ثقافة وفن

الأديب الروسي إيفان بونين أعمال لابد من قراءتها … سر الأسرار اقتباس من القرآن وتأثر بالشرق

إعداد: مها محفوض محمد :

مع مرور مئة وخمسة وأربعين عاماً على ولادة الأديب الروسي إيفان بونين «22 تشرين الأول 1870» حثت بعض الدوريات الثقافية على إعادة قراءة أعماله فهو أحد كبار الشعراء والكتاب في الأدب الروسي الكلاسيكي وأهم كاتب قصة قصيرة بعد تشيخوف وأقرب إلى بوشكين في أدبه، فاز بجائزة نوبل للآداب عام 1933 وهو أول كاتب روسي ينال هذه الجائزة وقبلها منحته أكاديمية العلوم الروسية جائزة بوشكين عام 1903 إثر نشره «سقوط أوراق الشجر» فقد عرف بونين بولعه الشديد بالطبيعة الروسية وتغنيه بها بطريقة ميزته عن كل الأدباء الروس حيث يتجسد ارتباطه بالحقول وبالفلاحين وآلامهم في أعماله الروائية والقصصية رغم تحدره من عائلة ارستقراطية نبيلة ففي روايته «القرية» التي نشرها عام 1910 وهي الرواية التي حملت له الشهرة داخل وخارج روسيا يصور القرية بأصالتها ويقدم صورة عن واقع حياة القرية الروسية في تلك المرحلة، قال عنها مكسيم غوركي: إنها أفضل ما كتبه الروائيون عن الفلاح الروسي وقد صدرت ترجمة هذه الرواية عن الهيئة العامة السورية للكتاب في عام 2010 ثم ترجمة روايته «سيد من سان فرانسيسكو» في عام 2012.
عرف عن إيفان بونين حبه للشرق وزياراته له حيث زار مع زوجته فيرامورمتسيفا سورية ومصر وفلسطين في عام 1907 واعتبر تلك الزيارة بمنزلة حج إلى الأراضي المقدسة وقبل مجيئه إلى الشرق درس الإنجيل والقرآن بنسخته الروسية لينظم بعدها قصائد تحمل في عناوينها نفحات نزعة صوفية حقيقية من هذه القصائد: «الهجرة»، و«ليلة القدر»، و«الحجر الأسود للكعبة»، و«الحجيج»، و«القافلة» و«المقام المقدس» و«تسبيح» و«يوم الحساب» ثم في قصيدته «السر» التي يقول فيها:
«ألف، لام، ميم، إنه سر الأسرار» ما يوحي بقراءته الجيدة للقرآن واقتباسه منه. وبعد عودته إلى روسيا نشر قصصاً يروي فيها انطباعاته عن الشرق ومنها «ظل الطير» التي نال عليها جائزة بوشكين للمرة الثانية عام 1909.
لقد شكل بونين ظاهرة أدبية في روسيا في الربع الأول من القرن العشرين غير أنه هاجر إلى فرنسا في عام 1918 لخلافه مع البلاشفة وعاش هناك إلى أن توفي عام 1953 ولم تهتم الحكومة السوفييتية بأعماله إلا بعد وفاة ستالين بعد منتصف الخمسينيات، حيث بدأت أعماله تنشر في الاتحاد السوفييتي ورغم بقائه في فرنسا وإتقانه اللغة الفرنسية لم يقبل بونين أن يكتب شيئاً باللغة الفرنسية بل تمسك بلغته الروسية وحبه لوطنه معتبراً أن على الأديب أن يكتب بلغته الأم فقط.
بهذه المناسبة وفي الثاني والعشرين من تشرين الأول الحالي كتبت صحيفة لوفيغارو الفرنسية تحت عنوان «أعمال لإيفان بونين لابد من قراءتها»:
واحد من عمالقة الأدب الروسي الكلاسيكي علينا اليوم إعادة قراءة أهم أعماله مثل: «سيد من سان فرانسيسكو»: وفيها يروي الكاتب قصة ثري أميركي يمثل طبقة من الرأسماليين الأميركيين الذين غابت عندهم القيم الإنسانية الروحانية وحلت محلها مفاهيم الكذب وقيم الاستهلاك وحب المال، فهذا الرجل الغني الذي عمل طوال حياته ليجمع الأموال يقوم برحلة ترفيهية إلى إيطاليا برفقة زوجته وابنته، لكن ما أن يصل إلى جزيرة كابري الإيطالية يموت الرجل فجأة وتصبح جثته عبئاً على الناس وحتى على عائلته التي ترتبك ولا تحسن التصرف، والمؤسف أن جثة الرجل الذي جاء متباهياً بماله وشهرته على متن مقطورات الدرجة الأولى في السفينة وقاعاتها الليلية الفاخرة أثناء قدومه يعود في قعر السفينة داخل صندوق خشبي وضع حيث تدور محركات السفينة الضخمة.
الناقد أبرام ديرمان وكان معاصراً لبونين قال عن هذه القصة الرمزية: أكثر من عشرين عاماً تفصلنا عن أعمال تشيخوف لم نقرأ خلالها عملاً يعادل في قوته وإبداعه النثري رواية «سيد من سان فرانسيسكو».
وعن الحب وطقوسه وأسراره كتب بونين الكثير فهو الأديب الذي أحب بصدق وشغلته كثيراً مشاعر الحب بين الرجل والمرأة ويرى بونين أن لا حياة من دون حب رغم عذاباته.
في روايته «غرام ميتيا»: يروي لنا قصة شاب يدعى ميتيا يعشق الفتاة كاتيا وهي تتعلم التمثيل في مدرسة وكانت تسخر من تصرفاته الصبيانية وغيرته المجنونة عليها غير أن ميتيا الذي يفتت قلبه الهوى والغيرة يترك موسكو ويتوجه إلى الريف عله يستعيد وعيه وهناك يتعرف على فتاة قروية تعيش في كوخ ويستسلم الشاب لحب شهواني معها لكنه رغم ذلك يزداد ألماً فهو يحب كاتيا ولا يمكن نسيانها في الوقت الذي يتلقى منها رسالة تخبره فيها أن لا لقاء بينهما بعد اليوم ما يقوده إلى اليأس ثم الانتحار.. وعن هذه الرواية كتب الفيلسوف فيدور ستيبون وهو صديق بونين قائلاً: في رواية «حب ميتيا» يكشف بونين عن التراجيديا في كل حب بشري.
«حياة آرسينييف»: وهي الرواية التي روجت للكاتب لينال جائزة نوبل للآداب نشرها في باريس عام 1930 ووصفت بأنها السيرة الذاتية لبونين استطاع من خلالها تطوير تقاليد النثر الروسي الكلاسيكي، في الرواية وصف لطفولة ومراهقة الكسي آرسينييف بطل الرواية وحبه للفتاة ليكا التي لا تلبث أن تبتعد عنه لأن والدها غير راض عن هذا الحب ويحاول آرسينييف اللحاق بها والبحث عنها غير أن والدها يتكتم على مكان وجودها وفي النهاية يعلم آرسينييف أنها ماتت قبل شهور وأوصت بعدم إخباره بموتها.
الكاتب قسطنطين باوتستوفسكي اعتبر رواية «حياة آرسينييف» واحدة من الأعمال الرائعة الفريدة في الأدب العالمي ويبدو أن الرواية تنم عن دوافع وأفكار تتعلق بالسيرة الذاتية للكاتب حيث عاش بونين علاقة حب من دون زواج ثم تركته حبيبته إلى غير رجعة.
«الدروب الظليلة»: وهي من الروايات الأكثر شهرة بين كتاباته أبدع فيها بونين في التعبير عن الحب وقيمه السامية من خلال قصص متنوعة لم يدم الحب في معظمها طويلاً ففي إحداها وعنوانها «الاثنين الأول من رمضان» يروي قصة حب غامض ولقاءات ليلية سرية بين شاب وفتاة هما بطلا الرواية ومع أول اثنين من شهر رمضان تطلب الفتاة من حبيبها أن يمنحها عطلة يومين لتذهب إلى موسكو ثم تختفي وبعد عامين يجدها الشاب بين راهبات دير في موسكو. وقصة أخرى من «الدروب الظليلة» يترك شاب حبيبته ثم يلتقيها بعد ثلاثين عاماً وما زالت تحبه من دون أن تغفر له ما فعل بها. وفي جميع قصص بونين يفترق الحبيبان لكن الحب يبقى، ويعتبر الكاتب «الدروب الظليلة» من أهم أعماله وقد تحولت أغلب قصصها إلى مسرحيات وإلى أفلام سينمائية كما أدخل جزء منها إلى المناهج الدراسية في روسيا وهي قصص كانت قد نشرت تباعاً منذ عام 1938 في نيويورك ثم خلال الحرب العالمية الثانية في باريس.
الجدير ذكره أن روسيا الاتحادية وإكراماً لأديبها الكبير استحدثت جائزة سميت «جائزة بونين» كما خلدت ذكراه في عيد ميلاده المئة وأربعين بإقامة نصب تذكاري من البرونز له في مدينة يفريموف حيث عاش بونين.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن