ثقافة وفن

«هنا لنا» من وسط دمشق … «أحباب يا بلدي»: رسالة حب وتحدّ وأمل.. وإثبات الهوية والانتماء

وائل العدس :

بعد أيام على إقامتها، مازالت فعالية «هنا لنا» تحصد نجاحاتها بردود أفعال الناس الإيجابية التي أثنت على جودة الفكرة وبراعة التنظيم، إضافة إلى جمع عدد كبير من الفنانين على مسرح واحد في سابقة من نوعها.
«الوطن» التقت أعضاء مبادرة «أحباب يا بلدي» التي نظمت الحفل، والذين يستعدون لإتمام المهمة بتوزيع الريع على المصابين من عمال النظافة والإسعاف والإطفاء والكهرباء، كما استشفت آراء بعض الفنانين المشاركين، وإلى التفاصيل:

رسائل نبيلة

بدايةً، من «أحباب يا بلدي» قالت عبير لحام: نجحت مبادرتنا بدعم الجهات الرسمية والأيادي البيضاء أن تنقل حلم أساتذة كبار ومميزين بمجالهم إلى حالة وطنية، وحققنا هذا الحلم مع فريق من المنظمين والإعلاميين، وخلقنا نوعاً من التفاعل عبر مواقع التواصل الاجتماعي وأماكن أخرى تجمعنا بها لنقترب من الناس على اعتبار أن دار الأوبرا تتسع لعدد محدود فقط، وكان لزاماً علينا أن نوصل رسالتنا إلى أكبر عدد ممكن من الناس.
وأكدت أنها لمست شعور النجاح من تفاعل الناس والرسائل الطيبة والنبيلة وما أكثرها، وبسببها كل التعب والجهد الذي بذلناه صار بسيطاً أمامها.
وشددت على أن رسالتهم رسالة حب وانتماء لبلد جار عليه الزمن ولا يزال صامداً رغم كل المآسي، قائلة: لنا الشرف أن نقول «إننا سوريون».
وقالت: إن «أحباب يا بلدي» التي تعنى منذ أكثر من عامين بالشق الإنساني والتنموي كغيرها من المبادرات، لكنها تتميز بنشاطاتها الاجتماعية التي تترافق مع الأعمال الإنسانية.

بر الأمان
أما غالية القاري فقالت: إن «هنا لنا» مشروعنا الأول بهذا الحجم الكبير، عندما بدأ كالحلم وأصبح واقعاً، ومشينا به خطوة تلو الأخرى، ونحن كمشرفين في «أحباب يا بلدي» نجحنا في لمّ عدد كبير من السوريين افتراضياً، وأصبحوا كإخوة وعائلة واحدة في الواقع، فتقاسمنا المهام، واحتجنا لأشهر من التنظيم، وكنا ملتزمين جداً لدرجة أننا كنا نجتمع أحياناً 12 ساعة متواصلة.
وكشفت: أنا وكريستينا كنا صلة الوصل بين المبادرة ودار الأوبرا، وكانت تجربة رائعة عشت تفاصيلها بدهاليز الدار، فاشتغلنا وثابرنا والتزمنا، وضحكنا وتعبنا، وكان أملي دوماً أن أنسى تعبي عندما نحقق هدفنا وننجح.
وأردفت: عندما أطلقنا الحملة الإعلامية هوجمنا من بعض السوريين بالخارج، لكننا استوعبناهم وشرحنا لهم أن سورية لكل سوري يحب بلده سواء كان داخلها أو خارجها، وأن الهدف تكريم هؤلاء الجنود المجهولين، والحمد لله كان الإقبال لافتاً لشراء البطاقات، وشعرنا بالطمأنينة أننا على بر الأمان.
وعندما أقيم الحفل ولمحت الفرح في عيون الناس (تضيف) أدركت أننا نجحنا، وسمعنا تعليقات مميزة أهمها أن «الحفل أعادنا إلى سورية قبل الأزمة»، و«أنكم عيشتمونا عواطف وأحاسيس رائعة، فحلّقنا وضحكنا وبكينا»، كل ذلك تم خلال ساعة ونصف الساعة، لكن أكثر تعليق أسعدني ما قالته امرأة سورية مقيمة في لبنان «ليأت اللبنانيون ويتعلموا الرقي والتنظيم من نساء سورية ومشرفات «أحباب يا بلدي».

المواطنة الفعالة
وأوضحت كريستينا كشر عضو مبادرة «أحباب يا بلدي» التي نظمت الحفل أن «هنا لنا» السورية الوطنية تتميز بأنها تمتلك امتداداً واستمراراً، بثلاثة أبعاد تعبّر عن الماضي والحاضر والمستقبل.
وقالت: انطلقنا منذ سبعة أشهر بالتخطيط والتنظيم والتنسيق مع الجهات الداعمة لتشكيل هوية بصرية عن طريق الجهة المنظمة وهي «Big Idea» وتحديداً المصمم الرائع عمر الشماع، وبدأنا بالتواصل مع المحافظة لتأمين قوائم بأسماء المصابين أثناء تأدية عملهم، ووضعنا مقياساً معيناً لاعتمادهم حسب العمر وحجم الإصابة.
وأكملت: قمنا بثلاث فعاليات مصغرة في «شام سيتي سنتر بكفرسوسة، وماسة مول بالمالكي، وبوليفار بالفورسينزنز»، وفاجأنا الناس بفرقة «لاقونا عالطريق» ومغنين وعازفين شباب، وتم من خلالها بيع المواد الترويجية، ونجحنا باستقطاب الناس ليسألونا عن الفعالية لنشرح لهم عن أهدافنا وحفلنا، واستطعنا تسويق فكرة «هنا لنا» وكيف أنها تعزز الانتماء الوطني والتشاركية والمواطنة الفعالة عبر مواقع التواصل الاجتماعي وشركائنا الإعلاميين، وكل ما سبق يعبّر عن مرحلة ما قبل الحفل.
أما في المرحلة التالية «فتقول»: نجح حفل «الانتماء» بخلق تفاعل حي ومباشر، فكان مثلما ما نريد وربما أجمل، ونال أصداءً رائعة من خلال هذا التفاعل الذي لمحته في عيون الحضور.
وتحدثت كشر عن مرحلة ما بعد الحفل، فعرجت على حفل العشاء الخيري تحت رعاية وزير السياحة مشكوراً، وتم خلاله تكريم المشاركين إضافة إلى بيع أربع لوحات بالمزاد العلني ورصدت مبالغ عالية فاقت توقعاتنا.
وأكدت أن المرحلة القادمة هي الأهم، حيث سيتم تسليم الريع وتكريم العمال بتكريم معنوي «شهادات» وآخر مادي، كلك ذلك من خلال عشاء مشترك بيننا.
وختمت كشر كلامها بالحديث عن تنوع ردود الفعل والأصداء الرائعة، وقالت: جاءت الردود بين حماسية جداً وبين البكاء فرحاً وحناناً، حيث أخبرنا البعض أنهم شعروا بأبعاد انتمائهم ومواطنتهم، وشعروا بالأمل القادم وحنية الماضي وقوة الحاضر، وتمنوا لو يعاد العرض أكثر من مرة.

الحس بالوطنية
أما لمى حمادة فبينت أن «أحباب يا بلدي» مبادرة تفكر بصمت، تقدم بصمت، وتتفانى للوطن بعمل لا أحد منا يكشف ما عمله، ولدينا روح العمل والمشاركة، ونسأل دوماً عن الهدف والفائدة العامة قبل أن نسأل من سيقوم بها وما يتبعها، لذلك عندما ولدت فكرة «هنا لنا» على يد الكبير دريد لحام وترجمها المبدع طاهر مامللي ببروفات رائعة أداها الشاب الموهبة الكبيرة مارك معراوي جاء دورنا لتنفيذها على أرض الواقع وبدأت الرحلة بالاتصال بجميع الجهات المسؤولة ووجدنا قبولاً ودعماً من الجميع مشكورين.
وأشارت إلى أن الهدف من الفعالية هو الحس بالوطنية ومواساة الجنود المجهولين من عمال نظافة وصيانة وكهرباء وإسعاف وإطفاء ممن ضحوا وأصيبوا في الأزمة.
وأكدت أنه شارك بالفعالية تطوعاً كوكبة من الفنانين السوريين ووجوه تعبر عن ملامح بلدنا من سياسة ودين ورياضة وتجارة ومن بساطتنا وعفويتنا استطعنا أن نقول «هنا لنا» من وسط دمشق، وعهد علينا يا بلدي سنبقى أحباباً يا بلدي.

إثبات الهوية والانتماء
بدورها قالت مايا منصور إن القصة بدأت منذ ما يقارب العامين، فنحن مجموعة أصدقاء يجمعنا حب الوطن ومحبة الناس، وانطلقنا بمجموعة صغيرة على مواقع التواصل الاجتماعي من دون أن نعرف أين سنصل، لكننا كسبنا محبة الناس الذين طالبونا بالمزيد، وكبرنا حتى أصبحت مبادرتنا تضم نحو 600 شخص من خيرة الناس المحبين لسورية.
وتابعت: قمت بدور «أمينة الصندوق»، ونجحنا خلال عامين أن نجمع نحو 17 مليون ليرة سورية من الأحباب والمغتربين، وقمنا بمشاريع بسيطة خدمت الناس، منها أربعة أفران بمناطق بعيدة، وشاركنا بحملة «حقي أتعلم» مع الأمانة السورية للتنمية، ومنذ فترة قصيرة نجحنا بإرسال مبلغ إلى حلب لشراء سيارة وموتور لتوزيع المياه، وكان لنا دور بالمساهمة بتأمين صفائح لجرحى الجيش العربي السوري، إضافة إلى تأمين حرامات وتوزيعها بالشتاء، والمساهمة بجمعيات خيرية، وتوزيع ملابس للأطفال، ولدينا وثائق لكل الأعمال المنجزة.
وبالنسبة لـ«هنا لنا» تقول منصور: بدأت القصة منذ سنة، وبدأنا خطوة بخطوة، ولم يكن الموضوع سهلاً لأننا نخوض تجربتنا الأولى في هذا المجال، وكنا على تواصل مع الجهات الرسمية التي تجاوبت وتعاونت معنا، وكان هدفنا إثبات هويتنا وانتمائنا لوطننا الغالي ودعوة المغتربين للعودة إلى ربوع الوطن لنبنيه من جديد.
تضيف: بدأنا بالتنظيم والتنسيق مع الجهات المعنية لتسهيل المهمة، وواجهتنا بعض العقبات فتجاوزناها، وانصب هدفنا بأن يكون الريع لمن يستحق وهم إخوتنا في الوطن الذين أصيبوا أثناء تأدية مهامهم، وتمحور دوري بالتواصل مع المحافظة وتأمين قوائم المصابين، والآن أرتب موعداً لإقامة حفل عشاء لتكريم المعنيين.
وختمت: الأصداء التي سمعناها بعد الحفل كانت أكثر من رائعة، وتفاعل الناس كان لا يوصف.

عمر وحياة
ونوهت نها قدور بأن «هنا لنا» رسالة تحدّ وأمل، وتعد بالنسبة لي قصة كبيرة، قصة عمر وحياة، ذكريات وحاضر ومستقبل، قصة تتعلق ببلدي الذي لا أستطيع تركه مهما جرى.
وقالت: الفكرة خرجت من الأستاذ دريد لحام، وطاهر مامللي، وأخبرتنا عنها ابنته عبير، وفكرنا بتسميتها، وكيف سنقدمها، ولمن، فقررنا أن يكون ريعها للعمال المصابين خلال الأزمة، وباشرنا العمل ببساطتنا، وتركنا للأساتذة الأمور الفنية وعملنا على باقي التفاصيل من شعار وإعلان ونشر الفكرة، إلى طرح المواد الترويجية والتنسيق مع المسؤولين والتجهيز للفعالية، وكثير من الناس ساعدونا بلا مقابل لأنهم أحبوا الفكرة، ولأن «هنا لنا» كلنا، وستبقى لنا.
وأوضحت أنها عملت باللجنة الدعائية، وما يرافقها من تفاصيل، وختمت بالقول: تعاونا معاً على إنجاز الفعالية، وهكذا تعودنا بـ«أحباب يا بلدي» بأن نوزع المهام ونتعاون على إنجازها ببساطة، ولذلك دخلنا إلى قلوب الناس ووصلتهم رسالتنا.

جهوزية عالية
وبالانتقال إلى الفنانين، فقد عبّرت ميسون أبو أسعد عن سعادتها بالمشاركة في هذه الفعالية لعدة أسباب، أولها انطلاقها من عنوان يذكّر بأنه مازال في هذا الوطن سوريون مقيمون على أرضه وهم يحاولون رغم المحن والصعوبات الاستمرار في الحياة وإحياء سورية من خلال هذا الإصرار على البقاء، مضيفة: لم أتردد بالمشاركة حيث إن الحفل الفني كان مرتباً له بجهوزية عالية، وبالطبع وجود الأستاذ دريد لحام على رأس القائمين على المشروع هو ضمانة لأي فنان للمشاركة وهو مغمض العينين، وبالفعل أحيا الحفل نخبة من نجوم الدراما والغناء، ومن الجميل جداً جمعهم على منصة واحدة، أضف إلى أنني واحدة من فنانين كثر أصابنا الارتباك منذ بداية الأزمة حول شكل المساهمة التي يجب أن نقوم بها تجاه وطننا حيث لا نملك سوى فننا وحضورنا أمام هذه الحرب الكبيرة إلا أن فعاليات كـ«هنا لنا» هي الطريق السليم لمساهمة الفنان من خلال فنه بجمع تبرعات لشرائح تأذت من الحرب أثناء قيامها بعملها.
وختمت: أحب المشاريع التي تعود بالفائدة على الكثيرين، فجمع التبرعات وحده جيد ولكن عندما يأتي عن طريق حفل كهذا فأنت تجمع تبرعات وتزيد من عدد المساهمين في تخفيف الألم عن المتضررين وفي الوقت نفسه تقدم متعة للجمهور وتعيد الناس للذهاب للمسرح وتوصل رسالة للخارج أننا على قيد الحياة وتشعر الفنان بالرضا عن قيامه بفعل حيوي في هذه الأزمة، وأتمنى أن يعاد الحفل مرة أخرى بعد أن نجح وأتمنى أن تنحو الجمعيات الأهلية والخيرية كلها هذا المنحى ونرى مستقبلاً فعاليات أخرى كهذه وجمعيات خيرية أخرى، شكراً دريد لحام، شكراً طاهر مامللي ومصطفى الخاني، شكراً «أحباب يا بلدي».

جبل العرب
بدورها بينت ميس حرب أنه تم اختيار أغنية «يوماً على يوم» للراحل فهد بلان لأنها تحكي عن جبل العرب وسهل حوران، وللتعبير أننا كما كنا يداً واحدة سنبقى ذلك لأننا جميعاً ننتمي لوطن واحد.
وعن رأيها بالحضور الجماهيري قالت: كان رائعاً ومتفاعلاً مع الأغاني، ربما لأنها أعادتهم بالذاكرة إلى زمن كنا فيه بخير أكثر، وكانت تلك الأغاني منتشرة بالوطن العربي كله وليست بسورية فقط.
وأكدت أن مشاركتها كانت مهمة في هذه الفعالية على اعتبار أنه أول عمل يتوجه للناس الذين بقوا ولا يزالون يقاومون من دون أن ينتبه لهم أحد من عمال كهرباء ونظافة وصحافة ورياضيين وغيرهم.
وألمحت حرب إلى أن التكريم يزيدني إصراراً أنني باقية بالبلد، ومن المستحيل أن أهاجر تحت أي ظرف، لأننا أبناء هذه الأرض وعلينا تحملها وتحمل همومها، وبسواعدنا تكون بخير، وفيها فقط نكون معززين ولنا قيمتنا وكرامتنا.

الكثير من الأمل
وتحدثت ليندا بيطار عن مشاركتها فقالت إنها غنت «سنرجع يوماً» للأخوين رحباني، مبينة: كنت مستمتعة بغنائها، خصوصاً أنها تحمل الكثير من الأمل، وإن شاء اللـه قريباً يعد كل سوري إلى بيته وحيه الذي ولد ونشأ فيه، وتصبح سورية آمنة بكل ذرة تراب.
وقالت: تشرفت بمشاركتي لأسباب كثيرة، أهمها أننا اجتمعنا من جميع شرائح المجتمع السوري لنقول إننا معاً متمسكون بهذه الأرض التي قدمت لنا الكثير، ومن واجبنا الدفاع عنها، وعنوان الفعالية «هنا لنا» يختصر هذه المشاعر، وأتمنى أن تكون هذه الفعاليات كثيرة وتقام في كل بقعة من سورية الحبيبة.

سعادة كبيرة
وأبدت همسة المنيف سعادة كبيرة بالفعالية وأنها جزء من عائلتها على اعتبار أن هدفها إنساني بحت، مبينة أن «هنا لنا» مهمة على أكثر من جانب ولأنها تبعث رسالة إنسانية عن طريق الفن والفنانين السوريين الذين وصلوا إلى قلوب الكثيرين.
وقالت: أنا كمغنية خريجة المعهد العالي للموسيقا ومن على أرقى منبر ثقافي في سورية كنت حاضرة وقدمت مع محمد حداقي أغنية «خطة قدمكن» وأشعلت المدرجات وغنى معي الجمهور وشاركني فخامة هذه الأغنية التي تحمل الكثير من الحماس والمعنويات، قبل أن يكرمنا وزير السياحة، وكل الشكر لمجموعة «أحباب يا بلدي».

ليعم الفرح
وأخيراً، قالت شهد برمدا: إن هذه المبادرة مهمة جداً بهدف إيصال رسالة بأننا كشعب سوري موجودون ولن ننكسر رغم الحرب والغيمة السوداء التي تمر فوق سورية، ونحن شعب صامد سنقف في وجه الصعاب ولا يقدر أحد أن يوقفنا عن الحياة أو أن يجعل بلدنا يموت، وسنثبت للعالم كله أننا على قدر الامتحان الذي نمر فيه.
وأكدت ضرورة استمرار مثل هذه الفعاليات كي نخرج من أي حالة حزن كنا نعيشها على مدى أكثر من أربع سنوات، ويجب أن نعمل جميعاً على إعادة بلدنا إلى ما كان عليه لتعود سورية الجميلة، وعلى كل سوري أن يبدأ من عنده بمثل هذه المبادرة التي تصنع أمل لدى السوريين ليعم الفرح.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن