قضايا وآراء

التحديات الثلاثة أمام الإدارة الأميركية والأزمة السورية

د.قحطان السيوفي :

هل تستطيع دولة لديها (5%) من سكان العالم و(22%) من الاقتصاد العالمي أن تبقى قوة اقتصادية وعسكرية وسياسية مهيمنة؟
بعد انتهاء الحرب الباردة، وسقوط الاتحاد السوفييتي أصبحت الولايات المتحدة الأميركية القوة العسكرية المهيمنة، وتمثل دور الشرطي في آليات السياسة العالمية، لكن المعادلة تغيرت بعد ظهور القطبية الثنائية وبريكس، وروسيا، والصين.
المشهد الداخلي الحالي في الولايات المتحدة يظهر بدء حملة السباق إلى البيت الأبيض بين المرشحين الجمهوريين، والديمقراطيين بشكل حاد واتهامات متبادلة من العيار الثقيل. مرشحو الحزب الجمهوري وخاصة المحافظين منهم يتهمون أوباما (الرئيس الـ44 للجمهورية الأميركية) بأنه شخص معاد لأميركا.
نشطاء حركة أو حزب الشاي الجمهوري المحافظ (أو أتباع المرشح رونالد ترمب) يعتبرون أي قائد يخضع لإدارة أوباما أنه خائن للحركة وستكون عقوبته في رأيهم المقصلة (كما جاء في الفاينانشال تايمز بتاريخ 12/10/2015).
وتشير كل الدلائل إلى أن معركة السباق إلى البيت الأبيض حامية ودامية… وانعكست عملياًعلى سياسة أوباما بالمزيد من الضعف، والانكفاء.
المشهد الدولي اليوم يشير إلى وجود مواضيع ساخنة في ثلاث مناطق في العالم يتم فيها اختبار قوة الولايات المتحدة من منافسيها؛ في ظل إدارة الرئيس أوباما المترددة بين الابتعاد أو المواجهة.
أولاً، الأزمة السورية وتصعيدها من الولايات المتحدة وحلفائها الإقليميين دفعا روسيا للتدخل العسكري للمساعدة في إيجاد حل سياسي للأزمة السورية.
وثانياً، المواجهة الأميركية الصينية في المحيط الهادي وبحر الصين الجنوبي.
والموضوع الثالث، نشر المزيد من قوات حلف الأطلسي في دول منطقة البلطيق.
هذه القضايا الكبيرة الثلاث كانت ولا تزال تجري في مناطق مختلفة وتشغل العالم، لكنها جميعاً مرتبطة بموضوع هيمنة القوة العسكرية الأميركية.
في الشرق الأوسط يتركز اهتمام الولايات المتحدة على حماية مصالحها وقي مقدمتها أمن إسرائيل، والنفط… ولها قوات عسكرية بحرية وجوية ضخمة… وجدت لحماية مصالحها وطمأنة حلفائها الخائفين… وتهديد القوى الإقليمية والدولية المنافسة… وتشجيع حلفائها الإقليميين على إرسال المزيد من السلاح والمرتزقة للتنظيمات الإرهابية في سورية لتقوم بقتل وذبح وتشريد السوريين… لكن المعادلة تغيرت.
في شرق آسيا اعتاد الأميركيون اعتبار المحيط الهادي وكأنه شبه بحيرة أميركية لضمان ما يسمونه حرية التنقل وطمأنة الدول الحليفة لأميركا هناك. والمعادلة تغيرت أيضاً.
في أوروبا اعتاد حلف الناتو حماية وطمأنة الدول الإقليمية المشاركة فيه… وتساهم الولايات المتحدة بنسبة (7%) من الإنفاق العسكري لحلف الناتو. ولكن المخاوف تزايدت بعد أحداث أوكرانيا، واستعادة روسيا للقرم.
المشهد الدولي اليوم يشير إلى تغيرات كبيرة طرأت على هذه المواضيع الثلاثة؛ في الشرق الأوسط؛ تدخل القوات العسكرية الروسية في سورية جاء للمساعدة في إيجاد حل سياسي للأزمة السورية، بالمقابل يؤكد وجود القوات الروسية على الأراضي السورية مدى ضعف أو فقدان السيطرة الأميركية في منطقة الشرق الأوسط، وفرض ذلك أمراً واقعاً جديداً… قراءة ما جرى تشير إلى أن كل ذلك تم في أعقاب ما سمي الربيع العربي، وانسحاب القوات الأميركية من العراق، وما أنتجه من تدمير لبعض الدول، ونشر للفوضى، وتفريخ للمنظمات الإرهابية… مع سياسة أوباما المنكفئة، والقائمة على عدم نشر قوات برية على الأرض، والادعاء بمكافحة الإرهاب جواً، ما يساعد عملياً على إطالة عمر الإرهاب… لاشك أن وجود القوات والسلاح الروسي في سورية، وإطلاق صورايخ كروز من الأسطول الروسي في بحر قزوين باتجاه مواقع التنظيمات الإرهابية في سورية، خلقا واقعاً جديداً ويعتبران تحولاً إستراتيجياً كبيراً في منطقة الشرق الأوسط… بل إن الفاينانشال تايمز ذهبت بعيداً لتقول بلهجة متهكمة، ولئيمة (إنها محاكاة ساخرة للتدخلات العسكرية الأميركية السابقة في المنطقة) في آسيا المارد الصيني أصبح قوة إقليمية وعالمية كبرى وفرض واقعاً جديداً؛ حيث قررت الصين بناء جزيرة اصطناعية في بحر الصين الجنوبي، وأصبحت مطالب الصين في المياه الإقليمية التي تبعد آلاف الأميال عن سواحلها شيئاً ملموساً. واشنطن تقول إنها لن تتخذ أي موقف يتعلق بنزاعات الصين الإقليمية مع جيرانها… في أوروبا مشكلة أوكرانيا، وضم روسيا لشبه جزيرة القرم خلق واقعاً مستجداً لأول مرة منذ الحرب العالمية الثانية، وشكل قلقاً كبيراً لدى دول منطقة البلطيق التي كانت جزءاً من الاتحاد السوفييتي السابق… وهذا ما دعا حلف الأطلسي لتعزيز وجوده العسكري هناك.
القضايا الثلاث المشار إليها تؤكد أن السيطرة على الأراضي لا تزال أساسية في السياسة العالمية رغم الحديث عن عالم بلا حدود، يقول الدبلوماسي البريطاني السابق روبرت كوبر (النظام العالمي الجديد هو النظام الإقليمي. إذا لم تكن تعرف من يملك الأراضي، فإنك لا تعرف أي شيء عن النظام الدولي).
مناطق أوروبا، وشرق آسيا أصبحت أقل فاعلية (حسب الفاينانشال تايمز)، أما منطقة الشرق الأوسط فإنها، عملياً، تتهاوى، ما يزيد قلق أوروبا وآسيا، من خلال إثارة تساؤلات عن القوة الأميركية، ومتانة الحدود الدولية… لدرجة أن المختصين في الإستراتيجية الأميركية يقولون إن تراجع الولايات المتحدة وضعفها في الشرق الأوسط يقوضان هيبتها في آسيا… إدارة أوباما تتعرض لضغوط داخلية وخارجية للعمل على استعادة بعض من هيبة وقوة الولايات المتحدة من خلال الاستجابة أكثر لهذه التحديات الإقليمية لدرجة أن هناك مطالب لأن تتخذ أميركا قرارات بإرسال قوات برية إلى مناطق التحديات، لكن الرئيس أوباما يدرك تماماً النتائج السلبية للتدخلات العسكرية الأميركية في الحروب العبثية في العراق وأفغانستان، وهو حذر جداً من مخاطر المواجهة العسكرية مع روسيا والصين. ويصبح المشهد أكثر تعقيداً مع الجدل حول ما هي القوة (المرجعية) في السياسة العالمية. إدارة أوباما ترى المطالب الروسية الصينية الإقليمية بمنزلة تحديات تواجه النظام العالمي، ويشعر الأميركيون بالقلق حيال السماح للتغيرات الإقليمية بالانتشار، بالمقابل روسيا تعتبر أن الولايات المتحدة هي التي تقوض فعلاً النظام العالمي من خلال رعاية وتشجيع المحاولات الفاشلة لتغيير الأنظمة في سورية وأوكرانيا.
خلط المخاوف سيوضح مدى تعقد الصراعات الإقليمية في جميع أنحاء العالم في ظل إدارة أميركية منكفئة، مترددة غير قادرة على اتخاذ قرارات كبرى بحجم التحديات… واستعاضت عن المواجهة بحروب الوكالة بحلفاء واشنطن الإقليميين، الغارقين، أصلاً، في مشاكل محلية وإقليمية… ولاشك أن العالم دخل مرحلة جديدة مما يسمى لعبة الأمم… والأزمة السورية أصبحت في المركز الرئيسي لهذه النزاعات… ويبقى المحور المقاوم للهيمنة الأميركية في تألق… والدفاع المشروع عن الدولة الوطنية السورية مسؤولية الشعب ومؤسسات الدولة السورية، بالتعاون مع الأصدقاء والحلفاء للشعب السوري، وهذا ما نشهده على الأرض.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن