عربي ودولي

«البلم» يأتي بميركل إلى «حضرة السلطان» أردوغان و«الصدر الأعظم» داود أوغلو

يطيب للأتراك من مؤيدي حزب العدالة والتنمية الحاكم، التندر قائلين إن بلادهم هزمت أوروبا بـ«البلم» الاسم التركي لـ«القارب المطاطي»، الذي تركت المخابرات التركية بقيادة حقان فيدان، عشرات آلاف منه يتسلل ليلاً من شواطئ أزمير وبودروم وغيرهما، إلى الجزر اليونانية ومنها إلى بقية الحلم الأوروبي.
فالعثمانيون الجدد الذين لم يحرصوا على دماء السوريين في وطنهم وتركوا حدودهم مفتوحة أمام عشرات آلاف المقاتلين الأجانب الذين قاتلوا تحت راية تنظيم داعش وجبهة النصرة والحزب التركستاني الإسلامي وجيش المهاجرين والأنصار، استغلوا معاناة السوريين وهاجسهم في ضمان الأمن ليقضوا مضاجع الأوروبيين بمئات آلاف اللاجئين. وفي دليل على انتصار أنقرة، حطت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل في اسطنبول عاصمة آل عثمان، لتلتقي «السلطان» الرئيس رجب طيب أردوغان والصدر الأعظم (رئيس الوزراء) أحمد داود أوغلو، وذلك قبل أسبوعين فقط من موعد الانتخابات البرلمانية المصيرية لحزب العدالة والتنمية. وصلت ميركل إسطبنول وفي ذهنها إتمام التفاوض بشأن صفقة مع أردوغان وداود أوغلو لإنهاء أزمة اللاجئين، وتجنيب الاتحاد الأوروبي مزيداً من المضاعفات السياسية والاقتصادية التي قد تنهي مسيرته. إلا أن الأتراك رفعوا الرهان، وزادوا مطالبهم: ضمان حلب (تحت زعم إقامة المناطق الآمنة) المدنية التي يسعى الجيش السوري بمساعدة حلفائه وتحت غطاء الضربات الروسية لتطهيرها بشكل كامل من المسلحين، حل أزمة قبرص، دعم أنقرة في حربها على حزب العمال الكردستاني، قبول تصنيف «حزب الاتحاد الديمقراطي» الكردي السوري على لوائح الإرهاب.
وأعربت ميركل وداود أوغلو في مؤتمر صحفي عقداه بعد اجتماعهما ظهر أمس في اسطنبول، عن تخوفهما من موجة جديدة للاجئين السوريين بسبب المعارك الدائرة في حلب. وشدد رئيس الوزراء التركي ضرورة إقامة منطقة آمنة في شمال سورية للإبقاء على النازحين المدنيين داخل سورية، منبهاً إلى أن «قصف حلب بالبراميل (من الجيش السوري) وهجوم داعش وميليشيات حزب اللـه عليها كان سبباً بلجوء الكثيرين لتركيا»، واعتبر أن حل أزمة اللاجئين مرتبط بحل الأزمة السورية، التي لفت إلى أن تركيا تبحث عن «حل جيد» لها، ودعا أوروبا للتعاون في هذا الصدد.
وأكد داود أوغلو ضرورة «التعاون والتكاتف» بين تركيا والدول الأوروبية لحل قضية اللاجئين، وأشار إلى أن بلاده استقبلت «مليوني لاجئ وصرفت أموالاً طائلة عليهم»، من دون أن تحصل على أي مساعدات لمواجهة أعباء استضافتهم، وفي المقابل أعرب عن تقديره لسلوك المستشارة الألمانية تجاه اللاجئين، وأشار إلى أن «هناك بعض الدول التي تطلب طرد اللاجئين، لكن ميركل رحبت بهم، وأكدت أنها مستعدة لاستقبال أكثر». ولفت من جهة أخرى إلى أن ألمانيا تدعم تركيا في مواجهة الإرهاب.
من جهتها، أشارت ميركل، التي أعربت بكل صراحة خلال السنوات الماضية عن رفضها انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي ونفورها من تدخل أردوغان في الشؤون الألمانية من خلال تحريض الألمان من أصول تركية على التصويت ضدها في الانتخابات الألمانية، عن استعداد حكومتها للعمل على تعجيل النظر بطلب تركيا الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي.
ولم تعلق ميركل على طلب داود أوغلو إقامة منطقة آمنة في سورية، الأمر الذي أعربت عن رفضه مؤخراً، وسحبت صواريخ الباتريوت الألمانية من الأراضي التركية لتأكيد رفضه، وأكدت في المقابل أن التوصل إلى اتفاق سياسي بشأن الأزمة السورية يصب في مصلحة ألمانيا وتركيا.
وأشارت إلى أن الاتحاد الأوروبي بحاجة إلى «علاقات وثيقة مع تركيا لحل أزمة تدفق اللاجئين إلى أوروبا»، وأقرت بأن طالبي اللجوء هربوا من أوطانهم بسبب العنف هناك. وفي وقت لاحق التقت ميركل أردوغان، وسط انتقادات في ألمانيا بسبب مخاوف من أن يجرها الرئيس التركي لحملة حزبه في الانتخابات المقررة بعد أسبوعين.
وقال إيكين ديليجوز عضو البرلمان الألماني التركي المولد من حزب الخضر المعارض إن ميركل تضع نفسها في موقف «اللا فوز» مضيفاً «في مثل هذا الموقف تأتي السيدة ميركل بنية الصداقة! أردوغان يعلم ذلك ويستغله»، حسبما نقلت وكالة «رويترز» للأنباء.
وتأتي زيارة ميركل ضمن مسعى أوروبي للاتفاق مع تركيا على حل لأزمة اللاجئين. والخميس الماضي، أقر زعماء دول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي «خطة العمل المشتركة» بين بروكسل وأنقرة، التي تنص على تعاون تركيا في استقبال مزيد من اللاجئين، وتعزيز مراقبة حدودها، في مقابل إعادة إطلاق المحادثات حول طلب انضمام أنقرة إلى الاتحاد الأوروبي وتسهيل منح تأشيرات دخول للرعايا الأتراك الذين يريدون السفر إلى الاتحاد الأوروبي، ومساعدة مالية.
وتراجعت أنقرة عن الخطة، حيث أعلن وزير الخارجية التركي فريدون سنيرلي أوغلو قبل أيام أن «الخطة ليست نهائية، مازالت مشروعاً نعمل عليه». واعتبر أن المساعدة المالية «غير مقبولة». وتصر تركيا على أن المساعدة المالية يجب ألا تقل عن ثلاثة مليارات يورو، في حين عرضت بروكسل ملياراً واحداً فقط. في غضون ذلك، استمر تدفق المهاجرين الذين يمرون عبر بلدان البلقان باتجاه غرب أوروبا. وبات هؤلاء يسلكون طريق سلوفينيا، بعد أن أغلقت المجر حدودها مع كرواتيا، التي مر عبرها أكثر من 170 ألف شخص، خلال شهر. ووفقاً لوكالة الأنباء «رويترز»، اصطفت نحو 40 حافلة مكدسة بالمهاجرين لدخول كرواتيا من صربيا أمس مع تباطؤ مسارهم إلى غرب أوروبا بسبب تحويل مسارهم عبر سلوفينيا مع تدهور أحوال الطقس.
وأمضى الكثيرون ليلتهم في الحافلات حيث تدثروا بثياب دافئة وبطانيات تقيهم من برد الخريف. واستيقظوا ليجدوا أنفسهم مغلفين بضباب كثيف.
وأغلقت بودابست حدودها الجنوبية مع كرواتيا أمام المهاجرين في منتصف ليل الجمعة لتجبرهم على التحرك غرباً إلى سلوفينيا التي تنتمي أيضاً لعضوية الاتحاد الأوروبي، والمجاورة للنمسا.
ودخل نحو ثلاثة آلاف شخص سلوفينيا أول من أمس السبت في طريقهم إلى النمسا وألمانيا المقصدين المفضلين لمعظم المهاجرين. وكثير منهم سوريون هاربون من الحرب.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن