قضايا وآراء

بين «زلزال» موسكو و«براكين» المنطقة، هل من «تسونامي» قادم؟

فرنسا – فراس عزيز ديب :

في علوم الأرض، فإن للكوارث الطبيعية مجموعة من الهزات الارتدادية، تُشكل بمجموعها مايُسمى «التسونامي». في السياسة، وإنْ كانت الصحافة العربية والعالمية أجمعت على وصف زيارة الرئيس الأسد إلى موسكو بالزلزال، فهل بدأنا مرحلة الهزات الارتدادية للزيارة، وصولاً لتسونامي مُنتظر؟
خلال اجتماع نادي «فالداي» الدولي في «سوتشي»، قال بوتين كلاماً مهماً، من بينه مثلاً أنه «لو سقطت بغداد أو دمشق لاكتسب الإرهابيون صفةً رسمية»، لكن ماذا عن سقوط كلٍّ من الرياض منذ عقود وأنقرة منذ ما يزيد على العقد في يد الإرهاب، ألم يكتسب الإرهاب صفةً رسميةً عندما أصبحت دول مارقة كمملكة «آل سعود» وحكومة «العدالة والتنمية» هي جزءٌ من الحلول لكلِّ هذه الفوضى في المنطقة، مع العلم أنها بالأساس هي المشكلة، وعليه لا يمكن لنا أن نعوِّل على أيّة لقاءاتٍ ما دام ممثلو الإرهاب يجلسون بصورةٍ رسمية في المؤتمرات والمحافل الدولية، فهل حقاً أن اجتماع فيينا الذي انتظره الجميع قد أتى بجديد؟
قبل أن يدخل لافروف إلى اجتماع القمة في فيينا، بدأ إعلام «البتروديمقراطية» كالعادة بالترويج لفكرة أن الروس قبلوا طرحاً يتضمن بقاء الأسد لمرحلةٍ انتقالية من ستة أشهر، بل هناك من تحدث عن ربط زيارة الأسد بإقناعه بهذا الحل، لكن تصريحات رئيس الوزراء الروسي «ديمتري ميدفيدف» قبل الاجتماع حاولت استباقاً نسف كل هذه التسريبات، حتى انتهاء الاجتماع والذي أعلن فيه لافروف صراحةً أن لا وجود لطروحات كهذه، وأن الموقف الروسي ثابت بأن مصير سورية يحدده الشعب السوري.
كلام لافروف عقب الاجتماع لا يعني ضرب الأمنيات التي يسوق لها الحلف المعادي لسورية فحسب، لكنه أساساً تأكيدٌ لفكرة أن الاجتماع بالمطلق قد فشل.
إن تضارب التصريحات هو انعكاسٌ لفكرة إخفاق المباحثات، و«آل سعود» دخلوا الاجتماع ترافقهم زلة لسان وزير خارجيتهم المصاب بفوبيا الأسد، فعقب لقائه مع وزير الخارجية النمساوي قال الجبير إن الأسد «هو المغناطيس الذي يجذب المقاتلين الأجانب من جميع أنحاء العالم ليقاتلوا في صف داعش ضد نظام الأسد». هذا الكلام يجب التوقف عنده مطولاً، فإذا كانت داعش صنيعة النظام كما روجوا سابقاً فكيف استقدمها لتقاتل ضده؟ وإذا كانت داعش تقاتل «نظام الأسد» فهذا يعني أن النظام السوري لا يقتل شعبه وأنه بالفعل يحارب الإرهاب وباعتراف «السعوديين»، هذا إذا ما أخذنا بالحسبان أن ظهور داعش كان مع بداية 2012 أي بعد 10 أشهر فقط من حدوث ما يسمونه «الثورة السورية».
أما الأتراك، فهم شاؤوا أم أبوا باتوا مكبلين بالتحضير للانتخابات من جهةٍ، وبالوضع الداخلي الذي يشبه الرمال المتحركة من جهةٍ ثانية، تحديداً أن «العدالة والتنمية» وعلى طريقة «سمير جعجع» في لبنان، لم تقدم وعداً فيما يخص الشأن السوري وصدقت به، فماذا يمكنها أن تقدم في مؤتمرات كهذه؟
أما الإدارة الأميركية فتبدو هذه الأيام وكأنها تعيش مراحل التصفية التي تبدأ عادةً بنشر فضيحةٍ تتعلق بإدارة الرئيس المنصرف، كالحديث عن دعم كلينتون للجمهوريين في الحروب التي خاضوها في الشرق الأوسط، حتى الحديث عن عقدة «مصير الرئيس السوري» التي مللناها يبدو أنها سقطت من يد الإدارة الأميركية، وإلا فلماذا أعلن البنتاغون بالأمس رفض التعاون مع الروس بشأن سورية بسبب الأحداث في أوكرانيا؟ ما هذا التناقض؟!
أما الروس فهم أرادوا سابقاً إبعاد الإيرانيين عن الاجتماع، حتى لا يتخذها ثلاثي الإرهاب العالمي ذريعة لتفجير الاجتماع قبل بدئه، تحديداً أن الروس كانوا يثقون بأنهم لن يرضخوا لأي نوعٍ من الضغوطات، بل أكثر من ذلك هم مصحوبون بوجهة نظر بوتين التي لا ترى أن المشكلة في العالم اليوم تكمن في القانون الدولي، بل المشكلة تكمن في احترام القانون الدولي، كذلك الأمر فإن الأولوية تبدو في مكافحة الإرهاب للوصول للتسوية السياسية، وليست التسوية السياسية التي تقودنا لمكافحة الإرهاب.
انطلاقاً من ذلك طرح الروس انضمام مصر وإيران للمباحثات القادمة، مطلبٌ فيه الكثير من الدهاء، هم أرادوا وبطريقةٍ غير مباشرةٍ ضرب كل من تركيا ومملكة «آل سعود» من خلال العدوين اللدودين مصر «السيسي» وإيران على التوالي، تحديداً أن الروس يجاهدون لتوسيع رقعة الدول الداعمة للحرب على الإرهاب؛ بدأت بوادر ذلك تظهر في الأردن، بينما لا يزال الباقون يجاهدون لحصر هذا الأمر بالقيادة الأميركية للتحالف لتستغله كما تشاء. كلّ هذه الأمور تبدو في الشكل من خلال «بريستيج المؤتمرات الدولية»، بمعنى آخر:
هناك هدفٌ أبعد، ألا وهو حشر مصطلح «المعارضة المسلحة المعتدلة» الذي يتمترس خلفه الحلف المعادي لسورية في زاوية الواقع الذي لم يعد هناك إمكانية لتجميله، فكيف ذلك؟
في الزيارة الأخيرة للرئيس الأسد إلى موسكو، حاولت القيادة الروسية معرفة وجهة نظر الرئيس الأسد حول مشاركة «المعارضة المسلحة» في الحرب على الإرهاب.
ربما تأكد الرئيس بوتين شخصياً بأن القيادة السورية ليس لديها مشكلة في ذلك، بل هناك الكثير من الأمثلة عن تطبيق ذلك في العديد من المناطق السورية، وهناك الكثير من الجماعات المسلحة -غير الراديكالية- وحَّدت بندقيتها مع الجيش السوري، ومنها من هو مسؤول عن حماية مناطقه حالياً.
هذا الأمر بالتأكيد يشكل قيمةً مضافةً للحلف الروسي في قادمات الأيام، بمعنى آخر:
أعطونا من هي المعارضة المسلحة التي تدعمونها والتي ستحارب الإرهاب، تحديداً أن هذا الأمر تزامن مع تحولٍ خطير شهدته ساحات الميدان عندما توحّدت كل من النصرة التي ينتمي إليها «جيش الفتح» والذي هو بالنهاية فرعٌ لتنظيم القاعدة في سورية مع داعش للقتال على جبهة (خناصر – أثريا)، ومحاولة قطع طريق حلب الوحيد، بعد التقدم الملحوظ لقوات الجيش العربي السوري في الجنوب والجنوب الغربي لحلب. فهل هم بالفعل معارضةٌ سوريةٌ أم مجرد مرتزقةٍ يتم استخدامهم حسب الحاجة، كما يحدث في مناطق أخرى؟
بالأمس وجه السيد حسن نصر اللـه رسائل مهمة، دفعت جمهور المقاومة لإطلاق عبارة «الموت لآل سعود». عبارةٌ هي استنساخٌ كاملٌ لفكرة «الموت لإسرائيل». في الواقع ليس جمهور المقاومة من وضع محوري الشر في بوتقةٍ واحدة، لكن التحالف الذي بات معلناً بين الطرفين هو من يجعلهما المسؤولين عن الدمار والخراب والدماء البريئة التي تسقط، تحديداً أن كلاهما يتبع الأسلوب ذاته في الدفاع عن نفسه.
لم يكن مستغرباً ما سربته الصحف عن قيام «جيوش التنابل» باستقدام مئات المرتزقة الكولومبيين للمشاركة في الحرب اليمنية بعد وصول مرتزقةٍ سودانيين. مشيخات تكمل دورة حياتها عبر المرتزقة تماماً كما يكمل الكيان الصهيوني دورة حياته عبر المهاجرين القادمين إليه بمغرياتٍ شتى، والأهم أنهما يكملان مسلسلهما الدموي بما يستجلبونه من مرتزقةٍ للقتال ضد هذه الدولة أو تلك.
في الطرف الآخر، بُثَّ شريطٌ قيل إنه تابع لتنظيم داعش يتوعد فيه «إسرائيل»، ربما هو أصدق شريطٍ تبثه داعش، لأن من ظهر فيه كان يتحدث باللغة العبرية؛ أي اللغة الأم لداعش.
إن هذا الشريط في النهاية يحمل أبعاداً مهمة، ولكن جميعها تصب في مصلحة الكيان الصهيوني. نتنياهو ومنذ أشهر قال إن سقوط حماس يعني سيطرة داعش، بالتالي فإن القضاء على الانتفاضة بات محمياً بفكرة التهديد الداعشي، هي ذات الطريقة التي كانت الولايات المتحدة تستخدمها عند بث أشرطة «بن لادن» عبر الراعي الرسمي لتنظيم القاعدة في العالم «قناة آل ثاني»، فهل أن هذا الكلام يعني أن هناك اتفاقاً (إسرائيلياً – خليجياً) بوأد الانتفاضة وبأي طريقةٍ؟
جميع الملفات متشابكةٌ أكثر من أي وقتٍ مضى، فالانتفاضة قد تعني انتفاضاتٍ، والورطة في اليمن قد يعني غرقاً في «باب المندب».
لا يجب فهم كل تصريح من الطرف المقابل حتى ولو كان تهديداً بالحرب وكأنه تصريحٌ من مصدر قوة، هناك من بات يرقص مذبوحاً من الألم، ألم يقل «إيال إيزيس» في «إسرائيل اليوم» منذ أيام (احذروا الشرق الأوسط الجديد الذي بات يتشكل ببطء، لأنه الشرق الذي ستملؤه روسيا وإيران بدلاً من الأميركيين). هل كانت البداية هي الاتفاق (القطري – الإيراني)؟ ربما، لكنه يبقى هامشاً وتفصيلاً… منطقة بحجم الشرق الأوسط باتت بانتظار ما هو أهم… إنه تسونامي زلزال الزيارة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن