قضايا وآراء

توافق موسكو القاهرة دمشق : هل يقلص النفوذ السعودي؟!

باسمة حامد :

محاولات وسائل الإعلام في كل من مصر والسعودية لإثبات «رسوخ العلاقات الثنائية» لا تنفي حقيقة وجود خلافات عميقة بين البلدين، فقد بات واضحاً أن النظام السعودي الذي يحصد خسارات بـ«الجملة والمفرق» لا تروق له المواقف المصرية الأخيرة.
ورغم سياسة «التعمية والتجميل» التي ينتهجها السعوديون والمصريون للتغطية على خلافاتهما، إلى أن مواقف القاهرة حيال قضايا المنطقة جعل السعوديين وحدهم يدفعون ثمن عواصف «حزمهم وأملهم»، فالقاهرة تعارض الرغبات السعودية تماماً وإن كان المتحدث باسم الخارجية المصرية جمّل تلك الحقيقة بكلام سياسي عام من قبيل: «لكل دولة في بعض الحالات مواقف قد لا تتطابق مع مواقف دولة أخرى بنسبة 100%»!!
وفي الواقع، لا شك أن رفض القاهرة للتورط بالمستنقع اليمني، ودعمها لحل سياسي في سورية يحفظ سيادتها ووحدة أراضيها على قاعدة: «محاربة التنظيمات الإرهابية وترك مسألة مصير الرئيس الأسد للشعب السوري».. ومباركتها للخطوة العسكرية الروسية تستند إلى قراءة موضوعية لما يجري.
وفي هذه القراءة، أدرك المصريون أن النظام السعودي متطرف في سياساته القبلية الحاقدة، ويذهب بعيداً في خيارات خاطئة تضر بالأمن القومي المصري والعربي: (التحالف مع حكومة «العدالة والتنمية» التركية و«إسرائيل» وقطر وجماعات «الإسلام السياسي» التي «تفرّخ» التنظيمات الإرهابية بمختلف مسمياتها).
والمواقف المصرية أبعد من كونها مجرد: «أمل في تحريك المسار السياسي وإنهاء الجمود الحالي» وفق تصريح وزير الخارجية سامح شكري، فالسياسات السعودية وصلت إلى حائط مسدود وأهداف الرياض أصبحت مستحيلة التحقيق سواء في سورية أو اليمن أو فلسطين والعراق ولبنان وليبيا.
والدولة المصرية في ظل الانكفاء الأميركي ودخول العالم زمن التسويات والتفاهمات ليس من ضمن أولوياتها استعداء إيران أو إنقاذ مشروع «الإسلام السياسي» في تركيا أو(إسقاط النظام السوري) أو إعادة كرسي الرئاسة اليمنية إلى هادي كما هو الحال عند الـسعود، بل تريد الحفاظ على أمنها واستقرارها وتسعى لاستعادة دورها الإقليمي والقضاء على الحلم الأردوغاني ومفرزاته، واحتواء الإرهاب المتفشي في الدولة الجارة ليبيا:(أكبر بؤرة للإرهابيين والمتطرفين في العالم)، وهذه العناوين وغيرها لن تتحقق لمصر ما لم تنجح في بناء علاقات وثيقة مع تحالف موسكو وخاصة أنه يدرس توسيع نطاق الضربات الجوية ضد الإرهابيين.
وفي هذا الإطار، من غير المستبعد أن يثمر التوافق المصري الروسي السوري تفاهمات مهمة أخرى غير مريحة للمراهقين في الرياض والدوحة وللمراهنين في «تل أبيب» وأنقرة، والحديث هنا يدور عن احتمال حدوث حوار مصري إيراني بوساطة سورية في المستقبل، والأمر وارد جداً لالتقاء المصالح مع إيران القوة النووية والدولة الإقليمية الداعمة للدول التي تحارب الإرهاب في الشرق الأوسط.
ولأن ورقة الإرهاب التي تلعب بها السعودية لصناعة خرائط جديدة أصبحت محروقة ومكشوفة ومرفوضة، ولأن التوجهات المصرية تحظى بالتأييد الروسي وبالدعم الشعبي العربي الواسع.. ثمة فرصة متاحة اليوم لمصر لاستعادة دورها المسروق منذ ما قبل حقبة «الربيع العربي»، وهي فرصة تاريخية ستعيدها بقوة إلى الساحة العربية والإقليمية والدولية، وستمكنها – مسنودةً بمحور المقاومة- من تقليص النفوذ السعودي المسنود على «حيطان مايلة». ومن ثم صياغة مشهد عربي جديد أولوياته تبدأ بالقضاء على مسببات الإرهاب والتطرف التي كان الرئيس المصري قد شرحها باستفاضة في مؤتمر القمة العربية بالقاهرة:”الفقر والبطالة والأمية والمشكلات الاجتماعية والاقتصادية».

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن