قضايا وآراء

سفير أميركي سابق: الموساد فجّر سيارتي في بيروت

| تحسين الحلبي

يشير سجل الموساد، جهاز التجسس والمهام الخاصة الإسرائيلي، إلى عدم وجود أي خطوط حمر لعملياته حتى ضد الحلفاء بمن فيهم الولايات المتحدة، وعادة ما يستخدم الموساد توقيتاً دقيقاً وطريقة شديدة الإحكام في استهداف شخصيات سياسية من الحلفاء، لا بهدف التخلص منها ومن سياستها التي لا ينظر لها بارتياح فقط، بل ولفتح المجال لاتهام آخرين بالمسؤولية عنها أيضاً، أي لكي تؤدي إلى اتهام أعداء إسرائيل، بها وهذا ما يسمى بالعمليات التي تسبّب تفجير فتنة أو حرب أهلية أو نزاع معقد يطول حله ويلحق الضرر الكبير بأعداء إسرائيل.
ومثل هذه العمليات من الطبيعي ألا تعلن إسرائيل أي صلة للموساد بها بل تحرص ألا يترك الموساد عند تنفيذها أدنى دليل يشير إليه ويصبح هو المستفيد الأكبر إن لم يكن الوحيد من استهداف شخصية من دولة حليفة له، ومن هذه العمليات الموثقة برغم أن إسرائيل لم تعترف بها حتى الآن وربما لن تعترف في المستقبل، المحاولة الفاشلة لاغتيال السفير الأميركي جون غونتر دين، وهو يهودي أميركي عيّنته وزارة الخارجية الأميركية سفيراً في بيروت في عام 1978 وبدأ بفتح نوع من العلاقات مع منظمة التحرير وياسر عرفات، وهو ما تعده إسرائيل ضد مصلحتها، وفي 28 آب 1980 كان خارجاً من السفارة في بيروت بموكب حماية من ثلاث سيارات إحداها مصفحة وكانت معه أسرته، فأطلقت نحو السيارات قذائف متفجرة ونجا السفير وأسرته بعد إصابته بجراح مع بعض أفرادها، وتبين من التدقيق ببقايا القذائف أنها من صنع أميركي ولم يجر تصديرها إلا لإسرائيل فقط.
نشر دين مذكراته التي أكدت هذه الحقيقة بعنوان: «مناطق خطرة: كفاح سفير من أجل المصالح الأميركية» صدر عام 2009 وأوضح فيه مسؤولية الموساد عن محاولة قتله.
واتضح من المصادر والكتاب أن هناك سببين لمحاولة الموساد اغتيال هذا السفير الأميركي وتوقيتها، السبب الأول: هو أنه قام بفتح علاقات مع أبي حسن سلامة بمعرفة وزارة الخارجية الأميركية، وكان مقر سلامة في بيروت، واستعان به السفير لحماية السفارة في بيروت وكان سلامة يفتح في ذلك الوقت حواراً عن طريق السفير مع الولايات المتحدة بمعرفة رئيس منظمة التحرير الفلسطينية ياسر عرفات، وهذا ما لم ترض عنه إسرائيل، والسبب الثاني هو تفجير فتنة ثلاثية الأطراف بين منظمة التحرير والولايات المتحدة والحكومة اللبنانية، لأن الاتهام باغتياله لن يوجه إلا للفلسطينيين فهو يهودي أميركي وسفير للولايات المتحدة وعند ذلك ستقطع واشنطن الحوار وبهذه الطريقة تكون إسرائيل قد فرضت سياستها على الإدارة الأميركية وتتفجر علاقة المنظمة مع اللبنانيين والأميركيين معا، وهو ما كان سيحصل لو لم يكتشف الأمن اللبناني مع فريق التحقيق الأميركي المصدر الإسرائيلي لهذه القذائف، كما جاء في شهادة السفير الأميركي الذي قال إنها كانت ستؤدي إلى أكبر أزمة يدفع ثمنها الفلسطينيون في ذلك الوقت.
لكن هذه العملية الإسرائيلية الإرهابية ضد سفير أميركي، لم تدفع واشنطن إلى معاقبة إسرائيل أو الموساد، لأن واشنطن كانت في تلك الأوقات بحاجة ماسة للدور الإسرائيلي في المنطقة بعد انتصار ثورة الشعب الإيراني على شاه إيران وتوقيع مصر لاتفاقية كامب ديفيد والخطة الإسرائيلية الأميركية المشتركة لاجتياح لبنان بعد أن وضع وزير الدفاع الإسرائيلي حينها أرييل شارون مخطط الاجتياح بقوات إسرائيلية لخدمة المصلحة الأميركية والإسرائيلية، ولهذا السبب مرت هذه العملية التي نفّذها الموساد ضد سفير أميركي دون أي رد فعل أميركي طالما أن إسرائيل ستقوم بعملية احتلال لبنان لمصلحة الولايات المتحدة.
هذا ما يدل على أن الموساد لن يتوقف عن مثل هذه العمليات بهدف اتهام الآخرين بالمسؤولية عنها ودفع واشنطن للعمل ضدهم.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن