ثقافة وفن

رسائل التوعية يجب أن تبقى حاضرة في تجسيد الشخصيّة الشريرة … أمانة والي لــ«الوطن»: أن أكون إنساناً فاعلاً وأقدم ما ينفع الناس هو ما يرضيني في الحياة

عامر فؤاد عامر :

دخلت الساحة الفنيّة من خلال دراستها في المعهد العالي للفنون المسرحيّة عام 1981 فهي من خريجي الدفعة الأولى منه، وبعدها امتلكت مساحة خاصّة في الوسط الفني بعفويتها، وصدقها، والتزامها بمبادئ الفنّ، فكان لها حضور في الإذاعة والتلفزيون والمسرح والسينما، وتقول: «إنّ الشاشة الذهبية هي ما جذبني إلى هذا الطريق»، على الرغم من حضورها الخجول في الفرصة السينمائيّة. وتعدّ مسرحيّة «حرم سعادة الوزير» العمل الأول لها بعد التخرج مباشرة، وتشير إلى أنّها: «محظوظة في اللقاء برعيل الفنّ الأول في سورية، فأن تراقبهم وتعيش معهم هو مكسب مهم وتجربة غنيّة»، وقد شاركت في مسرحيّات مهمّة مثل: «كاسك يا وطن»، و«شقائق النعمان»، و«سوبر ماركت»، «عبلة وعنتر»، وآخرها كان «ماتا هاري»، وفي التلفزيون عرفها الناس في أدوار كثيرة فكانت «عوض» في «عيلة خمس نجوم»، وأم صفوان في «زمن البرغوث»، والمرأة اليهوديّة في «سفر الحجارة»، وهموم في «عناية مشددة»، الكثير من الشخصيّات المركبة والمهمة في أعمال الدراما السوريّة. الفنانة «أمانة والي» تتحدث اليوم لـ«الوطن» عن محطات وتجارب مهمّة وغنيّة من حياتها.

الملامح الأولى

حدّثتنا الفنانة «أمانة والي» عن بداياتها التي ارتبطت بدخولها في دراسة الفنّ فقالت: «كنت في الصف التاسع عندما أحببت دراسة التمثيل وكانت الفكرة السفر إلى مصر والدراسة هناك، وبالفعل قرر والدي السؤال عن الموضوع شرط ألا تكون الدراسة أكثر من عامين، لكن اكتشفنا حينها أن الدراسة ستكلفني أربع سنوات؛ وهذا كان صعباً بالنسبة لوالدي فتوقف الحلم هنا، ليحالفني الحظ في مرحلة البكالوريا بافتتاح المعهد العالي للفنون المسرحيّة عامه الدراسي الأول وكنت من أوائل الدارسين فيه، ولذلك اعتبر نفسي محظوظة في هذه الدراسة. وعن ردّة فعل الأهل تضيف: «كان لوالدتي موقف الرفض للموضوع، لكن الكلمة الفصل كانت لوالدي، كما كان لعائلتي في قسم منهم «الأعمام» دور المقاطعة لعائلتي بسبب دخولي للمعهد العالي للفنون المسرحيّة، لكن والدي دافع عني ضدّ كلّ من اعترض، على الرغم من أن عائلتنا ليست من النوع المتزمت لكنها عائلة محافظة».

البيئة وتأثيرها
للبيئة تأثير كبير في صقل موهبة الشخص وكيفيّة الظهور أمام المجتمع وعن هذه الفكرة تضيف «أمانة والي»: «والدتي مصريّة الأصل وهي من عائلة «عبد العال» والكثير منهم يعزفون على آلة «الكمنجة» وهم مشهورون في مصر بالعزف عليها، وإخوتي أحدهم يعزف على «الساكسفون»، والآخر على «الأورغ» وأحدهم يغني اللون الغربي، بالتالي الأصول الفنيّة في عائلتي هي موسيقيّة غنائيّة وليست تمثيليّة. وأنا شخصيّاً لم أجرب التمثيل في أي مكان آخر إلا في المسرح المدرسي، فكانت مشاركات متواضعة، وملتقيات مع مدارس أخرى في الغناء والرقص والنشاطات المدرسيّة والفقرات المهرجانيّة، إذ لم يكن هناك تجربة حقيقيّة في التمثيل قبل دخولي للمعهد، لكن أحببت السينما في عمر ست سنوات، وهي ما جعلني أحبّ عالم الفنّ والتمثيل، فكان إخوتي يذهبون للسينما وأتعلق بهم بإصرار لحضور أي فيلم، وتجبرهم والدتي على ذلك لكوني الصغيرة في العائلة وتلبية لرغبتي، فتابعت جميع الأنواع من الهندي والعربي والأجنبي مبكراً، فسحرتني الشاشة الذهبية كثيراً، واليوم عندما أتذكر ذلك أقول إن السينما بالنسبة لي حلمٌ لم يتحقق، فقد دخلت الفنّ بسبب إحساسي بالسينما وليس بسبب المسرح، إذ لم يكن هناك كثير من المسرحيّات التي تابعتها لكن أذكر مثلاً «حفلة سمر من أجل 5 حزيران» للمسرحي «سعد اللـه ونوس» وهي العالقة في الذاكرة تقريباً. فكان المعهد هو بوابتي للفنّ وتجاربي جاءت فيه وما بعد الدراسة، ولكن لدى تخرجي وقد كنت من الخمسة الأوائل أوفدتنا الدولة في بعثة لدراسة الإخراج في موسكو وكان من المفروض أن أبقى هناك 5 سنوات للدراسة ولكن لم أقض سوى عامين هناك، ورجعت فوراً بسبب ابنتي الصغيرة وظروف التربية، وبالتالي تابعت حياتي مع عائلتي هنا.

وقفة صادقة
منذ البداية كانت الفنانة أمانة والي» صادقة وصريحة مع نفسها وما الذي تريده من مهنتها وحياتها فأوضحت لنا ما حصل: «سألت نفسي وبصدق وفي وقفة صادقة: ما الذي أريده من الفنّ؟ هل هي الأموال أم الشهرة أم السفر أم ماذا؟ وهذا السؤال منحني وضوحاً مع نفسي وكشفاً لطريقي، وبالتالي هذا السؤال منحني معرفة هدفي أكثر والانسجام أكثر معه، وأيضاً فهمت من خلال هذا الوضوح معرفة كلّ خطوة أقوم بها، وما زلت أذكر كلمات أستاذي المسرحي الكبير «فواز الساجر» الذي قال لنا يوماً: «من الممكن أن تشتغلوا في الفنّ أعمالا رديئة، وأنا لست ضدّ ذلك ولكن عليكم أن تعرفوا أنها رديئة فلا يحق لأحد منكم أن يجملها أو يقنع نفسه بأنها ظريفة ويدافع عنها، فهنا سيهبط مستوى الفنان، أمّا لدى إدراكه ومعرفته ذلك فهنا سيبقى في مستواه الحقيقي ولن يهبط لمستوى التفّه». بالتالي كان جوابي الذي حضر بعد وقفتي مع نفسي هو أولاً أن أثبت ذاتي كفنانة موجودة وفاعلة، وإرضاء طموحي كإنسان، وثانياً أن أقدم رسالة في الحياة فلا يمر العمر دون تأثير وبصمة، وبالتالي أن تكون الرسالة نبيلة تستفيد منها الناس، وتتأثر وتنتفع بها الإنسانية، وإن حققت كل ذلك فسأصل إلى مرحلة الرضا. فقد تعلمت من المعهد والأساتذة ومن الحياة أن العمل النبيل سيجعلني راضية مع نفسي في العلاقة مع الآخر».

ذكريات مسرحيّة
تعدّ الفنانة «أمانة والي» من الجيل الوسط الذي عمل مع الجيل الفني القديم وتعامل معهم وكذلك مع الجيل الفني الجديد الحالي وحول هذه الفكرة تقول عن نفسها: «أول مرّة عملت بعد التخرج كان في مسرحيّة «حرم سعادة الوزير» وهو آخر عرض للفنانة القديرة «منى واصف»، «دور العمّة»، وهو مشهد مدّته قرابة ربع الساعة، وكانت فرصة مهمة عنوانها: «آخر مسرحيّة لمنى وأول مسرحيّة لي». كما عملت في مسرحيّة «كاسك يا وطن» بدور «أم أحلام»، وأشعر بأنّني صلة الوصل بين جيلين، فقد كسبت من الجيل الأسبق حبّه للفنّ، وهم من هامات المسرح السوري كالفنانين: «منى واصف، وعدنان بركات، ثناء دبسي، ومحمود جركس، وأميمة الطاهر، ورياض نحاس، والتواصل مع هؤلاء مهم جداً. وأذكر وقفتي أمام الفنان «دريد لحام» ففي الأيام الأولى من العرض كنت أرى كيف يمثّل، وكنت متفرجة ولست ممثلة. وفي العموم العمل مع هؤلاء الكبار هو كشف في كيف يعيشون وكيف يفكرون؟ فمن المهم والضروري أن يستقي الممثل من هامات مهمّة هذه التجارب».

غنى التجربة
حول تأثير المسرح في الفنان وغنى التجربة المسرحيّة تقول «والي»: «اكتشفت من خلال الدراسة والتجارب التي قدّمتها لماذا يؤثر المسرح في الفنان الحقيقي؟ فهو المكان الوحيد الذي يمثل فيه المرء ساعة أو أكثر من دون أن يعطله أحد وبتركيز كامل أمام جمهور مباشر، وهي تجربة فنية مهمة جداً على صعيد الممثل، والمتعة في وقت متواصل من دون أي كسر مع ناس يشاهدون مباشرة، فالتركيز قائم في كلّ ثانية، ويدخل الفنان في عوالم أكثر غرابة فيكتشف ما التمثيل الصحيح بكشفه تفاصيل الشخصية والجسد الآخر، فيشعر المرء بهذا الإحساس كبديل من الشخصية في الفنان نفسه. فتضاف الشخصيات التي تُشغل في التمثيل تضاف تجربتها إلى التجربة الحياتيّة الخاصة في الفنان مع بعضهم. والمسرح يطور الذاكرة الانفعاليّة والمسرح هو ما يجعل الموهبة أكثر لمعاناً، فبقليل من الإحساس والدراسة (حرفة وموهبة) والوضوح يصبح تطور التمثيل جاهزاً وبالتالي يمكن تأدية أي شخصية وأي مشهد أو مجموعة مشاهد ولو كانت متناثرة.

جديد المسرح
عن آخر عرض قدّمته وعن الجديد الذي تحضر له في المسرح: «آخر عرض مسرحي عام 2013 بعنوان «ماتا هاري» للمخرج «هشام كفارنة» ومن تمثيل: «خلدون قارووط، ونضال جوهر، ورنا ريشة، وسوسن أبو الخير»، وهناك مسرحيّة أحضّر لها «رب ضارةٍ ضارة» للمخرج المسرحي «محمد قارصلي».

الإنجاز في السينما
حول العمل السينمائي وما قدّمته في هذا الميدان تقول: «حبّي الأول هو السينما وليس المسرح لكن في رصيدي 6 أفلام سينمائيّة فقط، وهي «الشمس في يوم غائم»، و«سحاب»، و«المرابي» وهو فيلم مشترك (سوري– روسي)، و«الطحالب»، و«صورة»، و«طريق النجاة» في العام 2011 وهو من إنتاج إيراني والمخرج والفنيون كلّهم إيرانيون، وقد تكلمت باللهجة الفلسطينيّة، ويتحدّث عن مجريات غزة اليوم، وهو فيلم معاصر وكنت فيه مع «نادين سلامة» و«وسيم الرحبي»، و«بول سليمان» من لبنان، والكومبارس من لبنان أيضاً، والفيلم مهم أخذ جائزة التحكيم في مهرجان «برلين» السينمائي، وأتمنى مشاهدته لأنه لم يعرض في سورية بعد».
الشخصيّة الأقرب

الشخصية التي تحبّ تجسيدها والتي لاقت قرباً إلى قلبها أكثر بعد هذه التجربة في الوسط الفني، وحول هذه الفكرة تضيف الفنانة «أمانة والي»: «أحبّ تقديم شخصيات تشبه الواقع وتلامس المجتمع السوري، حتى شخصيّة «هموم» في مسلسل «عناية مشددة» مأخوذ من شخصيّة واقعية من مدينة حمص. وأذكر شخصيّات كما في مسلسل «ليس سراباً، ومسلسل « عصي الدمع». وهذه الشخصيّات تزيدني محبّة للمجتمع السوري وأعشق النساء السوريات، ولذلك أجتهد في تقديم الشخصيّة حتى الشريرة منها، ودائماً أجعلها تحمل الكثير من الرسائل التي تضيف التوعية للمتابع، بأن الشخصيّة الشريرة مكروهة أو يجب عليه محاربة التصرف الشرير».

ضمن طموحي
عن تجسيدها لدورين متناقضين لحدّ كبير في الخط والمضمون الفنّي، وذلك في مسلسلات البيئة الشاميّة بين «الأمّيمي» و«باب الحارة» تعلّق الفنانة أمانة والي قائلةً: «في باب الحارة الجزء الأخير أحببت أن يكون إطلالة فقط ليس إلا، فهو دور وُلد في الجزء السابع ومات فيه، وفي الحقيقة لم يضف لي شيئاً مقارنة بدوري في «الأمّيمي» الذي هو دور يعاكسني تماماً، فهي الشخصيّة المسحوقة بكلّ المقاييس، وهي شخصيّة استثنائيّة، ساعدني في ولادتها الفنان «عباس النوري» وأعتقد أنه من الأدوار التي كانت ضمن طموحي».

جيل جديد
«سليمان رزق» ابن الفنانة «أمانة والي» هو من طلاب المعهد العالي للفنون المسرحيّة اليوم، ولدى السؤال عن كيفيّة التعامل معه وهل سيكون هناك تدخلات أو توجيهات؟، كانت إجابتها: «أنا أميل ليكوّن هو شخصيّته، فأنا أتعامل معه هكذا في الحياة فكيف في الفنّ!، وقد تركت له المجال في تدريب نفسه وتقديم نفسه ولم أتدخل كثيراً في خياراته، على الرغم من رغبتي في توجيهه، فأنا لست وصيّة عليه، لكن عندما أعود في الذاكرة مع تجربتي أقول بأنّه لو كان لدي وصيّ فني في حياتي لكنت تجاوزت الكثير من الأخطاء التي كان من الممكن تلافيها».

أين الكوميديا؟
في أدوار الكوميديا لم نجدها كثيراً فكانت التجربة محدودة على الرغم من إبداعها في هذا المجال ضمن هذه التجارب وحول هذه الفكرة تقول: «لم أعمل في الكوميديا كثيراً، فلم تأتني عروض عموماً، ولم أسع أنا إليها كذلك، فهي عروض محدودة كعيلة خمس نجوم» وشخصيّة «عوض»، و«ألو جميل ألو هناء» ومسلسل «يوميات ظريفة».

ذكرى
كانت بداية حديثنا عن الفنانة المرحومة «رندة مرعشلي» وتعمدّت ذكر ذلك في خاتمة الحوار؛ فقد تصادف موعد اللقاء مع الفنانة «أمانة والي» في يوم تشييع المرحومة، ولذلك تناسب أن نتحدث عن ذلك، إذ تقول «أمانة»: «لقد جمعني برندة عمل في الأردن، وكنّا فقط السوريتين الوحيدتين في ذلك العمل، وعشنا مدّة 3 أشهر جميلة جداً، فيها الكثير من تفاصيل الحياة، وذلك منذ 12 عاماً، وهذا ما كنت أتذكره طوال اليوم عنها».

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن