ثقافة وفن

«المخدوعون» في نادي عشتار السينمائي … 43 سنة وما زال الفيلم يحكي قصة معاصرة

عامر فؤاد عامر :

«أبناء في الشمس» الرواية الأولى للأديب الفلسطيني المرحوم «غسان كنفاني»، والتي طرحت مجموعة كبيرة من الأسئلة في الموت الفلسطيني والتشرد الذي حلّ بأبناء فلسطين بسبب انعكاسات النكبة الفلسطينيّة عام 1948، وتحمل الرواية صوتاً فلسطينيّاً يعبر عن الضياع الطويل، كما تحمل الرواية إدانات كثيرة لكلّ الأطراف التي تسببت بالنكبة من قيادات عاجزة وأخرى خائنة، وفي استسلام شعب من خلال تخليه عن الأرض بحثاً عن الخلاص خارج الحدود، وتفاصيل الرواية يقدّمها الكاتب في ذاكرة العام 1958 ورحلة سفر فاشلة لثلاثة أشخاص من أعمار مختلفة قرروا الذهاب إلى الكويت بالتهريب في خزان شاحنة مغلق لاقوا حتفهم فيه اختناقاً، ويذكر أن الإصدار الأول لـ«أبناء في الشمس» كان عام 1963.

من الرواية للفيلم
الخطوة الوليدة للرواية جاءت في فيلم «المخدوعون» الذي أنتجته المؤسسة العامة للسينما في سورية عام 1972 في خطوة قويّة منها بعد أن باءت بالفشل جميع محاولات إنتاجه في مصر. واليوم يعيد النادي السينمائي لمؤسسة «أحفاد عشتار» عرض فيلم «المخدوعون» الذي يحاكي واقعاً مريراً عانت منه الأمة العربيّة سابقاً، ومن الجميل استذكار فيلم بارز يعدّ من بين أهم مئة فيلم سينمائي عربي، يحمل انعكاسات شديدة التشابه مع الواقع الحالي، وقد حضر العرض مجموعة من المهتمين بالشأن السينمائي، وعقب العرض مناقشة بشأن الفيلم وما يحمله من معانٍ ومعاناة.

الأهمّ عن فلسطين
أشاد المخرج «باسل الخطيب» في تقديمه للفيلم قبل العرض بتاريخ السينما السوريّة التي تتضمن سيرة حافلة من الأفلام المهمّة والتي تحمل مضموناً ورسالة تُستحق رؤيتهما من جديد، وأثنى على جهود نادي «عشتار السينمائي» في توجيه الأنظار لمثل هذه الأفلام القيّمة، وأضاف عن الفيلم: «فيلم المخدوعون الذي أخرجه رائد السينما الواقعيّة في مصر والعالم العربي المرحوم «توفيق صالح»، أنتجته المؤسسة العامة للسينما عام 1972 وبرأي الكثير من النقاد أن هذا الفيلم من أهم الأفلام التي أُنتجت في الوطن العربي، والتي تناولت القضيّة الفلسطينيّة، والفيلم مستوحى من رواية «رجال في الشمس» للأديب الفلسطيني الراحل «غسان كنفاني»، ويقول «توفيق صالح» عن فيلمه هذا إنّه «مليء بالغضب والحزن»، وسنتمكن من فهم هذه العبارة عندما نتتبع فترة إنتاج الفيلم، التي جاءت بعد نكسة حزيران، وبعد وفاة القائد «جمال عبد الناصر» وقد كانت حالة من الاحتقان موجودة في الشارع العربي عموماً».

واقعي توثيقي
فيلم «المخدوعون» المحفور في الذاكرة، والذي يعدّ من أهم الأفلام التي بقيت راسخة في تاريخ السينما العربيّة عموماً، فهو يعبّر بصورةٍ مباشرةٍ عن واقع مرير ومرحلة مهمّة عاشها أبناء الوطن، وعانوا منها بقسوة، ومن الجدير بالذكر أن كلّ أبطال العمل الذين جسّدوا الشخصيّات الرئيسة في الفيلم همّ من نجوم الفنّ في سورية، والذين غادر قسم كبير منهم الحياة، ولذلك يُحسب نجاح هذا الفيلم رصيداً واضحاً ومهماً لهم في الحركة التوثيقيّة للتاريخ العربي الحديث، ولاسيما أنّه من إنتاج المؤسسة العامة للسينما، ومن بين الحضور اليوم في أثناء عرض الفيلم كان أحد أهم أبطال الفيلم وهو الفنان القدير «بسام لطفي».

محظوظ مع مخرج الجوائز
تحدث القدير «بسام لطفي» في نهاية عرض الفيلم في صالة «الكندي» في دمشق، عن شعوره بالفخر وعن عودة ذاكرته إلى إحدى أهم المحطات الحافلة في حياته الفنيّة، فقد كان سعيداً بأحداث عرضه منذ ذلك الحين، وقد كان يتتبعها بشوق، وفي ذلك يقول: «تمّ عرض فيلم «المخدوعون» في العاصمة الفرنسيّة «باريس» في ست صالات سينمائيّة، وذلك بسبب تهديد صاحب الصالة التي تعرضه بالحرق أو التفجير، وهكذا تمّ تنقل هذا الفيلم من صالة لأخرى في ستّة عروض متتالية، وهناك ميّزة أخرى في الفيلم وهي في تبني المخرج «توفيق صالح» له، فهو كما معروف عنه صاحب لقب «مخرج الجوائز» فقد عمل في حياته 6 أفلام سينمائيّة حصد من خلالها 6 جوائز في المهرجانات، وقد كنت محظوظاً لأنّني اشتغلت معه، على الرغم من صدمة اللقاء الأول به، لكن فيما بعد استطعت فهمه كما يجب». وقد تطرق الفنان «بسام لطفي» لصعوبة العمل والمعاناة التي عاشها في تفاصيل هذا الفيلم، وعن مواقع التصوير التي كانت بين سورية والعراق.

مقارنة مؤلمة
تبدو أهمية هذا الفيلم وتبرز لدى المقارنة بين ما يحصل اليوم من هجرات متكررة لأبناء الوطن وخصوصاً شريحة الشباب المُنتج نحو بلاد الغرب بحثاً عن فردوسهم المفقود وبين أحداث الفيلم التي تروي هجرة مجموعة شباب الوطن والتي حلّت بعد نكسة حزيران والاتجاه نحو دولة الكويت معتقدين أنها بلد الثروات والعمل والفردوس الذي سينجيهم من متاعب الحياة وضنك العيش، وليست هذه المقارنة فقط هي الوليدة من تتبع أحداث فيلم «المخدوعون» فهناك صدمة التشابه بين تجار الأزمة في تلك المرحلة وتجار الأزمة في مرحلتنا الحاليّة إذ تكاد تكون نفسها مع كلّ آسف، ولا بدّ من الإشارة إلى أنه قد مضى على إنجاز الفيلم «المخدوعون» قرابة 43 عاماً!

هجرة قديمة حديثة
الدكتورة «أيسر ميداني» رئيسة مؤسسة «أحفاد عشتار» كان حديثها أيضاً عن توعيّة ولفت الانتباه الى النزيف الذي يصيب الوطن بسبب مسألة الهجرة المتكررة لأبنائه، وفي ذلك تحدّثت: «قصة قديمة حديثة هي قصة اللجوء والهروب من البلد التي تحمّلت المشاكل وعانت منها، واللجوء إلى وهم الجنة المفقودة خارج البلد مسألة لا بدّ من التوعية في شأنها ومناقشتها مع الجميع، فهناك يكمن تجار الرقيق والسفر، الذين يروجون لفكرة السفر خارج سورية، وعلينا استيعاب أن ألمانيا وجميع الدول الأوروبيّة هم الأعداء الأوائل لسورية، وهم من ساهموا بفرض العقوبات عليها، وهم من افتعلوا الحرب علينا، وهم من يرسل بالإرهاب إلينا، وهم من يروج لفكرة استقدام الشباب إلى بلادهم، ولا شكّ أن هذا استهداف جديد لشعبنا، ولطبقة الشباب بالتحديد، والفيلم يشابه رحلة المعاناة التي يخوضها شبابنا اليوم، وما كلّ ما يُصوَّر بأنّه جنّة في الخارج هو كذلك! والفيلم يروي أن الفلسطينيين توهموا أن الجنة في الكويت لكن الأحداث تشير إلى نتيجة وهميّة وهدف واهي، واليوم في واقعنا الحالي تتشابه هذه الصورة، فشبابنا يعتقد أن الجنّة في بلاد الغرب، والحقيقة هي أنهم سيكونون رقيقاً، لأن الغرب لو كان لديه القيم الإنسانية التي يتشدّق بها اليوم، لكان كحدّ أدنى منح المسافر الفيزا ليصل بصورة نظاميّة ومحترمة! لكن الهدف هو الإذلال وإطلاق صفة اللاجئ على كلّ من يصل منهم، كي تبقى سيطرة الحكومات الغربيّة عليهم، وبصورة دائمة، وهذا الوضع مؤثر جداً».
يذكر أنّ فيلم «المخدوعون» من إنتاج وتوزيع المؤسسة العامة السينما عام 1972 عن رواية الأديب الفلسطيني «غسان كنفاني»، «رجال في الشمس» وللمخرج المصري «توفيق صالح» والسيناريو والحوار له أيضاً، وهو من تمثيل نخبة من نجوم الفن في سورية: «محمد خير حلواني»، و«بسام لطفي»، و«عدنان بركات»، و«ثناء دبسي»، و«عبد الرحمن آل رشي»، و«نجاح حفيظ»، و«سعد الدين بقدونس»، و«قمر مرتضى»، و«يولاند أسمر»، و«يوسف حنا»، و«أحمد عداس»، و«سليم كلاس»، و«علاء الدين كوكش» وآخرون. والموسيقا التصويريّة لـ«صلحي الوادي»، ويذكر أن الفيلم فاز بعدّة جوائز عربيّة وأجنبية.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن