الأولى

روسيا.. مفتاح الحرب و الحل

بيروت – محمد عبيد :

لعل أبرز خلاصة إستراتيجية للقاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مع الجنرال الإيراني قاسم سليماني في أوائل أيلول الماضي تبدت في العبارة التي أنهى بها بوتين هذا اللقاء الوحيد والأول من نوعه بين قوتين عظميين دولية وإقليمية، وهي «أثق ثقة مُطلقة بموقف السيد الخامنئي المواجه للمشاريع الأميركية في العالم والمنطقة».
كما أنها شكلت أرضية ثابتة للعلاقة الميدانية التي نشأت إثر هذا اللقاء على الأرض السورية، والأهم أنها أسقطت رهانات ومقولات المحور الآخر الذي تقوده واشنطن حول التناقض بين الدعم الإيراني القديم والثابت لسورية رئيساً وحكومة وشعباً وبين الدعم الروسي المماثل، ومؤخراً المشاركة العسكرية المباشرة في الحرب على الإرهاب في سورية، هذه المشاركة التي أتت تتويجاً لسياق سياسي جسدته روسيا ومعها الصين في «فيتوات» في مجلس الأمن الدولي إسقاطاً لمشاريع القرارات الأميركية-الأوروبية-السعودية-التركية المشتركة على سورية، وترجمته لوجستياً عبر توفير الأسلحة والعتاد اللازمين للجيش العربي السوري.
واليوم، يبدو أن آلية التدرج التصاعدي في مقاربة بوتين وأركان الكرملين للملف السوري مكنت روسيا من الإمساك بموقع القيادة في إدارته دولياً وإقليمياً بعدما نجح بوتين في إجراء اختبارات عديدة للولايات المتحدة الأميركية وبعض دول المنطقة كالسعودية وتركيا، ليصل إلى خلاصة مفادها أن صُناع السياسة في الغرب يقولون الكثير ولكنهم لايلتزمون بأقوالهم أو ليست لديهم القدرة على تحويلها إلى أفعال. فَهُم مثلاً حاولوا اتهام النظام السوري باستعمال السلاح الكيميائي ولكنهم رغبوا في الوقت نفسه بتسوية حول هذا الموضوع مع النظام الذي اتهموه وقبِلوا بالرئيس الأسد شريكاً في هذه التسوية، وَهُم ومعهم أردوغان وحكومته غضّوا النظر عن اختراق الطائرات الحربية الروسية المتعدد وربما المُتعمَد للأجواء التركية، بل إن واشنطن تعاطت مع الأمر بكثير من التجاهل، وهؤلاء أيضاً ومعهم النظام السعودي اكتفوا مداورة بتكرار الإسطوانة التي صارت ممجوجة حول ضرورة تنحي الرئيس بشار الأسد عن الرئاسة كي تستقيم معركة الحرب على الإرهاب التي دعاهم إلى المشاركة فيها الرئيس بوتين.
وهؤلاء جميعهم دفنوا رؤوسهم في الرمال عندما شاهدوا صور الاستقبال الرسمي للرئيس الأسد في الكرملين بصفته الرئيس الشرعي المُنتَخب لسورية، والأعمق بصفته الحليف الأول والثابت لروسيا في المنطقة، ذلك أن هذا الاستقبال جاء بعد الدخول الروسي في العملية العسكرية في سورية، ما أضفى على هذا الإجتماع بعداً مستقبلياً يُثَبت آليات المواجهة العسكرية ومن ثم السياسية مع الإرهاب وداعميه، مع ما يستبطن ذلك من التفاف على مؤتمر جنيف ومندرجاته ومفاعيله كمسار لإنهاء الصراع في سورية وعليها.
الانكفاء الأميركي والغربي عموماً والذي تحول إلى عجز مزمن، وقدرة روسيا على اصطياد الفرص المؤاتية، سيدفعان بالتأكيد واشنطن وحلفاءها الإقليميين إلى القبول بعروض موسكو البحث في طروحات ولو ظرفية تبقيهم شريكاً مؤثراً في مسار الحلول السياسية الممكنة أو المفترضة للأوضاع في سورية، أما البديل فهو الانتظار السلبي والرهان على ما يروجون له من أفخاخ مؤلمة تنتظر روسيا في الميدان.
لاشك أن موسكو تتصرف على أنها القائد الذي بيده مفاتيح الحرب والحل السياسي في آن، وهي لذلك تجري الاتصالات مع دول الجوار الجغرافي أو السياسي مع سورية بهدف تحييد بعضها أو تحذير البعض الآخر أو رسم خطوط حمراء للبعض الثالث تُحَدَد من خلالها الثوابت السيادية الروسية تجاه سورية، وهو أمر سينسحب أيضاً على العراق بعد نضوج موقف الحكومة فيه من العرض الروسي القاضي بتوحيد المواجهة مع الإرهاب في البلدين توفيراً للوقت والإمكانيات، وتسهيلاً لإستراتيجية الانتصار التي وضعها مجتمعين رؤساء أركان الجيوش الروسية والسورية والإيرانية، إضافة إلى كوادر المقاومة اللبنانية، كذلك تعزيزاً لعلاقات المحور الافتراضي حتى الآن الذي لم يكتمل بَدرُه بسبب الضغط الأميركي المباشر والذي يصل إلى حدود التهديد لأركان النظام العراقي على اختلاف توجهاتهم.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن