من دفتر الوطن

الكلمة… السلاح

عصام داري

 

«عدّى النهار.. والمغربية جايّة
تتخفّى ورا ضهر الشجر
وعشان نتوه في السكة
شالِت من ليالينا القمر»
هذه الكلمات الرومانسية هي مطلع أغنية «عدى النهار» التي كتبها الشاعر المصري الكبير عبد الرحمن الأبنودي، وغناها عبد الحليم حافظ بعد حرب حزيران عام 1967، وقد قيل الكثير عن تلك الأغنية التي فجرت روح الوطنية لدى المصريين، بل إن هناك من الأدباء من اعتبر الأغنية أحد أسباب نصر اكتوبر (حرب تشرين).
هكذا تحرك الكلمة البسيطة والنابعة من وجدان شاعر يحمل هم الوطن، الشارع وتخلق حماسة لدى الجماهير تجعلها قادرة على صنع المعجزات.
رحل شاعر مصر الكبير عبد الرحمن الأبنودي بعد أن سطر بقلمه حكايات مصر وروايات شعب ومسيرة بلد.
لم يكن الأبنودي يتحدث بضمير المصريين وحدهم عندما نظم أغانيه الوطنية، بل هو كان ابن مرحلة عرفت النكسات والنكبات، وهي أيضاً مرحلة تاريخية كان الشعب العربي هو الذي يرسم قصة نهوض قومي ومد جماهيري جارف هو مزيج من العواطف الجياشة وحب الوطن وسيطرة فكرة القومية العربية على الشارع العربي العريض، ولعل هذه المشاعر هي التي عجلت بقدوم مخططات تقسيم وطننا العربي وزرع بذور الفتنة في المجتمعات العربية.
عاش الأبنودي في عصر العمالقة في الأدب والشعر والموسيقى والغناء، هذا العصر الذي صعب أن يتكرر، لأنه كان خلاصة تجارب سياسية وفنية أسهم في نهضة كبيرة في المجالات كافة.
في هذا العصر كان هناك شعراء الأغنية الوطنية إلى جانب الأبنودي، ومنهم صلاح جاهين– واسمه الحقيقي محمد صلاح الدين بهجت أحمد حلمي- الذي قدم أروع أغانيه الوطنية في تلك المرحلة ومنها: «ثوار» و«راجعين بقوة السلاح» من ألحان رياض السنباطي وغناء أم كلثوم التي غنت من كلماته وألحان كمال الطويل «والله زمان يا سلاحي».
لن نمضي في الحديث عن تلك الحقبة الغنية بالعطاء شعراً وتلحينا وغناء، لأن الحديث يطول، لكننا نشير إلى عصر العمالقة الذين يعتبر الأبنودي القادم من صعيد مصر واحداً منهم، بشعر العامية وببعض أعماله الخالدة.
نذكر من أعماله فيلم «شيء من الخوف» للفنانة شادية ومحمود مرسي والعبارة التي تتردد حتى الآن «زواج فؤادة من عتريس باطل».. كم نذكر أغاني رائعة مثل: أنا كل ما قول التوبة، وعيون القلب سهرانة وساعات ساعات وابنك يقولك يا بطل وتحت الشجر يا وهيبة وعدوية والعشرات من الأغاني التي نعرفها ونجهل من كتبها ولحنها.
برحيل الأبنودي صاحب «الليلة الكبيرة» مع الراحل سيد مكاوي، تفقد الحركة الفنية والشعر المحكي.. أو الزجل واحداً من أهم رموزها وعمالقتها، وتفقد الساحة العربية رجلاً غنى للوطن وللحرية وللإنسان الطيب البسيط، واستطاع أن يصل إلى قلوب وعقول الملايين على امتداد الأرض العربية.
فقدنا رجلاً من الرجالات الذين أكدوا من خلال كلماتهم وشعرهم أن الكلمة سلاح يسهم في حشد الجماهير حول فكرة أو فلسفة أو حول الأوطان، وقادرة على أن تكون عنصراً من عناصر النصر.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن