قضايا وآراء

… عندما يتبرأ أوباما من رهانات حلفائه.!

القاهرة – فارس رياض الجيرودي :

جاء الإعلان عن سحب آخر حاملة طائرات أميركية من منطقة الخليج وبحر عمان (حاملة الطائرات روزفلت) على وقع تصريحات الرئيس الأميركي أوباما لقناة السي بي اس، والتي تبرأ فيها مما آلت إليه رهانات حلفائه في المنطقة، حيث اعتبر أن قرار إرسال السلاح والمال لسورية لم يكن قراراً أميركياً منذ البداية بل كان رهان حلفاء أميركا في المنطقة وبالتالي لا تعتبر الولايات المتحدة نفسها مسؤولة عما انتهت إليه تلك الإستراتيجية من مآلات، وهي بناء على ذلك وعلى حد تعبيره لن تضحي بتريليون دولار آخر وبأرواح آلاف الجنود الأميركيين (كما حدث في حرب العراق) من أجل مواجهة نتائج إخفاق إستراتيجية حلفائها، تأتي الخطوة الأميركية لقطع الطريق على السعودية التي قد يجد القائمون على القرار فيها أن طوق النجاة الوحيد المتاج أمامهم بعد تهاوي مخططاتهم في كل من العراق وسورية ولبنان، وبعد غرق جيشهم في اليمن، يكمن في جر إيران لمواجهة مباشرة تضطر القوات الأميركية المرابطة في الخليج للتدخل فيها.
خطوة سحب حاملة الطائرات روزفلت مع الفرقاطات المرافقة لها من بحر عمان والخليج العربي، سبقتها خطوة أميركية أخرى مشابهة تمثلت في سحب صواريخ الباتريوت من جنوب تركيا، لقطع الطريق على أي خطوة مجنونة قد يقدم عليها حاكمها الذي يبدو أنه يعيش آخر الأيام التي يمكن له فيها أن يستحوذ على السلطة السياسية في بلاده، وذلك بعد أن وضع كل بيضه في سلة الرهان على إسقاط الدولة الوطنية السورية، أو على الأقل اقتطاع جزء من أرضها تكون منصة لمشروعه الإقليمي، فانتهت بلاده لحال ليس أفضل من الحال السعودي، حيث يواجه حرباً داخلية شرسة مع احتمالات تشظ وطني، وقد تحطمت آماله الإقليمية تماماً في المنطقة بعد أن وجد نفسه أمام قدرات عسكرية لدولة عظمى تقف إلى جانب خصمه السوري، كما يدخل حزبه انتخابات بآمال شبه مستحيلة في حيازة الأغلبية وذلك بعد أن كان يراهن منذ أشهر على أغلبية مطلقة تتيح له تعديل الدستور لتنصيب نفسه حاكما مطلقاً بصلاحيات واسعة.
يحدث كل ذلك بينما المراقب العربي العادي (الذي شكلت وسائل الإعلام العربية وعيه السياسي على أساس صورة الأميركي الذي لا يقهر) ما زال يتساءل إذا ما كانت الخطوة الروسية في سورية تأتي بالتنسيق مع الولايات المتحدة، وعن ردة الفعل الأميركية المتوقعة عليها في حال كانت ضد رغبة الولايات المتحدة، من دون أن تتسع خريطته الإدراكية التي يفسر من خلالها السياسة وتحولاتها لحقيقة أن الولايات المتحدة بكل بساطة تخسر وتنكفئ، وأننا نعيش نهاية حقبةٍ بدأت مع صعود المحافظين الجدد في مراكز القرار الأميركية، حيث اختبر هؤلاء إستراتيجية لضمان الهيمنة الأميركية على العالم لقرن جديد، والتي بنيت على أساس التدخل العسكري المباشر اعتماداً على آخر ما أنتجته التكنولوجيا العسكرية الأميركية، حيث انتهت هذه الإستراتيجية لفشل ذريع في العراق وأفغانستان، وإلى هزيمة في حرب تموز في لبنان 2006 منيت بها إسرائيل القاعدة العسكرية الأميركية في المنطقة العربية، ومن ثم تلا ذلك إخفاق الإستراتيجية البديلة التي اقترحها حلفاء أميركا والتي تمثلت بإرسال السلاح والمال والإرهابيين لإسقاط سورية الحلقة المركزية في حلف المقاومة، حيث انتهت هذه الخطة إلى دخول قوة عظمى هي روسيا بكل طاقتها إلى جانب سورية، بل بتورط حلفاء أميركا في مواجهات عسكرية صعبة.
ويمكننا تشبيه حالة الانكفاء الأميركية اليوم بمشهد الانسحاب الإسرائيلي من جنوب لبنان، حيث قررت إسرائيل فجأة أن كلفة وجودها العسكري في لبنان زادت على العائد المرجو، فتركت عملاءها لمصيرهم، هكذا قررت الولايات المتحدة أن الاستثمار في النفط الصخري مجدٍ أكثر من محاولة السيطرة على منطقة الشرق الأوسط المعقدة عسكريا، لذلك نجد مفكرها الإستراتيجي الشهير بريجنسكي يكتب مقالاً في الفاينانشال تايمز يعترف فيه بأن الولايات المتحدة لم تعد قادرة وحدها على مواجهة مشاكل العالم وعلى لعب دور الشرطي الدولي، وأنه لا بد من تنسيق بين القوى العظمى في العالم، ثم إن بريجنسكي يدعو الصين في مقاله للتوسط مع روسيا من أجل حلول أميركية-روسية لمشاكل الشرق الأوسط، وإذا ما استحضرنا الاتفاق النووي الخاص بإيران، نستخلص أننا أمام اعتراف أميركي شبه صريح بحقيقة نهوض حلف عمالقة آسيا الكبار(روسيا والصين وإيران) الذين يدخلون المنطقة العربية ليس بهدف تكرار تجارب الولايات المتحدة الفاشلة فيها، أي بمحاولة ممارسة هيمنة بديلة للهيمنة الغربية كما يتوهم البعض، بل بقصد الشراكة مع الدول الوطنية فيها لمواجهة خطر الإرهاب المخلق أميركياً والممول خليجياً، ومن أجل حرمان أميركا من فرصة التفكير بممارسة تجارب استعمارية جديدة في البر الآسيوي.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن