ثقافة وفن

دائرة الإساءة ..

د. اسكندر لوقا :

نادرا ما يحاول أحدنا تخطي الإساءة إليه من قبل الغير. ونادرا ما يكون قادرا على الصفح أو المغفرة لمن أساء إليه، ذلك لأن الإنسان مفطور على ممارسة سلوك ردة الفعل مثلما هو مفطور على ممارسة سلوك الفعل. من هنا قد يخطئ معرفة ما هو الصحيح وما هو الخطأ في سياق تقدير الموقف، سواء فيما يتعلق بالفعل أو بردة الفعل.
ولهذا الاعتبار أيضاً كثيراً ما يختار أحد سلوك الإساءة للرد على الإساءة، بحجة دفاعه عن نفسه أو بحجة ردع الآخر حتى يتجنب تكرار إساءته إليه، وبذلك نادراً ما ينتهي الأمر إلى ما يرضي الطرفين اللذين يتبادلان الحجج دفاعا عن النفس وبالتالي، تبقى تبعات الإساءة عالقة بينهما من دون حل.
إن علاقة كهذه بين الإنسان والإنسان، في الزمن الصعب وخصوصاً في المجتمعات التي يجري التنافس فيها لتحقيق ربح غير مشروع، غالبا ما ينتج عنها وضع يدفع بهذا الطرف أو ذاك، في سياق معادلة الصحيح والخطأ، إلى سلوك الدرب الذي يراه مؤيدا لموقفه سواء من الناحية المادية أو من الناحية المعنوية. ومن هنا يزداد الشرخ اتساعا بين الناس عموما، وأحياناً إلى حد تبادل الرأي باستخدام الأيدي لا الأفكار أو الحجج المقنعة.
هذا الواقع الاجتماعي الذي يتفاقم في الأزمنة الصعبة التي تواجهها الشعوب بفعل العدوان أو التضييق عليها من قبل أعدائها، يفرض نفسه تلقائياً على الأرض، وغالبا ما تكون تداعياته دافعا لابتكار الحجج التي تلبي طلب طرف وتسيء إلى طرف، وتكون النتيجة استخدام أسلحة متنوعة تبدأ بالكذب أو الافتراء، وأحياناً يلجأ البعض من أطراف النزاع إلى الإساءة الأشد تأثيرا بالخصم وذلك عبر تشويه سمعته في مجال عمله. ومن هنا تكبر الدائرة، دائرة الإساءة إلى الطرف الآخر بجعله في دائرة المتهم، وإن يكن فعل كهذا غير مبرر.
وبطبيعة الحال، سيكون رد الفعل على الفعل بمثله، في حال غياب العدالة عن ساحة الخلاف وتبادل الحجج، وبالتالي تبقى أسباب الخلاف قائمة وربما إلى أمد غير محدود. ومن هنا كان السؤال الذي طرحه السياسي والزعيم الروحي للهند مهاتما غاندي «1869- 1948» السؤال الذي يصعب إيجاد الجواب عنه وهو: إذا نحن قابلنا الإساءة بالإساءة، فمتى تنتهي الإساءة؟
طبعا المقصود هنا إساءة الأفراد إلى الأفراد لا الدول إلى الدول. هذا النوع من الإساءة فيه قول آخر.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن