»، بل كان يتكلم كمبعوثٍ، سيأتي اليوم الذي يُكشف فيه عن دوره في كل ما جرى من تنسيق لهذا التحالف.
عاد «آل سعود» للفكرة التي طرحها أردوغان في اجتماعه مع سلمان في الرياض وهي فكرةٌ بسيطةٌ تعتمد على إقناعه بأن كل ما سيجري من تفاهماتٍ سيتم على حسابنا. استمات هذا التحالف يومها بتسعير الحرب في سورية، خسرت القيادة السورية بأقل من شهر ما خسرته في سنوات (إدلب، جنوب القنيطرة، مناطق في درعا، تدمر)، شعر «آل سعود» ومن معهم بالنشوة العامرة، وكسبت الولايات المتحدة من هذا الأمر شيئين:
الأول: توسيع نفوذ حلفائها وحشر «النظام السوري» أكثر، والثاني وهو الأهم: وضع الروس على المحك جدّياً، لأن الولايات المتحدة كانت ولا تزال تجهل ما مدى صدقية الروس في الدفاع عن سورية، أرادت وبطريقةٍ غير مباشرة تفعيل هذا الاختبار، تحديداً أن «آل سعود» ومن معهم انقلبوا فيما انقلبوا على ما سُمي يومها «معجزات بوتين».
ليست المفاجأة أن الرد الروسي كان قاسياً، لكن المفاجأة هي تأكيد وزير الخارجية السوري وليد المعلم أن ما يجري الآن تم الإعداد له منذ أشهر، هذا يعني أن الفخ الذي ظنت الولايات المتحدة قد نصبته للروس هو بالنهاية منتهي الصلاحية، لأن من طرح مبادرات تسوويّة كان من جهةٍ ثانية يعد العدة لكل الاحتمالات.
انكفأت الولايات المتحدة وعادت لسياسة بيع الوهم لحلفائها، بينما أدرك «آل سعود» أنهم يتكئون على شجرةٍ هرمة أساساً، فخرجوا من إطار التعاون مع الكيان الصهيوني إلى ما يمكننا تسميته في الأيام القادمة «التحالف». بمعنى أدق، ستكون «إسرائيل» هي البديل الموثوق من الولايات المتحدة بما يتعلق بالكثير من جزئيات أمن مشيخات النفط، فكان الحديث العلني عن النظرة للملف السوري والحديث عن منظومة «مقلاع داؤود».
لا تبدو المشكلة باستقبال «معاريف» في الرياض، المشكلة هي التدقيق في الحوار وحرفيته، فأن يقول الجبير إن الوضع في اليمن وسورية يتقدم على ما يجري في القدس، هو تماماً تطبيقٌ عملي على مستوى أعلى لما كان يقوله قادةٌ في المعارضة السورية بأن «إسقاط النظام» أهم من تحرير الجولان، هل هي مصادفة؟
إذاً ماذا بعد أن (لم يبق لديها ما تخلعه)؟!
إن التوافق (الإسرائيلي – الخليجي) فيما يخص الملف السوري، يحتاج لتطبيقٍ عملي، فإذا استثنينا الحدود التركية والتأثير التركي في سورية، عبر تسهيل عمل الإرهابيين، فإن مشيخات الخليج لن يكون بإمكانها التأثير بعد اليوم بالملف السوري، لكن إلى أي مدى يستطيع الأتراك أن يقدموا هذه الخدمات؟
بالأمس أعلن الأتراك عن إسقاط طائرةٍ، قالوا بدايةً إنها طائرةٌ حربية، وجرى تحذيرها عدة مرات، ليفاجأ الجميع بالنهاية أنها طائرة استطلاع صغيرة ومجهولة المصدر، ولم يتم إسقاطها كما ادّعوا من خلال صاروخ، (هذا واضح من الحطام). ليست المشكلة بإسقاط الطائرة، المشكلة للأتراك أن الطائرة عبرت عمق 3 كيلو مترات، هذا الأمر يشكل عمقاً مهماً لإحداثيات تحرك الجماعات الإرهابية إذا افترضنا أن الطائرة تابعةٌ للقوات السورية أو الروسية، لكن الأخطر أن تكون هذه الطائرة تابعة لحزب العمال الكردستاني مثلاً، عندها ماذا سيفعل أردوغان؟
كذلك الأمر، فإن التدقيق الجيد في تصريحات نائب وزير الخارجية الروسي لشؤون محاربة الإرهاب «أوليغ سيرومولوتوف»، الذي حذّر من وصول أي سلاحٍ مضاد للطيران للإرهابيين في سورية، وتأكيده أن مثل عمل كهذا يُعتبر في النهاية تعدياً على القانون الدولي يجب التعامل معه، سيدفع الجميع للتفكير كثيراً بعبارة «يجب التعامل معه» قبل التجرؤ على هذه الخطوة. عليه سيبقى أردوغان ومن يثق به يتابعون بصمتٍ الثمن الذي تدفعه عصاباتهم في «سلمى» حالياً، وما يمكن أن يؤدي سقوطها من وصول الجيش وحلفائه إلى «بداما» التي كانت ولا تزال تعتبر بؤرة الإرهاب الأولى العابر من تركيا نحو سورية، وبالتالي فإن لا شيء سيغير ما يجري أو ما قرره الحلف الروسي في سورية من تحرير كامل التراب السوري. كان بإمكان «آل سعود» حقن دماء الأبرياء منذ أشهر لكنهم رفضوا واليوم يظنون من فيض أحقادهم أن التسلح بـ«مقلاع داؤود» سيحمي أحداً، فـ«فمقلاع داؤود» في النهاية لا يحمي أصحاب الشأن من مقاليع المقاومين الأطهار في القدس، ولا يساهم بمنح مشيخات مهترئة صفة الحضارة، ولا يضع أصواتاً في صناديق الاقتراع، إن «مقلاع داؤود» أخذ شهرته من سيدنا داؤود وليس من وظيفته كمقلاع؟
بمعنى آخر:
أعطوني داؤود لاستسلم لمقلاعكم، لكن وأنتم تتخفون بثوب المقلاع فأنتم لستم «جالوت» الذي قتله داؤود، بل لا أجد فيكم إلا «جواليت» العصر.. المتكررين في كل زمن.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن