قضايا وآراء

خطوط موسكو الساخنة…

مازن بلال :

يؤكد الانقسام الدولي بشأن العمليات العسكرية الروسية في سورية أن محاربة الإرهاب أعقد مما يتم تصويرها، فهو أصبح جزءاً من البنية السياسية في مناطق الأزمات، إضافة لكونه آلية لا يمكن الاستغناء عنها في عمليات رسم الأجندة السياسية على مستوى «المنظومة الدولية»، وعندما بدأت الطائرات الروسية بقصف مواقع المجموعات المسلحة على الأرض السورية فإننا واجهنا نموذجين: الأول يتعلق بإنشاء «عملية» تشكل «الاحتواء» لحركة داعش؛ وذلك وفق تفكير يضعها ضمن سياق المنطقة وجغرافيتها السياسية، فالإرهاب ليس فقط نتيجة إخفاق الدول وفق هذا التصور، بل نتيجة البنية الاجتماعية المنقسمة تاريخيا على قواعد دينية ومذهبية، وما تقوم به قوات التحالف الدولي على امتداد عام يستند إلى هذا التصور بالكامل.
أما النموذج الثاني فيريد تثبيت الآلية القديمة في التعامل مع «الدولة» وشرعيتها، وقدرتها في الحفاظ على جغرافيتها، فروسيا التي تحاول دعم محاربة الإرهاب بدل احتوائه تسعى إلى الانسجام مع «التحالف الدولي»؛ الأمر الذي يشكل مشهدا غير مسبوق في الصراعات الدولية، فهو يسعى لإنتاج سياق مواز يتناقض مع الاتجاه الغربي معتمدا على «شرعية» الدولة بدلا من شرعية الواقع الذي فرضته سياسة احتواء الإرهاب المستند إلى توازنات «مذهبية» لترجع لمراحل ما قبل الدولة.
عمليا فإن المشكلة اليوم هي في جعل محاربة الإرهاب مستندة إلى قاعدة الحل السياسي في سورية، فموسكو التي أنشأت خطا ساخنا لتفادي أي احتكاك مع «إسرائيل»؛ تحاول تحييد عملياتها عن أي تحول على مستوى الصراع العربي – الإسرائيلي، وهو أمر يقدم نقطتين:
– الأول: إن عدم الاحتكاك يفترض «حيادية» الصراع في سورية عن التشكيل العام لمنظومة الشرق الأوسط، ووضع الأزمات السابقة لانتشار الإرهاب ضمن سياق «العملية السياسية» المتعثرة أو المؤجلة.
وهذه «الحيادية» تشكل إستراتيجية على ما يبدو هدفها الأساسي حصر الصراع، وعدم دفع الدول الإقليمية للعب دور باكستان خلال الحرب الأفغانية، وفي المقابل فإن موسكو لا تريد تبديل «الشروط السياسية» لعلاقاتها الدولية والعودة إلى ظروف الحرب الباردة، فرغم الجرأة التي مارستها روسيا في التعامل المباشر على الأرض السورية، لكنها تبدو أكثر من حذرة على مستوى العلاقات التي تمنع التصعيد باتجاه مواجهات أوسع.
– الثاني: إن الـ«حيادية» هي تعبير عن «الحلول المفتوحة» للأزمة السورية، فانعدام أي سيناريو جاهز يجعل من العملية السياسية أعقد بكثير من المعارك التي ستطول نتيجة طبيعة الإرهاب والتعامل معه ما بين «الاحتواء» و«المحاربة».
وبات واضحاً أن مسألة السيناريو النهائي للأزمة السورية بات مرتبطا بالتوازنات الدولية القادمة، وهي توازنات متحركة لا يمكن التنبؤ بها، وهي تتشكل مع توسيع رقعة الصراع السياسي – الاقتصادي القائمة اليوم بين أوراسيا والولايات المتحدة، فاكتمال المشهد يتشابك اليوم مع قدرة العواصم الدولية على إيجاد إستراتيجيات بديلة تمنع التماس المباشر وتوجد التهدئة.
من الممكن أن توفر «الخطوط الساخنة» لموسكو مع دول المنطقة، ومع العالم أيضا، عمليات عسكرية أكثر مرونة، ولكن في المقابل فإنها ستبقى بعيدة عن التأثير في انطلاق العملية السياسية، فالصراع انطلق لإعادة رسم المنطقة وتبديل العلاقات الإقليمية، ومن الصعب العودة إلى أي نموذج قديم أو سابق للأزمة السورية، وما يمكن أن نطلق عليه «الحقبة الروسية» في الشرق الأوسط يوحي بأن التوازنات في المنطقة تحتاج إلى وقت، وأن البقاء الروسي يتجاوز المحاربة المباشرة للإرهاب، فهو يسعى إلى تجاوز سياسة «الاحتواء الأميركية» التي تنطبق على داعش، وتتسع نحو روسيا والصين.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن